صراع يحتدم.. وسيناريوهات بالجملة
قنبلة الدستور تفجّر الأحزاب الجزائرية
كامل الشيرازي من الجزائر:
انطلق قطار الانتخابات الرئاسية الجزائرية المزمعة في ربيع 2009، قبل آوانه بعام ونيف، بنشوب خلاف كبير بين القوى السياسية في الجزائر حول قضية quot;مراجعة الدستورquot; الذي يريد الحزب الحاكم quot;جبهة التحريرquot; تعديله لضمان بقاء الرئيس الحالي عبد العزيز بوتفليقة حاكما للبلاد لسبع سنوات أخرى، وتيار المعارضة التي كشرت عن أنيابها ورأت في التمديد لبوتفليقة إلى العام 2016، quot;كارثةquot; ستفقد الجزائر مكاسبها المحققة منذ إقرار الديمقراطية فيها قبل 19 سنة.
وعلى خلفية منع الدستور الجزائري ترشح شخصية ما لأكثر من فترتين رئاسيتين (كما هو حال بوتفليقة)، تعمل قوى الموالاة على تمرير تعديل يرمي إلى شطب المادة 74 المتضمنة المحذور الآنف ذكره، وإذا ترشح بوتفليقة باسم جبهة التحرير فسيكون أول رئيس جزائري يترشح بقبعة حزبية منذ إعلان التعددية السياسية في البلاد خريف 1988.
quot;إيلافquot; اقتربت من سائر فاعلي السياسة في الجزائر، وكانت هذه التجاذبات حول مشروعية إعادة رسم ملامح الدستور الخامس منذ استقلال الجزائر، ما ينبئ بسخونة الموقف في الفترة القادمة، سيما مع تصميم أنصار الرئيس الجزائري على الذهاب بعيدا في مسعاهم، ولا يفصل محللون السجال الواقع، عما هو دائر من صراعات وإشكالات سياسية بين الجماعات المؤثرة داخل السلطة الفعلية في الجزائر.
بلخادم:quot;لا بديل عن ولاية ثالثة لبوتفليقةquot;
على منوال الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة الذي انتقد أكثر من مرة quot;هجينية الحكمquot; لكونه (لا برلماني وغير رئاسي)، وقوله إنّهquot;وليد الأزمة التي عاشتها البلادquot;، يرى زعيم جبهة التحرير ورئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز بلخادم، إنّ quot;مراجعة الدستور المعمول به منذ العام 1996، ضرورة لإنعاش الحياة المؤسساتية، من حيث توضيحه نمط نظام الحكم والصلاحيات المخولة للرئيس والهيئات التشريعية، ويهلّل بلخادم لفضائل الانتصار لنظام رئاسي يضع حدا للتضارب في الصلاحيات.
وبالنسبة إلى بلخادم، فإنّ دعوة حزبه لتمكين بوتفليقة من فترة رئاسية ثالثة، ليست مجرد شعار دعائي أو استهلاكي، بل هو مطلب قطاع واسع من أتباع القوة السياسية الأولى في البلاد، ويبرّر بلخادم هذا التوجه، بفسح المجال أمام الرئيس الجزائري الحالي لمواصلة مسعى المصالحة، ومواصلة مختلف خطوط برنامجه الاقتصادي الذي شرع فيه منذ توليه الحكم في ربيع 1999، مضيفا:quot;جبهة التحرير لا تجد مرشحا آخر غير بوتفليقة لقيادة البلادquot;، طالما إنّ :quot;وضع البلاد قد تطور على مختلف المستويات منذ عام 1999 وإعادة انتخاب بوتفليقة ستضمن استمرار هذا التطورquot;، مثلما قال.
بلخادم انتقل من تسويقه للفكرة وتأطيرها، إلى لغة الوعيد، بإعلانه الصريح أنّ عدم ارتضاء شريكاه في الائتلاف الحاكم، وهما الحزب العلماني quot;التجمع الديمقراطيquot; وحركة مجتمع السلم الإسلامية، معناه الطلاق، بقوله:quot;الائتلاف سينهار حتما، إذا سار حليفاه عكس التيار ولم يؤيدا فكرة استمرار بوتفليقة رئيسا، مع الإشارة أنّ رئيس التجمع الديمقراطي فضّل التزام الصمت، في حين عبّر القيادي في حركة مجتمع السلم quot;عبد المجيد مناصرةquot;، الترويج لبقاء بوتفليقة في الحكم quot;إفلاسا سياسياquot;.
المعارضون يشهرون quot;الفيتوquot;
يجمع المعارضون على أنّ المعطيات العامة في البلاد تجعل من أي مراجعة للدستور quot;محاولة لاحتكار سلطة الشعبquot;، مقدّرين في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، أنّ فرص نجاح نظام رئاسي في الجزائر معدومة، ذاهبين إلى حد إبراز مخاوفهم من حدوث انسداد سياسي كبير في حال مراجعة القانون الأعلى في البلاد على هذا النحو، وكذا بقاء بوتفليقة رئيسا، سيما مع جزم تقارير طبية أنه مريض وربما لا يستطيع الاستمرار في تحمل أعباء الرئاسة.
quot;موسى تواتيquot; رئيس quot;الجبهة الوطنية الديمقراطيةquot; التي حلت ثالثة في انتخابات الاسبوع قبل الماضي، قال لـquot;إيلافquot;:quot;نرفض تعديل الدستور كل 10 سنواتquot;، واتهّم الحزب الحاكم بممارسة ما سماه quot;الوصاية على الشعبquot;، معتبرا الأحاديث التي تصب في خانة quot;الولاية الثالثة للرئيسquot; بـquot;الخطيرةquot;، مفسّرا نظرته بأنّ :quot;المراجعة الدستورية لا ترمي إلى تحقيق غايات وأهداف تعود بفائدة لصالح الوطن كله، بل لتمكين الرئيس الحالي من نيل فترة ثالثة وكفىquot;.
من جهتها، ترى quot;لويزة حنونquot; رئيسة حزب العمال اليساري المعارض، بأنّ quot;تعديل الدستور يستلزم إشراك الطبقة السياسيةquot;، معتبرة المراجعة في حد ذاتها quot;أمر سابق لأوانه، من منطلق وجود أولوياتquot;، على غرار ضرورة تحقيق الحكومة للتنمية الحقيقية والاستقرار الاجتماعي، وإيقاف (الخصخصة المتوحشة)، والتأسيس لصناعة ثقيلة وتنشيط الزراعة وفضاءات الشبابquot;.
كما يرفض التنظيم السياسي المعارضquot;لجنة المواطنة من أجل الدفاع عن الجمهوريةquot; تعديلا دستوريا يعبّد الطريق لـquot;ولاية أبديةquot; للرئيس الجزائري الحالي (على اعتبار تجاوز سنه عتبة السبعين)، وبرّر quot;عبد الحق برارحيquot; رئيس التنظيم، معارضته المراجعة بـquot;عدم كفاءة الرئيس الحاليquot;، وحصيلته السلبية، وهو موقف يتبناه أيضا الحزبان الأمازيغيانquot;القوى الاشتركيةquot; وquot;التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيةquot; اللذان عبّرا عن طريق المتحدثان باسمهما quot;كريم طابوquot; وquot;محسن بلعباسquot; أنّ إقرار موضة quot;المراجعةquot; ستعيد البلد خطوات إلى الوراء.
متغيرات تنبئ بتحول عميق
نحن الآن أمام متغيرات بالجملة ستطبع رهانات المرحلة القليلة القادمة، بيد أنّ العارفين بتقاليد الحكم وأدبيات السياسية في الجزائر، يتحدثون عن تحوّل عميق سيمس ماهية النظام السياسي الجزائري، فهذا الأخير ينفرد بكونه ليس برلمانيًّا ولا رئاسيًّا، لذا يظلّ شكله حجر عثرة في قضية مراجعة الدستور، فالرئيس الجزائري يريد نظاما رئاسيا وفق النموذج الفرنسي، بالمقابل، يرافع خصومه لصالح نظام برلماني يمنع أي تركيز السلطات في يد quot;الوزير الأولquot;.
وإذا كان واضحا أنّ الخلاف لدى أصحاب القرار في الجزائر ليس على تعديل الدستور، وإنما على النظام السياسي، فالجزائر نظام ليس برلمانيًا ولا رئاسيًا، ولكنه يجمع بين الاثنين معًا، دون وجود خطوط حمراء بين النظامين، فإنّ الراسخ ndash; اعتمادا على حراك حزب جبهة التحرير ترمومتر السياسة في البلاد-، أنّ ملامح معركة الانتخابات الرئاسية المقتربة بدأت تتحدّد بمجموعة من الألوان، فالصراع سيكون قويا بين تيار بوتفليقة ممثلا في عبد العزيز بلخادم، والتيار المعارض له ممثلاً في مجموعة الأحزاب الديمقراطية واللائكية بقيادة أحمد أويحيى، على أن الأسماء المرشحة للعب دور ما في الانتخابات الرئاسية القادمة، بدأت تٌلاك باحتشام، على غرار:أحمد أويحيى، الأخضر الإبراهيمي الدبلوماسي الجزائري المعروف، وأخيرا علي بن فليس رئيس الوزراء الأسبق الذي حلّ ثانيا في رئاسيات 2004، وسط عجز القوى الحقيقية داخل السلطة على صناعة بديل منافس ذي مصداقية للرئيس الحالي للبلاد، بالتزامن مع هزال رموز المعارضة، وعدم توفر اسم يثير شهية الناخبين قبيل افتتاح موسم quot;الكاستينغ السياسيquot; عما قريب.