باريس: يوجه الرئيس الفرنسي جاك شيراك (74 عامًا) مساء الأحد خطابًا إلى الفرنسيين، من المتوقع أن يعلن فيه قراره عدم الترشح إلى ولاية رئاسية ثالثة، وذلك بعد أكثر من أربعين عامًا أمضاها في العمل السياسي.ومن المنتظر أن يضع شيراك حدًا، قبل ستة أسابيع من الدورة الأولى من الإنتخابات الرئاسية، للتساؤلات المستمرة حول ترشحه إلى الرئاسة التي شغلها لمدة اثني عشر عامًا.

وجاء في بيان صادر عن قصر الإليزيه قبل توجه شيراك إلى بروكسل للمشاركة في الإجتماع الأخير للمجلس الأوروبي في عهده، quot;أن رئيس الجمهورية سيتوجه إلى الفرنسيين في 11 آذار (مارس) الساعة 00،20quot; (00،19 ت غ).ويبدو مضمون الخطاب محسومًا لجهة أن شيراك الذي انتخب في 1995 وأعيد انتخابهفي 2002، سيعلن فيه عدم ترشحه مرة ثالثة.وإذا كان هذا الموقف معروفًا ومنتظرًا، فإن الشكوك لا تزال قائمة حول ما إذا كان شيراك سيستغل مناسبة إلقاء الخطاب لدعم مرشح حزبه (يمين) نيكولا ساركوزي، وما هي التعابير التي سيستخدمها في حال قرر دعمه.وقد يقرر الرئيس الفرنسي الإعلان عن موقفه من هذا الأمر في وقت لاحق وبعيدًا عن الإطار الرسمي المحدد الأحد.

وواجه شيراك quot;خيانةquot; من ساركوزي خلال الإنتخابات في 1995، إلا أنه إضطر إلى التعايش مكرهًَا مع تقدم شعبية منافسه.ويأتي الإعلان عن خطاب شيراك في وقت تبدو المعركة على أشدها في حملة إنتخابية يثير فيها تقدم مرشح الوسط فرانسوا بايرو تساؤلات ومفاجآت، لا سيما أن تقدمه يهدد، بحسب استطلاعات الرأي، ساركوزي والمرشحة الاشتراكية سيغولين روايال.ويمثل هؤلاء المرشحون، وكلهم في الخمسينات، بمثابة صفحة جديدة، بعد سنوات شيراك.

وولد شيراك في 1932، ودخل الحكومة كوزير دولة وهو في الخامسة والثلاثين، خلال عهد الجنرال ديغول. وتسلم رئاسة الحكومة مرتين، كما إنتخب رئيسًا لبلدية باريس مرتين خلال 18 عامًا.إنما لا يوجد إجماع على تقييم عهده وسياساته. فقد وصف غالبًا بانه زعيم براغماتي متأهب باستمرار للنهوض والفوز بالسلطة، أكثر ممّا هو جيد في ممارستها وبنائها.في نظر الفرنسيين، كما بالنسبة إلى جزء من الرأي العام العالمي، سيبقى شيراك الرجل الذي قال quot;لاquot; للحرب الأميركية على العراق في 2003، وهو قرار زاد شعبيته إلى أقصى حد لها.

ويقدر الفرنسيون إندفاعه في مقاربة الأشخاص، من دون تكلف، وطاقته. كما أن تعلقه بعالم الفلاحين جزء أساسي من شخصيته.إلا أن منتقديه ينددون بتقلبه، فهو حينًَا مؤيد للسياسة العمالية على الطريقة الفرنسية في السبعينات، ولليبرالية على طريق رونالد ريغن، قبل أن يبدأفي 1995 نضاله ضد الشرخ الاجتماعي من دون أن يفي بوعوده.إلا أن الجميع يقرون بأنه يحتفظ بقناعات ثابتة، مثل رفضه لأقصى اليمين أو مكافحته لمعاداة السامية عبر قراره الإعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في التهجير الجماعي لليهود خلال الإحتلال النازي.

ويمكن إعتبار سنة 2005 منعطفًا مصيريًا بالنسبة إلى شيراك. فقد شهدت رفض الفرنسيين الدستور الأوروبي وأعمال العنف في ضواحي باريس، وعارضًا صحيًا في شرايين القلب تعرض له الرئيس الفرنسي. وأعد شيراك خلال الأسابيع الأخيرة لخروجه من السلطة، فأدلى ببعض الإعترافات، بينها ما يشكل مأساة حياته والمتمثل بمعاناة إبنته لورانس من مشكلة فقدان الشهية العصبية. ورغم إحتلاله الواجهة السياسية لفترة طويلة، فإن شيراك الإنسان، الشغوف بآسيا وبفنون الإنسان الأول، يبقى بالنسبة إلى الفرنسيين سرًا كبيرًا في جزء كبير من شخصيته.

في منتصف شباط (فبراير)، أثار هذا الرجل المدمن على السياسة للمرة الأولى مرحلة ما بعد السلطة. وقال إن هناك من دون شك حياة بعد السياسة حتى الموت.