عبد الله العقلا من أبو ظبي:

أسدى رئيس قسم الأبحاث و نائب مدير معهد الدراسات الدفاعية و الإستراتيجية بجامعة نانيانج التقنية بسنغافورة، البروفسور أميتاف أتشاريا في الجلسة الأولى ضمن فعاليات اليوم الثاني لمؤتمر مركز الإمارات للدراسات و البحوث الإستراتيجية، نصيحة للدول العربية بأن تتبنى نموذج التكامل الإقليمي الاسيوي لا الأوروبي، وذلك لأن النموذج الأوربي ليس النموذج الأكثر ملائمة للدول العربية، فهو قد قدم نموذجاً لكيفية تخلي الدول الإقليمية عن سيادتها لخدمة المصلحة الإقليمية العامة، وقد تبين أن من الصعب تطبيق هذا النموذج على الدول النامية؛ لأن معظمها حصل على الاستقلال منذ وقت قريب فقط.

وأضاف أتشاريا أن موضوع حماية سيادة الدولة أصبح حالياً قضية مثيرة للجدل، إذ يزعم البعض أن المحاولات الرامية لحماية السيادة أصبحت مؤذية، وقد تفضي إلى انتهاكات لحقوق الإنسان. وهناك دور ينبغي على المنظمات الإقليمية أن تلعبه لضمان استقرار مجموعات الدول الإقليمية وفاعلية أدائها.

وقالquot; من أجل تفحص المؤسسات الإقليمية يمكن أن نضع في الحسبان 4 جوانب المفهوم العام للنزعة الإقليمية، ونشوء المنظمات الإقليمية وتطورها؛ وتطور مفهوم السيادة؛ والوسيلة التي تتيح للمنظمات الإقليمية المختلفة التعلم من بعضها البعضquot;.

من جانبها قالت زميل أول لمؤسسة كارنيجي للسلم الدولي الدكتورة مارينا أوتاواي أن التغيرات المجتمعية يجب أن تترافق مع تغيرات في المؤسسات. وهناك وجهتا نظر حول دور اللاعبين غير الحكوميين: الأولى، والتي يتبناها اللاعبون غير الحكوميين أنفسهم، وهي نظرة تصورهم على أنهم مدافعون عن الديمقراطية، و ينادون بالمشاركة الديمقراطية. ووجهة النظر الثانية تصنف اللاعبين غير الحكوميين بأنهم قوة مخربة يمكن أن تعطّل محاولات الإصلاح.

وتعتقد أوتاواي أن وجهتي النظر صحيحتان، واللاعبون غير الحكوميين ظاهرة إيجابية، ولكن إذا لم يتوافر التوازن بين هؤلاء اللاعبين والدولة فيمكن أن يصبحوا قوة سلبية معرقلة للإصلاح.

وأكد أن اللاعبون غير الحكوميين لهم دور مهم؛ لأن المواطنين العاديين لا يملكون تأثيراً كبيراً كأفراد ولكنهم كجماعات يمكن أن يكون لهم نفوذ كبير.

وقسمت مارينا أوتاواي اللاعبين غير الحكوميين إلى تنظيمات المجتمع المدني وتنظيمات المجتمع السياسي. الأول يحاول التأثير على الحكومة من الخارج، بينما يحاول الثاني التأثير عليها من الداخل بإيصال أعضاء منه إلى الحكومة.

وتزعم معظم المنظمات غير الحكومية أنها تمثل المجتمع كله، وفي الوقت نفسه هناك بعض المنظمات محددة بشكل واضح، وتسعى لتحقيق قضايا محددة تهم أعضاءها فقط. وتعتبر وسائل الإعلام طرفاً غير حكومي شديد الأهمية. أما بالنسبة للأحزاب السياسية، فهي دائماً موضع تشكيك لأنها تطمح إلى تسلُّم السلطة.
الدولة ضرورية جداً ولا يمكن للمنظمات غير الحكومية أن تكون بديلاً عنها. وتشكل الحكومة قوة توازن. وينبغي أن يكون هناك توازن بين الطرفين. وإذا طغى أحدهما على الآخر فالخطر يصبح كبيراً. وشركات الطاقة الأمريكية مثال على ذلك. وتتفاقم هذه المخاطر في الدول التي تمر بمرحلة انتقالية. وفي الختام فإن الدولة واللاعبين غير الحكوميين عنصران أساسيان، والتوتر بينهما جزء من واقع الحياة.

من جانبه قال المرشح الرئاسي السابق لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية الدكتور جاري هارت أن الأساس الذي تقوم عليه سيادة الدولة التقليدية هو عقد تقدم بموجبه الحكومة الأمن والاستقرار مقابل ولاء المواطنين لها، والدول الآن تفقد سيطرتها على المال والاقتصاد وجزء من الأمن، وكانت الحرب بين الدول تحدث ضمن قواعد معينة، وقد تُنتهك أحياناً.

وأكد السيناتور هارت أن مفهوم الجمهورية ارتكز إلى حد كبير على فكرة المسؤولية المدنية، و أن مؤسسو الولايات المتحدة كانوا يخشون من الديمقراطية غير المنضبطة، مضيفاً أنه كان هناك إحساس بالولاء للجمهورية أكبر مما هو لمفهوم الديمقراطية

ومن بين السمات الأخرى في العصر الجديد، أن تزايد التكامل الاقتصادي قد ترافق مع تفكك سياسي، وهذا التغيير شهد عوامل ثقافية -ومن بينها عوامل دينية- برزت كأسباب للولاء أكثر قوة من هياكل الدولة المصطنعة. والمؤسسات الدولية بحاجة إلى الإصلاح لكي تتلاءم مع الأوضاع الدولية الجديدة. وكمثال على ذلك، مفهوم حفظ السلام والتدخل. وبدلاً من الاعتماد على قوات حفظ السلام، يتعين دراسة إنشاء قوة متعددة الجنسيات quot;لحفظ السلامquot;. وفي منطقة الخليج، ربما يكون من الصواب أن نؤسس منظمة متعددة الأطراف لإيجاد ضمانات أمنية للمنطقة، تسمح للولايات المتحدة بالتخلي عن مسؤولياتها تجاه المنطقة.

وقال هارت أن بنجامين فرانكلين دعا لتبني مفهوم الديمقراطية الشعبية التي تتطلب المشاركة الجماهيرية بشرط المشاركة المدنية في النشاطات الحكومية لضمان منع سوء استغلال السلطة وممارسة الفساد.

واختتم هارت بأن مفهوم الأمن اليوم أصبح أوسع نطاقاً؛ ليشمل أمن العائلة والحياة الاقتصادية والبيئة وإمدادات الطاقة. ولا يمكن مواجهة مثل هذه التحديات إلا من خلال تحقيق مزيد من التكامل داخل المجتمع الدولي.