الأرمن تحدّوها في عقر دارها وقبرص من بوابة أثينا
أتاتورك الأوراسية .. أزمات من حيث لاتحتسب
أرمنيات خلال احتجاج ضد تركيا |
نصر المجالي من لندن: واجهت تركيا أزمة جديدة في تطلعاتها للانضمام للاتحاد الأوروبي وهي مسالة مثيرة للجدل طال انتظار حسمها، حيث من تعثر مفاوضات قبول عضويتها الكاملة بسبب عدم اعترافها بجمهورية قبرص المدعومة من اليونان، فإنها في اليومين الأخيرين اصطدمت بالقضية التي تطل برأسها كل عام وهي المجازر التي ارتكبت ضد الأرمن في عهد الخلافة العثمانية قبل تسعين عاما،، وتعتبر هاتان الأزمتان إضافة لسجل تركيا السيئ في مجال انتهاكات حقوق الإنسان من العثرات التي تعرقل قبولها في الاتحاد الأوروبي.
فهذا البلد الأوروبي الآسيوي، الذي تأسس في العام 1924 جمهورية مستقلة على يد العلماني الجنرال مصطفى كمال أتاتورك (أبو الأتراك) من بعد الحرب العالمية الأولى على أنقاض السلطنة العثمانية التي تم تفكيكها نتيجة لتلك الحرب، ظلت لسنوات تسعى نحو الأسرة الأوروبية لنيل العضوية الكاملة في اتحادها. ولكن العراقيل استمرت أمامها إلى هذه اللحظة.
وعلى نحو غير متوقع، أطلت أمس مجددا مجازر الأرمن لتلقي ظلالا من الشكوك في إمكانية قبول تركيا عضوا في الاتحاد الأوروبي خلال أعمال القمة الأوروبية التي تستضيفها بريطانيا في أكتوبر (تشرين الأول ) المقبل، حيث تتناقض مواقف الدول الأوروبية حيال هذه العضوية، ما دامت تركيا ترفض الاعتراف بالجمهورية القبرصية الموالية لليونان العدو التاريخي لتركيا.
و إذ مناقشة أحداث عام 1915 يعتبر من المحرمات في السياسة التركية، فإنه افتتح اليوم في تركيا مؤتمر أكاديمي مثير للجدل عن مقتل الآلاف من الأرمن على أيدي الجيش التركي قبل تسعين عاما حسب الروايات الشائعة من جانب الزعامات الأرمنية التي لا تزال تطالب دول العالم الحديث الحر بالضغط على حكومة انقرة للاعتراف بتلك المذابح والاعتذار عنها.
وكانت محكمة تركية قضت الخميس بمنع جامعتين من استضافة المؤتمر، لكن منظميه تمكنوا من ترتيب تنظيمه في جامعة خاصة، وكان يفترض أن يفتتح المؤتمر أمس الجمعة لكنه لم يعقد، وجاء أمر المحكمة التركية بعد شكوى قدمها قوميون أتراك قبل أيام من بدء تركيا محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
وكان رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردغان والاتحاد الأوروبي انتقدا حكم المحكمة الذي قضى بإلغاء المؤتمر المقرر أن يناقش وجهة النظر التركية الرسمية للأحداث المثيرة للجدل التي وقعت عام 1915.، وقال أردوغان إن إلغاء الاجتماع، عندما لم يكن من الواضح بعد ما سيتناوله، يتعارض مع قيم الديمقراطية.، بينما قالت متحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إن ما حدث هو محاولة لمنع تركيا من مناقشة تاريخها.
ويتهم الأرمن السلطات العثمانية في ذلك الوقت بارتكاب عملية "إبادة" وهي الرؤية التي تؤيدها 15 دولة من بينها فرنسا وسويسرا وروسيا والأرجنتين، لكن تركيا تقول إن عدة مئات الآلاف قتلوا في حرب أهلية قتل فيها أيضا الكثير من الأتراك.
وتساءل أردوغان حول حكمة قرار المحكمة قائلا: "ألقت المحكمة بالظلال على عملية الديمقراطية والحرية في بلادي"، وهو اتفق مع وزير الخارجية عبد الله غول قائلا إن الحكم هو نتيجة جهود معارضي انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي.
ونقلت عنه وكالة الأناضول للأنباء قوله من نيويورك: "بدءا من الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) فإن هناك أشخاصا في الداخل والخارج يبذلون آخر جهودهم لعرقلتنا... وليس هناك الكثير من الدول التي يمكن أن تضر نفسها بهذه الصورة."
ومن جهتها، قالت كريستينا ناجي المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية إن "غياب دوافع قانونية وتوقيت هذا القرار قبل يوم من المؤتمر يبدو وكأنه استفزاز آخر". وكان تم التخلي عن أول محاولة لتنظيم المؤتمر في مايو أيار بعد أن اتهم وزير العد لالتركي منظميه بخيانة تركيا.
وتقول سارا رينسفورد مراسلة بي بي سي في اسطنبول إن مجرد مناقشة الأمر كان محظورا حتى إجراء إصلاحات مؤخرا في إطار محاولات تركيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من إمكانية استئناف قرار المحكمة فإن محامين يقولون إن فرض تنظيم المؤتمر الجمعة كما كان مقررا، تكاد تكون معدومة.
وكانت الاختصاصية في علم الاجتماع والعضو في لجنة التنظيم نوكيت سيرمان علقت بعد قرار المحكمة الإدارية التركية بالقول "تلقينا اشعارا من محكمة ادارية في اسطنبول يدعونا الى الرد على طلب معلومات في خلال ثلاثين يوما ويطلب منا تعليق نشاطاتنا خلال هذه الفترة"، وقالت ان "محافظ اسطنبول اتصل بنا معتذرا, الا انه قال ان عليه ان يطبق القانون", رافضة التعليق على الامر.
وهذه المرة الثانية التي يرجأ فيها هذا المؤتمر الذي اثار جدلا واسعا في تركيا. وكان يفترض ان ينعقد المؤتمر وهو بعنوان "الارمن العثمانيون خلال مرحلة افول الامبراطورية" في مايو(ايار) الماضي قبل ان يرجأ بضغط من وزير العدل جميل تشيتشك الذي اتهم المشاركين فيه بـ"الخيانة".
وبعد انتقادات اوروبية، اعلنت الحكومة انها غير معنية بكلام وزيرها، وشجع رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الباحثين على المضي في عملهم. الا ان المحكمة الادارية اتخذت قرارها بعد شكوى تقدمت بها منظمة غير حكومية هي جمعية اتحاد القانونيين تطالب بالغاء الاجتماع، حسب ما ذكرت وكالة انباء الاناضول.
يشار إلى أن الارمن هم من اقدم شعوب منطقة الشرق الاوسط و تقع بلاد الارمن ( ارمينيا او ارمنستان ) الى الشمال من منابع نهر الفرات عند بحيرة وان، أي انها تحاد كوردستان وكان للشعب الارمني منذ الازمنة القديمة دولتهم المستقلة وحضارتهم المتقدمة و تاريخهم الخاص بهم.
وكان الارمن يقطنون في ست ولايات في منطقة الاناضول و هي : تبليس ، وان ، ارضروم ، دياربكر ، خاربوت و سيواس ، وقد سكنوها قبل الاتراك، وكانت المجازر التي ارتكبت ضدهم عمليات الترحيل و تهجير الارمن ايضا الى الصحراء السورية و حلب و اورفة و سري كاني و دير زور و غيرها حيث جرت عمليات الترحيل تلك في احلك الظروف مما ادا الى موت القسم الاعظم منهم و ذلك عطشا و جوعا من شدة الارهاق، وخسر الارمن في هذه الفاجعة وحدها مليون نسمة ، ذبح نحو مائة الف شخص فقط في صحاري دير الزور السورية.
وكانت المذبحة الاولى في اغسطس (اب) وسبتمبر (ايلول) من سنة 1894 في منطقة ساسون عندما شعر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني بالخوف من النهوض الثوري للشعور القومي و الوطني للقوميات في الامبراطورية العثمانية و اهتمام الدول الاوربية و روسيا بها و لكن تصرف السلطان عبد الحميد ذاك فسح المجال اكثر امام الدول الأوربية و روسيا بها،، ولكن تصرف السلطان عبد الحميد ذاك فسح المجال اكثر امام الدول الاوروبية و روسيا لاتخاذ مسالة المذابح وسيلة للضغط على الدولة العثمانية لتحقيق ماربها السياية فيها .
وتقول الوثائق التاريخية أن نجاح العثمانيين بتحقيق اهدافهم المباشرة في المذبحة الارمنية الاولى أدى الى ان تبدا السلطات العثمانية بارتكاب مذبحة ثانية ، ففي ايلول 1895 بدا رجال السلطان في استنبول يفتكون بالارمن فقتلوا منهم الالاف ثم انتقلت المذبحة الى مدن ارمينيا الغربية و المدن الاخرى التي كان يسكنها الارمن مثل مرعش و ديار بكر و سيواس وغيرها من مدن.
وتشير الوثائق إلى بعض الارقام والاحصاءات حول خسائر الارمن البشرية و المادية لفهم عمق الماساة التي كانوا يمرون بها بين سنوات (1894 ــ1896)، ففي اسطنبول ابيد خلال يومين فقط ، نحو (5500) ارمني كما استمرت مذابح الارمن في ديار بكر ثلاثة ايام و قتل خلالها ثلاثة الاف شخص ارمني كما دمرت نحو ( 120) قرية و اغتصبت في المدينة وحدها عشرات الارمنيات اما خارجها فقد تعدى الاغتصاب هذا الحدود.
كما فقد الارمن في المذبحة التي جرت في سيواس في 12 نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه ، نحو الف شخص و القوا بجثثهم في الخانات، وعلى حد قول احد الشهود العيان فان معظم الضحايا في سيواس كانوا قد قتلوا بالساطور و القضبان الحديد و العصي الغليظة و الخناجر و ما شابه ذلك، وكخلاصة لكل ماسبق يمكن القول ان تلك الفترة التي تعرض لها الارمن من مذابح فقد منهم (300) الف ارمني كما ان كثيرين منهم قد هربوا عبر الحدود . وفي اواخر سنة 1904 ، ارسلت السلطات العثمانية كتائب من وحدات الجندرمة الى المناطق الارمنية و قصفوا المدن الارمنية و بلغ عدد الضحايا اكثر من (8) الاف شخص.
ويقول باحثون ان قسما من الكرد المسلمين ، لاسيما المنخرطين في صفوف الفرسان الحميدية، انخدعوا بالشعارات الدينية التي رفعتها الدولة العثمانية ، الامر الذي دفع ببعضهم الى المشاركة في تلك المجازر التي جرت للارمن و من الجدير بالذكر ان الاسهام الكردي ذاك كان بتحريض مباشر من الدولة العثمانية، ويبدو ان الاخيرة كانت قد تمكنت باسم الدين الاسلامي من توريط بعض الكرد البسطاء و تسخيرهم في خدمة مصالحها و ماربها على حساب الشعوب الاخرى غير التركية داخل الدولة العثمانية .
وأضافوا أن بارقة امل جديدة للشعوب المغلوبة على امرها ، والتي كانت تشكو من سياسات سلطان عبد الحميد الاستبدادية ظهرت بعد استلام جمعية الاتحاد و الترقي دفة الحكم في الدولة العثمانية في سنة 1908 حيث وعدت السلطات الجديدة بالمساوات بين جميع المواطنين امام القانون، ولكن الاتحاديين سرعان ما كشفوا عن نواياهم الخبيثة و سياستهم الطورانية تجاه القوميات غير التركية و نادوا بسيادة العنصر التركي على كافة الشعوب و القوميات داخل الامبراطورية العثمانية و التي باتت تعرف ( بالرجل المريض) لذا فلم يكن عهد الاتحاديين افضل من سابقيهم بالنسبة للارمن و القوميات الاخرى حيث استانفت في عهدهم سياسة المجازر مرة اخرى ، بل وبشكل اكثر بشاعة من قبل .
وبعد سنة من استلام الاتحاديين للحكم ــ أي في سنة 1909 اقاموا مذبحة جديدة للارمن في مدينة ادنة ادت الى مقتل (9000) ارمني بريء خلال اسبوع واحد، الامر الذي دفع ببعض المصادر الى القول ( لم تكن مذابح سنوات 1894 ــ 1909 شيئا من حيث الفظاعة و البشاعة اذا قارناها بالمذابح الارمنية التي قامت في سنة 1915 و في السنين التي تلتها.
وبعد اتخاذ القرار النهائي في جلسة سرية من قبل اعضاء قيادة الاتحاد و الترقي و مجلسه الاعلى بابادة الارمن عن بكرة ابيهم اصدرت في سنة 1915 قانون التهجير الارمني و بموجبه تم تهجير الاف من الارمن الى الصحارى العربية و اماكن متفرقة اخرى و تم اسكان الاتراك في قراهم و مدنهم .
وابتداء من شهر يناير (كانون الثاني) 1915 بدات مرحلة جديدة من عمليات النفي و قتل الارمن، نظرا لتسعب الاحداث و كثرتها ولا يتسع المجال للخوض في ذكر كل الاحداث . ففي ربيع السنة المذكورة انفا قبضت الحكومة العثمانية على رجال الارمن في انقرة بين سن 15 ــ70 وربطوا كل اربعة منهم ببعضهم وارسلوا باتجاه مدينة قيصيرية و بعد مسيرة خمسة او ستة ساعات وصلوا الى وادي منعزل هاجمهم فيها غوغاء من الفلاحين الاتراك بالهراوات و المطارق و الفؤوس و المناجل و المجاريف و المناشير ، تلك الادوات التي لم تكن تسبب الموت الفظيع بالمقارنة مع القتل بالاسلحة و المسدسات فحسب ، بل كان يقول الاتراك انفسهم كانت تلك الطريقة اكثر اقتصادية لانهم لم يضعوا سدى البارود و الاغلفة النحاسية.
وأخيرا، فإنه في مدينة موش فقد جرت عمليات قتل الارمن بطريقة لا يمكن للعقل تقبله و بصدد تلك العمليات يذكر شاهد عيان ما يلي : "اما في مدينة موش فقسم من الارمن اتلف بالمتابن و القسم الاعظم اتلف رميا بالرصاص و طعنا بالسكاكين ، و كانت الحكومة تستاجر قصابين ، تعطي كل واحد منهم ليرة عثمانية يوميا ....وقد قصى علي احد الاطباء و يسمى عزيز بك انه كان في قضاء مرزيفون من اعمال ولاية سيواس و علم ان قافلة من الارمن سترسل للقتل فذب الى القائمقام و قال له ... ارجو ان تاذن لي بالذهاب لارى العملية التشريحية بام عيني ، فرخص لي وذهبت فوجت اربعة قصابين ، بيد كل واحد منهم مدية طويلة و افراد الدرك يفرقون كل عشره من الارمن على حدة و يرسلون الواحد بعد الاخر لعند القصاب ، فيقول القصاب للارمني : مد رقبتك فيمدها : فيذبحه ذبح الغنم.
التعليقات