لهجة نصرالله اصبحت اكثر هدوءاً لكن المواقف على حالها
هل يمكن الفصل بين احكام الجغرافيا والمشروع السياسي؟

بلال خبيز: من المنصف القول ان اللهجة التي اتسمت بها احاديث السيد حسن نصرالله الاخيرة هادئة وتعبر عن نية صادقة في تجاوز الازمة الحكومية. لكن ما طرحه السيد حسن نصرالله تجاوزاً للأزمة لا يغادر منطقة المراوحة الاصلية التي تتسم بها حال السياسة اللبنانية، بما هي ازمة حكم مستفحلة ومستعصية. والحق ان مطالب السيد نصرالله من الأكثرية الحكومية تهدف في ما تهدف إليه وبعيداً عن حسن سير المنطق الذي يهبط على القادة فجأة ما ان يستشعروا بخطورة الازمة، ويجانبهم ما ان يستشعروا القوة والغلبة على الأطراف الأخرى. لا احد يشك في ان ما يطرحه اليوم حزب الله يعني انتهاء معركة عض الأصابع بجرحين في كلا الأصبعين. وتالياً يبدو ان المطلوب هو طي هذه الصفحة للتحضير لمعركة عض جديدة. لكن هذا كله لا يعني في مطلق الاحوال، ان حزب الله اقل لبنانية من سواه في هذا المقام. وهذا في طبيعة الحال ينطبق على الاطراف كافة. فما يميز حزب الله على هذا الصعيد، بوصفه اهم ممثلي الطائفة الشيعية اليوم، ان موقعه بالغ الحساسية سلماً وحرباً، بسلاحه او من دون سلاحه.

علينا ان نأخذ دائماً في اعتبارنا ونحن نناقش حزب الله وقيادته، ان ابناء هذه الطائفة يقيمون جغرافياً وديموغرافياً على تخوم امن البلد وحربه وسلمه، فالامتداد الشيعي الديموغرافي والجغرافي يغطي ما يزيد عن ثلاثة ارباع حدود البلد مع سوريا واسرائيل على حد سواء. وفي مطلق الأحوال فإن اي سياسة يمكن ان تتبعها حكومة لبنانية لا تأخذ مصالح هذه الطائفة في اعتبارها، ستعود بالويل والخراب على لبنان عموماً. فاهل المناطق الحدودية هم من يتأثر اول من يتأثر باي تدخل خارجي مسلح او غير مسلح، ويعنيهم على نحو مباشر اي سياسة تدار مع سوريا واي سياسة تدار مع اسرائيل. والحق ان اللبنانيين مجمعين، او على الأقل هذا ما يدعونه حتى الآن، على تحكيم حزب الله بامر العلاقة مع اسرائيل واخذ رأيه في اعتبارهم. لكنهم ايضاً يريدون ضمانات، كي لا يستفرد الحزب باستخدام هذه الورقة على النحو الذي يجعلها تعود بالضرر على الجميع. في طبيعة الحال ليس ثمة سياسة دفاعية حدودية يمكن ان ينفرد بها طرف دون آخر، لكن وجود دور راجح لطرف دون آخر ليس أمراً مستغرباً ويجب ان لا يكون محط اعتراضات. وحين يناقش المرء حزب الله في هذا الصعيد، فإنه لا يستثني الأطراف الأخرى من الشطح والخلل والتعدي على مصلحة البلد. فليس حزب الله وحده من يشطح في هذا المجال.

تأسيساً على هذه البداهة، لا بد ان يفكر حزب الله ملياً في مصلحة البلد عموماً. وتالياً فإن الحديث عن تعليق امن البلد برمته على موضوع مزارع شبعا والأسرى امر يحتاج إلى نقاش عام. انما، والحق يقال، ليس من قبيل الانصاف والعدل في شيء، ان يكلف حزب الله بالموت والقتال ضد اسرائيل، وان لا تؤخذ مصالحه في البلد عموماً في الاعتبار، كما لو انه منذور للموت فقط. وهذا ما عبر عنه صراحة السيد حسن نصرالله وله كل الحق في تخوفه واعتراضه. هذا يعني ان الاجماع اللبناني على المقاومة مثلما يحاول ان يوحي السيد نصرالله، هو اجماع على ترك ابنائها يموتون دفاعاً عن حدود البلد. لكن الإجماع يختفي وتنتفي شروطه حال مطالبة الحزب بأي ضمانات وطنية. لهذا ربما يكون من الانسب للبنانيين ان يعمدوا إلى الاتفاق على ميثاق وطني، على الأقل في ما يخص العلاقة بدولة اسرائيل، يكون حزب الله الطرف الراجح رأياً في نص هذه الميثاق، على ان يتضمن هذا الميثاق كل هواجس ومخاوف الأطراف الأخرى من انفراد حزب الله بهذه المقاومة، وان يعمد هذا الأخير إلى تأمين الشروط التي تكفل طمأنة اللبنانيين جميعاً على المستوى الداخلي. وليعذرنا السيد نصرالله، فليس من السياسة في شيء ان يجزم السيد بأن السلاح لن يوجه إلى الداخل وان حزب الله لن ينجر إلى فتنة داخلية. هذا يقع في باب التمني وفي باب الطمأنة الآنية، لكن الحديث عن ضمانات يختلف اختلافاً كبيراً على هذا المستوى. ولن تكفي اللبنانيين طمأنة حزب الله بأن سلاحه ليس أهلياً، لأنه اهلي بامتياز.

النقطة الثانية التي يقف السيد نصرالله عند حدودها ولا يغادرها في ما يتعلق بالوضع الشيعي في لبنان عموماً هو العلاقة مع سوريا. والحق انه في وسع اللبنانيين جميعاً ان يتفهموا بل وهم احرص من حزب الله في بعض الأحيان على إقامة علاقة طبيعية وودية مع سورية. وهذا عين ما يطالب به الرئيس فؤاد السنيورة: فلتوقف سورية الة قتلها. اي بكلام آخر، فلتتوقف عن استخدام الاغتيال السياسي وسيلة الحوار الوحيدة التي تملكها مع اللبنانيين. لن ندخل في هذا المجال في الجدال القانوني الذي يصر السيد نصرالله على جرنا إليه: لا دليل على دور سوري في عمليات الاغتيال. لأننا لو سألناه إذا ما تعرض هو نفسه لعملية اغتيال لا سمح الله بذلك، هل يفكر مرتين قبل اتهام اسرائيل بالمحاولة؟ سيجيب قطعاً بالنفي. وهل يستطيع ان يدعي هو نفسه ان سائر اللبنانيين سيتهمون احمد جبريل او فتح الانتفاضة؟ لهذا لا بد من فصل الصعيد السياسي عن الصعيد القضائي في اعلان المواقف وترتيب التحالفات. وهذا يعني في مقدم ما يعنيه ان على السيد نصرالله، صديق السوريين وسورية ونظامها كما يعلن، ان يعترض كلبناني على الحملات الصحافية والتصاريح الحربية التي تصدر من سورية في حق اللبنانيين. ومن حق اللبنانيين ان يتساءلوا طويلاً، كيف يرضى السيد نصرالله ووزراء quot;املquot; وquot;حزب اللهquot; في الحكومة اللبنانية ان يهين الرئيس السوري رئيس حكومتهم ولا يحركون ساكناً بل يرفضون مناقشة الموضوع في مجلس الوزراء؟

في وسع حزب الله ان يرد في هذا السياق ان سورية تقع في القلب من العمق العربي الذي ينتمي إليه لبنان. وان السفير الأميركي يطمح، ولو بخفر ومن دون تصريح احياناً، إلى جر لبنان ليدور في الفلك الأميركي. قد يكون هذا صحيحاً، واقل ما يقال فيه انه بالغ الوجاهة. لكن ما يجعل مناقشة هذا الأمر في دقة شديدة ضرورة لا بد منها ليس اقل من واقعتين لا بد من ملاحظتهما عند اي نقاش.

الأولى ان سوريا لم تهيمن على لبنان بقرار عربي عروبي اسلامي، بل كانت جرماً صغيراً في فلك التدويل، وان التدويل الذي يعترض السيد نصرالله عليه، هو بالضبط ما كان سائداً في الحقبة السورية في لبنان. وحتى اليوم، لا يعرف عن سوريا مقاومة للمشاريع الخارجية، وليست اكثر الدول العربية جدية في الصراع مع اسرائيل، وهي كما يعرف الجميع تحافظ على الهدوء في أهدأ جبهة من جبهات الصراع العربي ndash; الاسرائيلي. والثانية انه لم يعد خافياً ان النظام السوري اليوم يبحث عن مكان، ولو مرقد عنزة اليوم، تحت شمس التدويل. سورية جارة للبنان، وعليه ان يقيم افضل العلاقات معها، لكن ربطها بمشروع عروبي ndash; اسلامي يحتاج الكثير من النقاش والجهد. والحال، ربما يجب الفصل القاطع بين سوريا الجارة وسوريا العروبة، اي سوريا الجغرافيا وسوريا المشروع. وفي هذا ما لا يريد حزب الله وقادته الفصل فيه ولا يريد السيد نصرالله الإشارة إليه من قريب او بعيد.

السيد محق وهو يقول ان لبنان لا يحتمل حرباً ضد سوريا، لكننا يجب ان نسأله إذا كان من الواجب ان نخوض حرباً معها ام لا؟ وما هي الأهداف التي تريد تحقيقها من هذه الحرب، وكيف تعود بالمنفعة على لبنان والعروبة والإسلام؟

هذه الملاحظات على كلام السيد حسن نصرالله لا تعفي المراقب النزيه من الاعتراض على خطابات القوى الاخرى المكونة للنسيج اللبناني. فالأخطاء التي لا يكف قادة البلد عن ارتكابها لا تحصى، ولا يبدو ان في وسع شخص واحد ان يلم يالاعتراض عليها كلها دفعة واحدة. فذلك يحتاج إلى جهد يفوق طاقة رجل او حتى مؤسسة على الإنجاز.

اخيراً، ليس من سبب يدعو لأن تكون هذه الملاحظات حجة في افواه المعترضين على حزب الله وسياسته. فكل طرف من الأطراف اللبنانية يحمل من الأوزار في حق البلد ما يفوق هذه الملاحظات حجماً وخطورة.