المناطق غير المستقرة مهداً لانتشارها
الإشاعات تحاصر فلسطين من كل الجهات

خلف خلف من رام الله: في منتصف الأسبوع الماضي، غادر معظم الطلبة الفلسطينيين مقاعدهم وأسوار مدارسهم، بعد وصول أقاويل تشير لقرب وقوع زلزال. ولكن تلك المعلومات لم تكن سوى إشاعة أطلقها شخص مجهول، فوجدت من يصغي لها ويتداولها بسرعة، فانتشرت مثل النار في الهشيم، وعمت خلال سويعات فقط معظم الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة. ولكن هذه الحادثة ليست الأولى في الأراضي الفلسطينية، فقد سبقها الكثير من الإشاعات السياسية والاجتماعية، التي تجد لها في المناطق غير المستقرة مهداً للظهور والانتشار بقوة.

وقد قادت حالة الاحتراب بين حركتي فتح وحماس ndash; الفصليين الأكبر على الساحة الفلسطينية-، وسخونة الأحداث والدخول مجدداً في نفق المفاوضات بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل في محاولة للتحضير لمؤتمر انابوليس، لانتعاش ظاهرة الإشاعات السياسية، وتتهم أوساط فلسطينية صحافة تل أبيب بمحاولة زج تقارير وأنباء هدفها إضعاف وإرباك الشارع الفلسطيني المنقسم على نفسه أكثر من أي وقت مضى.

وبحسب إعلاميون فلسطينيون فأن صحافة تل أبيب لا تتواني في الاعتماد على إشاعات سياسية تخدم مصالح قادة القرار في إسرائيل، وما يؤكد هذه التوقعات كون الصحافة العبرية لا تتردد في نشر أي تقارير وأفلام وثائقية مصورة تؤجج المشاعر وترفع من منسوب درجة الاحتقان الداخلي الفلسطيني.

ولا يكاد يخلو أسبوعاً دون أن تخرج الصحف الإسرائيلية الثلاث اليومية بتقارير تتحدث عن مسألة جديدة تخص الشأن الداخلي الفلسطيني، وكذلك قضايا حساسة تتعلق بالمفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وهو غالباً ما تخرج قيادات فلسطينية لنفيه، والتحذير من التعاطي مع مثل هذه المعلومات، وليس آخر هذه التقارير، ما تحدثت به الصحف الإسرائيلية قبيل مؤتمر انابوليس عن ميول لدى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض الاعتراف بيهودية إسرائيل، وهو ما جدد الرئيس عباس نفيه أمس في القاهرة.

وبث التلفزيون الإسرائيلي القناة الثانية قبل يومين فلماً وثائقياً لم تتجاوز مدته20 دقيقة بعنوان (أرض فتح)، تحدث عن إجراءات وممارسات تشنها الأجهزة الأمنية الفلسطينية ضد حركة (حماس) ومؤسساتها في الضفة الغربية، وهو ما اعتبره الكثير من الإعلاميين الفلسطينيين مادة تحريضيةً على مزيد من الاقتتال وتوتير الأجواء الداخلية الفلسطينية.

وعلى مدار السنوات الماضية بقيت الأراضي الفلسطينية أرضاً خصبة لظهور الإشاعات السياسية لما توفر فيها من مواد غنية، نتيجة ما عايشته من أحداث جعلتها معظم الوقت في صدارة الحدث العربي والإسلامي وأحياناً العالمي. ومن المعروف أن الإشاعات تجد طريقها في أوقات الغموض وقلة المعطيات، وتعتبر أحد الأدوات الأساسية للحرب النفسية.

هذا فيما يذهب بعض الفلسطينيين إلى اتهام الصحافة الإسرائيلية بأنها مسؤولة مباشرة عن إغراق الأراضي الفلسطينية في حالة من الانقسام الحالية. وبخاصة أنه سبق حالة الاقتتال بين فتح وحماس في غزة، تركيز صحافة إسرائيل على مسائل حساسة مثل تزويد القوات التابعة للرئاسة الفلسطينية بالسلاح الأميركي، وفي الوقت ذاته، تحدثت وسائل الإعلام العبرية عبر العديد من تحقيقاتها تقاريرها عن تنامي قوة حماس العسكرية في غزة، ومطامعها بالسيطرة على القطاع والضفة الغربية.

ويمكن توضيح أثر وسائل الإعلام على الإنسان عبر الحلقة الآتية: الصحافة أحد أدورها الرئيسية يتمثل في نقل المعلومة والتي تؤدي إلى معرفة ثم فهم، والفهم من المنطق والعقل أن يقود لفعل، فإذا كانت المعلومة خاطئة سيكون الفعل كذلك.

ولكن رغم ذلك، تعتمد الصحافة الفلسطينية والعربية بكثير من معطياتها على نظيرتها الإسرائيلية التي لا تتوانى عن إثارة قضايا فلسطينية بحتة، وتسلط الضوء على جزئيات لا تجرؤ الصحافة الفلسطينية الاقتراب من نارها أو حتى تلمسها، ويمكن إرجاع ذلك إلى الوضع الذي عايشته فلسطين على مدار سنوات مضت من الاحتلال، بحيث أن الصحافي تشكل بداخله رقيب ذاتي لديه من الخطوط الحمر ما يرهق كاهله.

ويشار أن الصحافة يمكن أن تسهم في نشر الإشاعات بصيغ مجازية عبر الهمس، فالكتابة بصيغة مستقبلية للألفاظ كالقول quot;تتوقع أوساط سياسية..أو من المنتظر استقالة الحكومةquot;، وهذه الصيغ تفتح الباب أمام تلفيق الإشاعات ونشرها. وكذلك اعتماد الصحافة وحصرها لمعيار الصدق لخاصية الإسقاط مثل (قال مراقبون)، وأحياناً يكون المصدر يستند لضمير الغائب (دون ما تحديد لما يعود إليه)، وكذلك قد يكون معيار الصدق مائعاً لا يمكن الإمساك به مثال (كشفت مصادر مطلعة أو موثقة...الخ).