يتجاهل السؤال الحاسم:من هو اليهودي؟

الكنيست: مشروع دستور لإسرائيل

أسامة العيسة من القدس: من هو اليهودي؟ السؤال الذي يثير جدالا في إسرائيل، بين الفترة والأخرى، لن يكون ضمن مشروع الدستور الذي تعده لجنة الدستور في الكنيست الان، تمهيدا لعرضه على المشرعين الإسرائيليين، ليكون هناك، أخيرا، دستورا للدولة العربية، التي تفتقد له منذنحو 60 عاما. وقالت مصادر في لجنة الدستور البرلمانية، ان عدم التطرق إلى تعريف من هو اليهودي، هو لتجنب الجدال حول هذه القضية، حيث يقدم البعض تعريفا بيولوجيا لليهودي، وحصره في من ولد لأم يهودية، وهو الرأي الذي تدافع عنه باستماتة المؤسسة الدينية، بينما تدعو أوساط أخرى، لتبني مفهوم اكثر ليبرالية بهذا الشأن، ليشمل معتنقي الديانة اليهودية، بغض النظر عن أصولهم العرقية.

ووفقا لقانون العودة الإسرائيلي المعمول به الان، فانه يحق لكل يهودي في العالم القدوم إلى إسرائيل والحصول على جنسيتها والتمتع بالمزايا الممنوحة للمهاجرين الجدد. وأشارت مصادر لجنة الدستور البرلمانية إلى أنه عوضا من الدخول في جدال حول السؤال الحاسم من هو اليهودي، سيتضمن مشروع الدستور عبارة عامة تشير إلى أنه quot;لكل يهودي الحق في الهجرة إلى إسرائيلquot;. وستقدم اللجنة، نسخة منقحة من قانون العودة إلى الكنيست جنبا إلى جنب مع مشروع الدستور المقترح.

ويتضمن التنقيح المقترح على قانون العودة، استبدال ما يعرف في هذا القانون quot;شرط الحفيدquot;، الذي يعطي الحق لأحفاد اليهود في الخارج الهجرة إلى إسرائيل، أي quot;اليهود البيولوجيينquot;، بالسماح لكل شخص ينتمي إلى الطائفة اليهودية في بلده، الهجرة إلى إسرائيل، وهو ما اعتبر بمثابة quot;تحايلquot; يوسع من مفهوم من هو اليهودي المعمول به حاليا، وفي الوقت نفسه، لا يذهب إلى نهاية الشوط، في محاولة لتجنب النقاش حول السؤال المؤرق للمجتمع الإسرائيلي.

وهناك بعض القضايا التي ستكون مثار نقاش في مشروع الدستور، مثل تعريف طبيعة الدولة، فمعظم أعضاء لجنة الدستور يريدون تعريف إسرائيل بأنها quot;دولة يهوديةquot; بينما الأصوات اليمينية في اللجنة تريد تعريف إسرائيل بوصفها quot;دولة الأمة اليهوديةquot;.

ويواجه أعضاء اللجنة إشكاليات أخرى، حول ديمقراطية الدولة، والتناقض بين الديمقراطية وتعريف إسرائيل كدولة يهودية.

وسيتم للخروج من هذه الإشكالية، بالإشارة إلى يهودية الدولة في إحدى المواد، والحديث عن أن إسرائيل دولة ديمقراطية في مادة أخرى من مشروع الدستور المقترح.

ومن المتوقع أن يشكل الحديث عن مشروع الدستور الإسرائيلي، مناسبة لقطاعات في الرأي العام، لطرح موضوع quot;من هو اليهودي؟quot;، وحسب الإحصاءات فان نحو 300 ألف شخص يقيمون في إسرائيل، ينتظرون quot;التهويدquot; أي الاعتراف من قبل المؤسسة الدينية باعتناقهم للديانة اليهودية، وهو ما يعني على المستوى الشخصي لكل منهم، حل كثير من الإشكاليات المتعلقة بزواجهم وهوية أبنائهم الدينية، بينما يعني تهويدهم بالنسبة إلى المؤسسة الدينية سيل جارف من quot;الدماء غير النقيةquot; ستختلط بالدماء اليهودية.

ولكن ما يطلق عليه الرعب من الاغيار، من قبل المؤسسة الدينية اليهودية، يحول دون اتخاذها خطوات راديكالية بهذا الشأن. وفي إجراء اعتبر نادرا، أقرت المحكمة العليا الإسرائيلية في 31 آذار (مارس) الماضي، بيهودية 15 من الرجال والنساء.

وانتظر هؤلاء بقلق في قاعة المحكمة لسماع القرار الحاسم في مسألة تكون عادة في الدول الأخرى، شخصية، وفي الدول الإسلامية، مثلا، يكفي الواحد لحلها أن يتلفظ بجملتي الشهادة، أما في إسرائيل فالقضية اعقد من ذلك بكثير.

وعندما وقف هؤلاء أمام قضاة المحكمة الثلاثة، وسمعوا قرارهم، لم يصدقوا أنفسهم، لقد أصبحوا يهودا بقرار من هيئة المحكمة، بعد أن رفضت المؤسسة الدينية تهويدهم. وكسرت المحكمة العليا بقرارها، الذي وصف بالتاريخي، خطا احمر في إسرائيل حول تعريف من هو اليهودي، ودخلت ارفع مؤسسة قضائية في النقاش بقوة حول هذا السؤال الذي لا توجد له إجابة محددة في إسرائيل.

وتقدم هؤلاء الأشخاص إلى محكمة العدل العليا وجميعهم من أصول أجنبية أغلبيتهم ارتبطوا بيهود ويهوديات، للاعتراف بأنهم أصبحوا يهودا أو يهوديات. وكان هؤلاء اجتازوا دورات في معاهد دينية في الخارج درسوا فيها أصول الديانة اليهودية والتلمود، وحين أصبحوا مهيئين لدينهم الجديد لم تعترف بهم المؤسسات الدينية اليهودية الأرثوذكسية التي تركز على العرق في تحديد من هو اليهودي، فلجأوا، إلى محكمة العدل العليا الإسرائيلية.

وأصبح هؤلاء يهودا ويهوديات بقرار قضائي، وربما أن القضية بالنسبة لهم انتهت عند هذا الحد، أما في إسرائيل فما زال هذا القرار يفجر نقاشا وخلافا مستمرا.

ويطلق على هذا النوع من التهويد الذي تم بعيدا عن المؤسسة الدينية الرسمية: quot;التهويد الإصلاحيquot; أو quot;تهويد القفزاتquot;، إشارة إلى quot;قفزquot; الذين لا تقبل بهم المؤسسة الدينية الأرثوذكسية ذات النفوذ في إسرائيل، يهودا، إلى الخارج ويحصلون من أي حاخام لأي طائفة يهودية من أي دولة في العالم، على وثائق تثبت تهودهم، ويعودون ليصارعون في إسرائيل من اجل الاعتراف بيهوديتهم ليتمكنوا من الحصول على الجنسية الإسرائيلية.

وبعد قرار المحكمة تبادل العلمانيون والمتدينون الاتهامات، وصدرت بيانات واستنكارات لقرار المحكمة، وتباينت الآراء، فصحيفة هارتس المستقلة مثلا خصصت إحدى افتتاحياتها لهذا الموضوع، وتخضع كتابة الافتتاحية في هذه الصحيفة المرموقة لتقاليد مهنية متوارثة، حيث تتميز بالإحكام والكلام المحسوب.

وتحت عنوان (الاعتراف بـتهويدات القفز) كتبت أسرة تحرير هارتس بان quot;قرار محكمة العدل العليا والقاضي بأن quot;تهويدات القفزquot; للمتهودين ممن تعلموا في إسرائيل وتهودوا في الخارج سيعترف بها لغرض قانون العودة، هو قرار شجاع، يرى على نحو سليم وضع المجتمع الإسرائيلي والشعب اليهوديquot;.

وانتقدت هارتس موقف رجال الدين اليهود من قرار المحكمة مشيرة إلى أن quot;الشبهات التي يطرحها الحاخامون تجاه من يسعى إلى ربط حياته بالذات بمصير هذه البلاد غير السهل، والفحص المتصلب في بواطنهم والحواجز غير الإنسانية التي تعرقل تهويدهم - مصابة بالازدواجية الأخلاقية وبنزعة القوة، بل وربما بالعنصريةquot;. وارتفعت أصوات طالبت الدولة بالإشراف على هذا النوع من quot;تهويد القفزاتquot; مثل الصحافي بامبي شيلغ الذي كتب في صحيفة معاريف بان إشراف الدولة على هذا النوع من التهويد، كي لا يستغل استغلالا سيئا، حسب رأيه، لمن يريد أن يحصل على المواطنة الإسرائيلية ويعود وفقا لقانون العودة الذي يتيح المجال لكل يهودي في العالم الهجرة إلى إسرائيل، ويحظى بتسهيلات واستيعاب، حيث توجد وزارة خاصة بذلك.

ورفضت الأوساط اليمينية المتطرفة الاعتراف بـ quot;يهود القفزاتquot;، وكتب آريه الداد العضو اليميني في الكنيست في صحيفة يديعوت احرنوت معتبرا أن قرار محكمة العدل العليا يقسم quot;الشعب اليهودي إلى قبيلتينquot;. وقال الداد ان المحكمة العليا فضلت حقوق الأفراد على الدين، مشيرا إلى ان اليهودية هي دين وقومية لا يمكن الفصل بينهما.

ورأى الحاخام يسرائيل روزين، انه إذا تم الاعتراف بيهود القفزات، فسيحدث ذلك شرخا في ما يسميه quot;النقاء اليهوديquot; وان أي تسهيلات في جدار تعريف من هو اليهودي، سيفتح المجال أمام quot;أغيار العالمquot; إذا أرادوا أن يتهودوا.

وليس أمام أي من هؤلاء quot;الاغيارquot; سوى القيام quot;بقفزة إلى لتفيا (أو لأي واحدة من مئات طوائف إسرائيل المتناثرة في الخارج)، والحصول على ختم quot;حاخامي الطائفةquot; على نموذج الانضمام (وربما أيضا دفعة مالية رمزية) وإذا بجواز السفر الإسرائيلي في الجيب، ومعه سلة الاستيعاب وقرض الإسكان وحق التصويت في الكنيستquot;.

ولتجنب كل هذا النوع من النقاش، الذي تحول في أحيان كثيرة إلى شتائم وتبادل الاتهامات بالكفر والإلحاد، فان مشروع الدستور للدولة العبرية، خلا من أي تعريف لليهودي، وهو ما يرضي على الأقل المؤسسة الدينية الأرثوذكسية التي تريد الحفاظ على quot;شعب الله المختارquot; نقيا من دماء quot;الاغيارquot;.