موسكو: يأمل معدو السياسة الديموغرافية في روسيا للفترة حتى عام 2025 التي أقرها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الشهر، أن تكسر النزعة المقلقة نحو انخفاض عدد سكان البلاد التي بدأت تظهر بوضوح في العقود الأخيرة. ولا بد لنا أن نشير إلى أن الوضع بالفعل يدعو إلى القلق.
يبلغ عدد السكان في روسيا حاليًا 9ر141 مليون نسمة. وتدل أكثر توقعات الأمم المتحدة تفاؤلاً على أن عدد سكان البلاد سيتراجع إلى 113 مليونًا في منتصف القرن الحالي، أما أكثرها تشاؤمًا فتشير إلى 96 مليونًا فقط.
وذكر الرئيس الروسي في كلمته أمام أعضاء المجلس الاجتماعي لروسيا الاتحادية أن هناك 3 برامج لتحسين الحالة الديموغرافية للبلاد: زيادة عدد الولادات وخفض مستوى الوفيات وجذب المهاجرين. كل هذه الاتجاهات انعكست في وثيقة التصور المستقبلي الحكومية. وتتألف الوثيقة من ثلاث مراحل:
1- العمل على خفض وتائر تناقص عدد السكان بشكل ملموس خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة (أي في المرحلة الأولى)،
2- العمل على تحقيق استقرار عدد سكان البلاد بحلول عام 2015 (في المرحلة الثانية) عند مؤشر 140 مليون نسمة ،
3- زيادة عدد السكان إلى 145 مليون نسمة، ورفع متوسط عمر الإنسان في روسيا من 66 إلى 70 عامًا في المرحلة الثالثة من تنفيذ المشروع حتى عام 2025.
وتتفق بعض اتجاهات الوثيقة مع بنود المشروع الوطني لتطوير الرعاية الصحية المقدمة للمواطنين quot;الصحةquot; ومشاريع quot;أطفال روسياquot;. ويمكننا القول في هذا الشأن إن العمل على تنفيذ هذه المشاريع قد بدأ فعلاً.
ومن المتوقع البدء في بناء 23 مركزًا صحيًا للولادة تتميز بوجود تكنولوجيات عالية، تسمح ببقاء أكبر عدد من المواليد أحياء. وتم تطبيق قانون quot;رأس مال الأمquot;، لتشجيع العائلات الشابة على ولادة الأطفال. وقد أقر مجلس الدوما في قراءة أولى مشروع قانون ينص على زيادة المعدل الأعلى للإعانات الشهرية للحمل والولادة حتى 4ر23 ألف روبل (ما يعادل 900 دولار). وترمي الوثيقة إلى وضع سياسة حكومية هادفة في المجال الديموغرافي، لم تكن موجودة قبل ذلك في روسيا.
وهناك فصل خاص في الوثيقة يتناول الهجرة. ويقصد بذلك أن الوتائر العالية لتناقص عدد السكان في روسيا قد تنعكس في السنوات القريبة المقبلة سلبًا على الاقتصاد الروسي. وتشير معطيات وزارة التنمية الاقتصادية والتجارة إلى أن روسيا قد تعاني من نقص حاد في الكوادر المؤهلة في السنوات القادمة. وهناك نقص ملحوظ في الكوادر في بعض القطاعات يلاحظ من الآن. ويبقى الحل الوحيد لهذه المشكلة في جذب المهاجرين.
ويرى خبراء مركز الديمغرافيا وايكولوجيا الإنسان أن روسيا بحاجة إلى 700 ألف كادر أجنبي جديد سنويا لتقليص النقص الموجود في الكوادر، وأما بحلول 2035 - فستحتاج روسيا إلى 2ر1-3ر1 مليون منهم سنويا. وهذا الرقم يراعي عدد المهاجرين غير الشرعيين الذين يعملون في روسيا، حيث يبلغ عددهم حاليا من 5 إلى 10 ملايين. وتضمنت الوثيقة أهداف استقطاب الكوادر quot;وفقا لحاجات التطوير الديموغرافي والاجتماعي الاقتصاديquot; ودمج المهاجرين في المجتمع الروسي.
وكان من المفروض إعداد مثل هذا البرنامج منذ زمن بعيد - أي في العهد السوفيتي، عندما ظهرت هناك نزعة تناقص عدد السكان في جمهورية روسيا الاتحادية السوفيتية (وقتذاك) بالذات. وكان تزايد السكان في روسيا حتى في الثمانيات من القرن الماضي متوقفا على تدفق أعداد كبيرة منهم من آسيا الوسطى ومناطق ما وراء القوقاز. أما الآن فقد وصل تناقص سكان البلاد إلى مستوى يهدد وجود كيان روسيا.
ولهذا يمكننا القول وبكل ثقة إن البرنامج الديموغرافي الجديد سيكون حقا أهم مشروع وطني في روسيا.