أسامة العيسة من القدس: هل سينتقل الاقتتال الفلسطيني إلى الضفة الغربية؟ هو السؤال الذي يشغل المواطنين في هذه الضفة التي تشكل مع قطاع غزة الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في حزيران (يونيو) 1967. وتظهر وطأة الاحتلال الإسرائيلي بشكل أوضح في بلدات ومدن ومخيمات الضفة الغربية، المقسمة بأكثر من 620 حاجز عسكري، غير المستوطنات ومعسكرات الجيش الإسرائيلي والجدار الفاصل، التي جعلت الفلسطينيين يعيشون في معازل صغيرة، مفصولة عن بعضها البعض.

وتلجا السلطات الإسرائيلية إلى خطوات عملية خطيرة على الأرض، تحدد فيها جغرافية جديدة للضفة الغربية، وكان أخرها تغيير مسار الجدار الفاصل والتوغل بعرض 5 كلم غرب رام الله، مما حشر اكثر من 20 ألف فلسطيني في معزل، وفصلهم عن محيطهم بشكل كامل، ويتم كل ذلك على وقع الاقتتال بين الفرقاء المسلحين، الذي لا يستطيع أن يفهم الفلسطيني العادي سببه.

وتشن قوات الاحتلال الإسرائيلي حملات يومية لاعتقال وقتل الناشطين في فصائل المقاومة الفلسطينية، ولكن هؤلاء الناشطين باتوا يرون أن لديهم مهمة أخرى غير مواجهة قوات الاحتلال، ومع استمرار الاشتباكات في قطاع غزة، فان ذيولها وصلت الضفة الغربية مبكرا، ونفذ ناشطون في مجموعات كتائب شهداء الأقصى التابعة لحركة فتح، عمليات اختطاف لناشطين من حركة حماس، وإطلاق النار على مقربين من الحركة.

وهي ليست المرة الأولى، التي تلجا فيها مجموعات كتائب الأقصى، التي يعتقد أنها لا تخضع لقيادة مركزية، لما أسمته الانتقام في الضفة على ما يجري لاتباعها في غزة، ففي مرات سابقة، كان مسلحو هذه المجموعات يلجاون لخطف وإطلاق النار على شخصيات سياسية واجتماعية من حماس، ويحرقون مكاتب ومقرات مجالس بلدية يقودها أشخاص من حركة حماس.

وخلال اليومين الماضيين، سجلت اعتداءات، على ناشطين في حماس، في مناطق بقيت بعيدة عن حوادث مشابهة وقعت سابقا، مثل بلدة دير استيا غرب سلفيت (شمال الضفة الغربية)، عندما اقتحم مسلحون متجر المواطن جمال الخطيب (35 عاما) وأطلقوا النار عليه، وتركوه ينزف دما، وفي مدينة قلقيلية، أطلقت النار على رئيس بلدية المدينة وجيه قواس، الذي خرج من السجون الإسرائيلية قبل فترة وجيرة، واختطف مسلحون ملثمون، الشيخ محمد عوض الجمل (45 عاما) في مدينة جنين، لدى خروجه من منزله متوجها لأداء الصلاة، ووقعت حوادث أخرى مشابهة في مواقع أخرى.

ولكن كل هذه الحوادث المتفرقة، التي لم يخلو وقوعها من مغزى، لأنها تحمل ملامح نذر اقتتال مقبل، لم ير فيها الذين يقفون خلفها بشكل مباشر أو غير مباشر، إلا طلقات في الهواء، تسبق الهجوم الجدي الذي يمكن أن يقدمون عليه.

وعقد مسلحون من كتائب الأقصى، مؤتمرا صحافيا في مدينة رام الله، أعلنوا فيه انهم يمهلون قيادات حماس ومسؤوليها في الضفة الغربية مدة 24 ساعة ليدينوا الأحداث الدموية في غزة، وإلا quot;سنعتبر صمتهم شراكة في هذه الجرائم وبالتالي فان لنا الحق باتخاذ المواقف التي نراها مناسبة ميدانيا بحقهمquot;.

واعلنوا معارضتهم لأي محاولة لتشكيل قوة تنفيذية في الضفة الغربية، وهددوا بالتصدي لأي محاولة من هذا النوع.

وكانت عناصر من كتائب الأقصى، اختطفت قبل اشهر عددا من المحسوبين على حماس، بدعوى انهم يعملون على تشكيل نواة للقوة التنفيذية التابعة لوزارة الداخلية الحمساوية في الضفة الغربية.

ونفت حماس مرارا نيتها تشكيل مثل هذه القوة في الضفة الغربية، رغم أن ظهرها سيبقى مكشوفا، لضعف وجودها العسكري في الضفة الغربية.

وخلال سنوات انتفاضة الأقصى، نجحت السلطات الإسرائيلية باعتقال واغتيال عناصر كتائب الشهيد عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وتمكنت قبل اشهر من اعتقال إبراهيم حامد القائد العام لهذه الكتائب في الضفة الغربية، وهو من بلدة سلواد، قرب رام الله، التي ينحدر منها خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحماس، وكان حامد يعتبر مقربا كثيرا من مشعل.

تحذيرات كتائب الأقصى، تجعل انتقال حوادث الاقتتال الداخلي إلى الضفة، أمرا متوقعا، مع استمرار خرق اتفاقات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، ورغم التأكيدات التي أطلقها زعماء الأطراف المتقاتلة في غزة على أهمية تجنيب الضفة الغربية ما يجري في قطاع غزة.

وحسب مراقبين هنا، فان محمد دحلان الزعيم الفتحاوي، الذي تتهمه حماس بقيادة الأحداث في غزة، نجح خلال الشهر الماضي، من جسر الخلافات بين مجموعات من كتائب الأقصى، خصوصا في شمال الضفة الغربية، مؤكدا لهم أن ما يوصف بالمخاطر التي تواجهها حركة فتح، يستوجب على جميع الفتحاويين الوحدة.

وزار دحلان الذي يتنقل بين رام الله وغزة، عدة مناطق لكتائب شهداء الأقصى فيها وجود ملحوظ، مثل بيت لحم، لتنسيق جهود حركة فتح واذرعها المختلفة، تحت قيادة شابة.

وتعبيرا عن نجاح هذه الجهود، أصبحت صور دحلان، ترفع في الاحتفالات التي ينظمها نشطاء حركة فتح في الأراضي الفلسطينية.

زعماء حركة فتح في الضفة الغربية، الذين كانوا يعلنون رفضهم لانتقال الاقتتال إلى الضفة الغربية، تغيرت لهجة تصريحاتهم، ولم يستبعد حسين الشيخ أمين سر مرجعية فتح في الضفة، انتقال هذا الاقتتال، في تصريحات لها مغزى قائلا quot;قطاع غزة ليس موزمبيق، ولا هو موجود في القمر، وما يحدث هناك لا شك انه سيلقى بظلاله شئنا أم أبينا على الضفة وهو ما لا نرضاه، ولكننا لن نستطيع منعهquot;.

واضاف الشيخ quot;لا نتمنى ولا نريد نقل مثل هذه الأحداث إلى الضفة، ولكن لا يوجد ضمانة في ذلك، وربما ما يجري في قطاع غزة يترك أثارا قويا في الضفة الغربيةquot;.

ووجه الشيخ مناشدة للفتحاويين بعدم نقل الأحداث إلى الضفة وقال quot;نحن نسعى لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ونتمنى أن ننجح في ذلك، ولكن تسارع الأحداث في غزة تترك أثارها علينا جميعا في الضفة، بمختلف أبعادها الأخلاقية والمعنوية والماديةquot;.

أما الدكتور مصطفى البرغوثي، الذي برز دوره، في الفترة الأخيرة كوسيط بين حركتي فتح وحماس، فعبر عن خشيته من انتقال الاقتتال إلى الضفة الغربية، وقال بأنه على الجميع العمل لمنع انتقال ما اسماه quot;العدوى الضارةquot; إلى الضفة، ووقف النزيف في غزة.

وربما الذين هم اكثر خشية من انتقال الاقتتال إلى الضفة هو مواطنيها العادين، وقال محمد سلمان وهو مدرس بأنه وزملاءه يواجهون وضعا صعبا أمام الطلبة الذي لا حديث لهم إلا ما يجري في قطاع غزة.

واشار إلى أن المدرسين اتفقوا على توحيد خطابهم الموجه للطلبة، فمثلا بدلا من الاستشهاد، أمام الطلبة، بالمأثور الديني، بان إذا قتل مسلم، مسلما فكلاهما في النار، وهذا يعني انه سيغضب المحسوبين على فتح وحماس، قرروا الإشارة إلى أهمية الدعوة إلى الصلح، بين طائفتين من المؤمنين وقع بينهما قتال.

الفلسطينيون ينتظرون الان، عاصفة مطرية، بشرت بها الأرصاد الجوية، واستعد كثير منهم لذلك، ولكن العاصفة المنتظرة الأقوى قد تكون نذرها ما يجري في قطاع غزة.