الياس توما من براغ : بدأت الساحة السياسية البولندية تقف الآن أمام خيارين لا ثالث لهما لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها الآن حكومة الأقلية التي شكلها حزب القانون والعدالة اليميني المحافظ بعد فوزه بالانتخابات النيابية التي جرت في خريف العام الماضي .
فبعد فشل حكومة كازيمير مارتسينكوفيتش في إقرار ميزانية الدولة للعام الحالي وتراجع دعم الأحزاب القومية والكاثوليكية المتشددة للحكومة بسبب عدم استجابتها لمطالبها المتزايدة بالاشتراك في إدارة أمور الدولة بشكل اكبر ومباشر بدأ مصير الحكومة البولندية يتأرجح بين خيارين الأول إمكانية تحويل حكومة الأقلية إلى حكومة ائتلافية من خلال الدخول في ائتلافات مع قوى سياسية أخرى تؤمن لها الأغلبية في البرلمان البولندي المسمى quot; السيم quot; والثاني الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة .
الاختيار الاستراتيجي على ما يبدو للحكومة وحزب القانون والعدالة والرئيس ليخ كاتشينسكي هو إجراء الانتخابات المبكرة غير انه لن يتم الإقدام على هذه الخطوة إلا بعد التأكد من أن تشكيل حكومة أغلبية مسألة صعبة والثمن السياسي فيها سيكون عاليا بالنسبة الى حزب القانون والعدالة .
الاتصالات الأولية التي جرت مع حزب المنتدى المدني اليميني الليبرالي الذي حل ثانيا في الانتخابات الأخيرة بدت واعدة بإمكانية الاتفاق على ائتلاف يميني غير أن الآمال سرعان ما تراجعت في ظل الاختلافات الكبيرة القائمة في توجهات الطرفين الأمر الذي جعل حزب القانون والعدالة يتحدث عن إمكانية الدخول في ائتلاف مع بعض الأحزاب المتشددة كمنظمة الدفاع الذاتي القومية المتشددة والشعوبية وحزب عصبة العائلات البولندية الذي يعتبر محافظا كاثوليكيا متشددا.
وعلى الرغم مما يبدو بان الحكومة قد وضعت في الزاوية الضيقة إلا أن الكثير من المراقبين في وارسو يعتقدون أن الحكومة والرئيس وحزب القانون والعدالة لا يخشون خيار الانتخابات المبكرة بل انه يناسبهم أكثر لأنهم ينتظرون من هذه الانتخابات في ظل المزاج السياسي القائم الآن في البلاد تعزيز حزب القانون والعدالة شعبيته بحيث يتمكن من الحصول على أصوات أكثر من الخريف الماضي في ظل الشعبية العالية التي لا يزال يتمتع بها .
ويرى حزب المنتدى المدني المعارض أن الرئيس البولندي ليخ كاتشينسكي الذي ينتمي سياسيا إلى حزب القانون والعدالة وكان من مؤسسيه مع شقيقه الحالي ياروسلاف الذي يترأس الحزب قد عزم أمره في مسألة وضع البلاد على طريق الانتخابات المبكرة ولذلك ألغى اجتماعا يوم الاثنين كان مقررا مع قيادة المنتدى المدني.
وحسب أوساط هذا الحزب فان الرئيس في حال عدم الموافقة على ميزانية الدولة للعام الحالي في موعد أقصاه 24 من هذا الشهر فانه سيعلن خلال وقت لا يتجاوز الأول من شباط (فبراير) المقبلعن انتخابات مبكرة .
وبالتوافق مع هذا التقويم أكد مصدر رفيع في حزب القانون والعدالة الحاكم لوكالة رويترز اليوم ان احتمالات إجراء الانتخابات النيابية تبدو الراجحة بنسبة 90% أما نائب رئيس الحزب ادم ليبيسكي فيرى أن القرار النهائي بشأن الاتجاه نحو الانتخابات لم يتخذ بعد .
و يتهم رئيس حزب المنتدى المدني يان روكيتا الرئيس بأنه يتصرف كشقيق لرئيس حزب القانون والعدالة أكثر منه كرئيس لكل البولنديين الأمر الذي جعل بعض مسؤولي حزب القانون والعدالة يؤكدون أن حزبهم لا يأخذ في الحسبان إمكانية تشكيل حكومة ائتلافية مع المنتدى المدني
ويؤكد العديد من المصادر الإعلامية البولندية أن القوى السياسية البولندية بدأت تحضيراتها الفعلية لإجراء الانتخابات المبكرة وان هنالك طلبا متزايدا منها على مدراء الحملات الانتخابية وحجز المواعيد في وسائل الإعلام العامة لتقديم دعاياتها الانتخابية كما اتفقت قيادات الأحزاب السياسية اليسارية على البدء الأسبوع المقبل بإجراء مفاوضات بينها لتوحيد صفوفها بحيث تدخل هذه الانتخابات موحدة كي تحقق نتائج أفضل مما حققته في الانتخابات الأخيرة التي دخلتها مشتتة.
وحسب أوساط هذه الأحزاب فان القائمة الموحدة للأحزاب اليسارية يمكن أن تشمل ممثلين عن اتحاد اليسار الديمقراطي والحزب الاجتماعي الديمقراطي وحزب الخضر وحزب ديمقراطيي بولونيا وان هذه الحركة باتجاه توحيد صفوف اليساريين تحظى بدعم كبير من قبل الرئيس البولندي السابق الكسندر كفاشينفسكي الذي لا يزال يتمتع بشعبية عالية في بلاده على الرغم من انتهاء ولايته الدستورية الشهر الماضي .
الوضع الحالي الذي بدأت الحكومة البولندية تتواجد فيه كان متوقعا أن يحدث عاجلا أم آجلا لأنه كان واضحا منذ البداية انه لا يمكن لحكومة الأقلية اليمينية المحافظة أن تعتمد في البرلمان على دعم حزبين الأول كاثوليكيمحافظ متشدد والثاني قومي متشدد بطروحات شعوبية .
التعليقات