أسامة العيسة من القدس: أقام حاخام يهودي يتولى منصبا رسميا، مراسم دينية استيطانية، في أحد اكثر الأماكن حساسية واحتكاكا بين الفلسطينيين والمستوطنين اليهود، وهو البلدة القديمة في الخليل.وكشفت صحيفة يديعوت احرنوت بان اللواء في الجيش الإسرائيلي الحاخام الياهو بيرتس، ترأس، يوم الاثنين الماضي، في البلدة القديمة في الخليل، بحضور بعض من الجنود، احتفالا أقامه المستوطنون، لتوسيع نفوذهم في بلدة الخليل القديمة، وساهم في تثبت ما يعرف بالميزوزة، التي يضعها اليهود على أبوابهم، ويتبركون منها لدى دخولهم المحلات أو المنازل.
وحسب الصحيفة فإن الاحتفال استغرق بضع دقائق، وأن الجيش الإسرائيلي فتح تحقيقا في الموضوع، وان الميزوزة التي وضعت على باب محل فلسطيني مغلق، في أحد مداخل بلدة الخيل القديمة قد أزيلت. وأصدرت حركة السلام الان اليسارية بيانا، اعتبرت فيه الحفل الاستيطاني في الخليل غير قانوني وان مشاركة الحاخام العسكري وجنود فيه، يضعهم في موضع المساءلة.
وقالت الحركة ان quot;جيش الدفاع الإسرائيلي تحول إلى جيش الدفاع عن المستوطنينquot; مطالبة بمحاكمة الحاخام والجنود. وشارك في الاحتفال نشطاء من منظمات صهيونية واستيطانية متطرفة، بعضهم حضر من نيويورك، مثل الحاخام شلومو ريلز الذي قال quot;لن نسمح للفلسطينيين أن يمروا، من هذا المكان، بأي حال من الأحوالquot; في إشارة إلى دعمه لتواصل الاستيطان مدينة الخليل. واضاف quot;هذا المكان الذي احتفلنا به هو مكان يهودي، ونحن لم نرتكب أي خطأ، وسيبقى المكان يهوديا ولن نتنازل عن ذلك أبداquot;.
ويذكر أن الاستيطان في مدينة الخليل، التي تبعد نحو 30 كلم عن مدينة القدس، قد بدأ بعد الاحتلال الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1967، مباشرة، وبدعم من الحكومة الإسرائيلية، التي وضعت يدها على آلاف الدونمات لبناء مدينة كريات أربع الاستيطانية، على مشارف الخليل، ثم سيطر المستوطنون على منازل فلسطينية وسط البلدة القديمة، التي تحولت إلى منطقة أشباح، بعد أن هجر معظم محلاتها من قبل أصحابها الفلسطينيين، بسبب ممارسات المستوطنين واعمال القتل التي لم تتوقف حتى الان.
وارتكب المستوطن باروخ غولدشتاين، الذي كان يسكن في مدينة كريات أربع مجزرة في الحرم الإبراهيمي الشريف، بعد أن فتح النار على المصلين فجرا في شهر رمضان، والتي أحدثت تحولا كبيرا في حياة سكان المدينة وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث عمدت الفصائل الفلسطينية إلى اعتماد سياسة جديدة في العمليات التفجيرية لا تستثني المدنيين الإسرائيليين، وهي السياسة القائمة حتى الان.
ويستند كثيرون منهم إلى نص في العهد القديم، يشير إلى أن النبي إبراهيم اشترى المغارة التي يقام عليها الحرم الإبراهيمي من رجل كنعاني، لكي يقولوا ان هذا النص هو اقدم صك بيع في التاريخ، يثبت أحقيتهم بمدينة الخليل، في حين ان كثيرا من الفلسطينيين يستندون ايضا الى هذا النص للتأكيد ان المكان في الاصل فلسطيني، وان النبي ابراهيم الذي يكنون له كل تقدير لم يكن سوى وافد على هذه الديار.
ولا تتوقف الأزمات التي يثيرها المستوطنون في الخليل، الذين يسيطرون على أي منزل فلسطيني يمكن أن تتاح الفرصة لهم بذلك.
ويسيطر الان نحو 200 منهم، على بناية احتلوها في شهر آذار (مارس) الماضي، وحولوها إلى حصن منيع، وقدم الجيش الإسرائيلي دعما لهم بإقامة برج حراسة على البناية، رغم أن وزارة الدفاع الإسرائيلية نفسها، طلبت من المستوطنين داخل البناية إخلاءها، واعادتها لصاحبها الفلسطيني وهو من عائلة الرجبي.
وتحولت البناية إلى مثابة مستوطنة جديدة، يقيم فيها مستوطنون مع عائلاتهم، ما أدى، مثلما يحدث في الحالات المشابهة، إلى تحويل حياة الفلسطينيين حولها إلى ما يصفها هؤلاء جحيما لا يطاق.
ويزعم المستوطنون انهم اشتروا البناية مقابل 700 ألف دولار أميركي، بوساطة وكالة عقارية في الأردن، ولكن صاحب البناية الذي يعيش في الخليل نفى ذلك، واتهم المستوطنين بالتزوير وهو ما أكدته المحاكم الإسرائيلية ووزارة الدفاع الإسرائيلية.
ويسيطر المستوطنون أيضا على بناية أخرى قريبة من الحرم الإبراهيمي الشريف، ضمن سياستهم وهي تثبيت أمر واقع، وافتعال قضية جديدة، تغطي على القضية الأولى. ويستعد المستوطنون الان، إلى ما يقولون انه مواجهة كبيرة وشاملة مع الجيش الإسرائيلي، في حالة اقدم على إخلاء ما تسمى البؤر الاستيطانية غير الشرعية في الضفة الغربية.
وهدد زعماء المستوطنين باستخدام أي وسائل ممكنة لعرقلة أي عمليات إخلاء لهذه البؤر التي يقدر عددها بأكثر من مئة. ويعتبر الجيش الإسرائيلي هذه البؤر بمثابة ضغط أمني عليه، لانه يتوجب توفير الحماية الأمنية لها، ولساكنيها، على مدار الساعة.
ويذكر أن المستوطنين هم من ادخل مصطلح quot;البؤر الاستيطانية غير الشرعيةquot; إلى القاموس السياسي الإسرائيلي، من اجل الإيحاء بان المستوطنات الأخرى هي شرعية، رغم أنها تقام في أراض محتلة وفقا للقانون الدولي. والأمر نفسه ينطبق على مصطلحات أخرى مثل مستوطنات أمنية، أو مستوطنات استراتيجية، وغيرها من تسميات، لا تغير من الواقع شيئا، وهي أن حركة الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية، سلخت اكثر من نصف الأراضي المحتلة، وأسكنت نحو 180 ألف مستوطن يهودي في مدينة القدس، وربع مليون أخر في الضفة الغربية، ورسمت جغرافية جديدة، على أنقاض جغرافيا وتاريخ استمرا منذ آلاف السنين.
وتتبنى الحكومة الإسرائيلية خططا استراتيجية لبناء مستوطنات ضخمة، مثلما هو الحال في الإعلان الإسرائيلي بتوسيع الاستيطان في مستوطنة جبل ابو غنيم، واقامة مستوطنة جديدة في منطقة قلنديا بين القدس ورام الله. وهكذا تتفق الحكومة الإسرائيلية وجيشها ومستوطنوها وحاخاماتها على هدف واحد، وهو تهويد الأرض الفلسطينية، وان اختلفت وتقاطعت وأحيانا تصادمت الوسائل في ما بينها.
التعليقات