في ظل تدهور الأوضاع واستشراء الفلتان الأمني
صحافيو فلسطين بين سيف الخطف ورحمة القرصنة

سمية درويش من غزة-صوفيا-وكالات: بات العاملون في الحقل الإعلامي الفلسطيني، ضحية الاعتداءات وعمليات الخطف المتواصلة، وبقيت مؤسساتهم أسيرة هذا الإرهاب في ظل الغياب الحقيقي للقانون الذي انعكس بدوره على طبيعة لغة الإعلام ومقالات الكتاب وأبحاثهم ، وفي وقت أصبحت فيه منابرهم تحت رحمة القرصنة المستمرة.وتحتجز مجموعة مسلحة في غزة منذ الثاني عشر من آذار quot;مارسquot; الماضي الصحافي البريطاني ألان جونستون مراسل هيئة الإذاعة البريطانية، حيث سجلت السلطة الفلسطينية وأجهزتها العسكرية فشلا ذريعا تجاه ملفه.

عبد الجواد عدوان المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني قال في حديث خاص لـquot;إيلافquot;، ان الإعلام الحر له مناخات معروفة تتسم بالشفافية والمصلحة الوطنية العليا، ويحمل وجهة نظر موضوعية تجاه القضايا الوطنية، منوها بأن الاعتداء أو خطف الإعلاميين له تأثيرات سلبية على دور الإعلام في توجيه الرأي العام.

من جهته قال المحلل السياسي والكاتب الفلسطيني سميح خلف، لم يكن الإعلام الفلسطيني أحسن حالا من غيره من المؤسسات والأفراد التي لاقت ما لاقته من عملية الفلتان الأمني، وإذا كان بعض المؤسسات قد أصابها الضرر فالمؤسسة يمكن أن يعاد بناؤها وترميمها أما ما أصاب الإعلام فقصة تختلف تماما، ولاسيما أن الإعلام جزء مهم في معركة الصراع مع الاحتلال.

ولم تفلح الإضرابات والحصار الذي فرضه الصحافيون على أخبار الرئاسة والحكومة، في دفع أجهزة الأمن السلطوية إلى شد الحزام لتحرير الرهينة البريطانية، الذي يكتنف مصيرها الغموض رغم إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأنه حي يرزق.

مهنة المتاعب

صحافيون فلسطينيون يعتصمون أمام المجلس التشريعي
ولفت عدوان، إلى أن الإعلاميين بشر يأملون في الحياة، وان تعرضهم للضغط او التهديد لن يمكنهم من أداء رسالتهم بكفاءة، في حين يرى ما تعرض ويتعرض له الإعلاميون الأجانب من خطف وتهديد بالقتل فهو الطامة الكبرى، والتي لا تسهم فقط في خلل في الرسالة الإعلامية، وإنما تعطي صورة سيئة عن الشعب الفلسطيني وتقزم قضيته الوطنية على المستوى العالمي.

ورغم تلك المخاطر التي يتعرض لها الإعلاميون سواء الفلسطينيين أو الأجانب، دعا عدوان، إياهم ان يستمروا في رسالتهم والعمل بمهنية تؤكد حضورهم، وتكون ابلغ رسالة يردون بها على من يتربصون بهم، كيف لا وهم الذين اختاروا مهنة المتاعب، بحسب تعبيره.

ويتعرض الصحافيون وأسرهم في قطاع غزة لاعتداءات بشعة، فمنهم من حرقت ممتلكاته، ومنهم من تلقى ضربات بالرصاص، ومنهم من أكلها على الرأس والفخذ، ناهيك عن تهديدات القتل المتواصلة، في حين يهاجم القراصنة الإلكترونيون، من حين لآخر الصحف الالكترونية والمواقع الإخبارية الفلسطينية سواء الحزبية أو المستقلة.

وأشار خلف، إلى أن هذا الإرهاب وفي غياب حقيقي للقانون انعكس على طبيعة لغة الإعلام ومقالات الكتاب وأبحاثهم، موضحا أنه بات مطلوبا من الكاتب لكي ينشر مقالا مثلا أن يتحدث في كلام فارغ أو يتحدث أو يكتب واضعا التبريكات لهذا أو ذاك وأصحاب الصحف وباعتبارها ملكيات خاصة يقعون دائما تحت سطوة أو رحمة أمراء الفلتان الأمني في الساحة الفلسطينية مما يجعل للصحيفة طبيعة خاصة في انتقاء نوعية المقالات التي يتم نشرها وهذا إرضاءً وخوفا من أصحاب وأمراء الأمن الفلسطيني.

الأيدي الخفية

الكاتب والصحافي فايز الشيخ قال، quot;باعتقادي أن أجهزة الأمن الفلسطينية لم تفقد ثقة الجماهير فقط، بل تعدى ذلك وفقدان ثقة الصحافيين أيضاquot;. وتابع قائلا، quot;في الوقت الذي يقوم فيه الصحافيون بدور وطني كبير في تغطية الأحداث على الساحة الفلسطينية إلى جانب تغطية فعاليات السلطة وأجهزتها، تتقاعس الأجهزة الأمنية عن حمايتهم، ولكنها في الوقت نفسه تكون السباقة في الفوضى والفلتان الأمنيquot;.

ولم يستبعد الشيخ في تصريحات لـquot;إيلافquot;، أن تكون أيدٍ إسرائيلية هي التي تحرك تلك الأيدي الخفية التي تقوم بعمليات الخطف داخل الساحة الفلسطينية، لاسيما الصحافيين الأجانب لاعتقادهم التام أن ذلك من شأنه أن يرسخ حالة الفوضى والفلتان الأمني، ويدفع باتجاه التخلي عن مساندة الفلسطينيين سواء بالدعم المادي أو المعنوي ونقل معاناتهم مع الاحتلال.

وتعجز أجهزة الأمن حتى اللحظة عن وقف ولجم الفلتان الأمني وجرائم القتل المتصاعدة في الشوارع، في وقت تتحدث مصادر رفيعة المستوى، ان القيادة الفلسطينية وضعت خطة لتحسين أوضاع أفراد الأجهزة الأمنية، من حيث الرواتب والامتيازات، حتى تتمكن من أداء دورها في حفظ الأمن وتنفيذ قرارات المستوى السياسي، حيث تتضمن الخطة تحسين الوضع المعيشي لعناصر الأمن، وتقديم تسهيلات تساعدها على مواصلة عملها.

وأوضح السياسي خلف، ان الوضع الفلسطيني لم يأخذ الجانب الديمقراطي إلا من واقع موازين القوى على الساحة الفلسطينية، تلك الموازين التي فرضت نوعا من الديمقراطية السياسية الحزبية أو الفصائلية وفي الغالب أتت تلك الديمقراطية كمطلب أميركي أوروبي مطلوب تطبيقه على الواقع الفلسطيني لكي يتم القفز عن مراحل كثيرة واستحقاقات كثيرة للشعب الفلسطيني في صراعه مع قوى الاحتلال.

هشاشة الأجهزة

فلسطينية وزوجها يمران بجوار صور الصحافي المختطف جونستون
بدوره قال الصحافي الفلسطيني عبد الهادي عوكل، إن الذين يطلقون النار ويسمون بالمجهولين هم في حقيقة الأمر ليسوا بمجهولين بل معروفون لدى الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية، ولكن هشاشة الأجهزة الأمنية وانتشار السلاح والفوضى وضعف الأجهزة الأمنية يحول دون القضاء على هؤلاء المجرمين.

ولفت إلى أن ما يحدث من استهداف الصحافيين يقتضي من الحكومة العمل على تشكيل قوة خاصة لإنهاء هذه الظاهرة، معتبرا استهداف الصحافيين الذين يعرضون حياتهم للخطر من أجل القضية الفلسطينية لا يستحقون منا أن نعاقبهم وأن نعيشهم بيننا بخطر.

وحول قدرة الحكومة على فرض النظام والقانون، أوضح عوكل لـquot;إيلافquot;، أن الحكومة لن تتمكن من تحقيق هذا الهدف إلا إذا تكاثفت كافة الجهود الفلسطينية، وقدمت الدعم لوزير الداخلية في خططه القاضية بفرض النظام.

ويبقى الإعلام الفلسطيني وأصحاب المؤسسات الإعلامية متهاونين في حق الكتاب، وكما يمارس عليهم الإرهاب بشتى أنواعه يقوم هؤلاء بتكميم الأفواه وإخراس الأقلام في عملية انتقائية غريبة للمقالات المنشورة التي من خلالها تطلب الهدنة مع هذا الأمير أو الإمبراطور quot;أمراء الفلتان الأمنيquot; أو مع ذاك، وهكذا الكلمة الحرة في عصر الظلم والقهر وظاهرة الفلتان الأمني في قطاع غزة، أو كما قاله خلف.

السلطة الفلسطينية على اتصال دائم بلندن حول مراسل بي بي سي

وعلى صعيد متصل اعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس الجمعة في صوفيا ان السلطة الفلسطينية على اتصال دائم بلندن بشان قضية مراسل هيئة الاذاعة البريطانية quot;بي بي سيquot; آلن جونستون الذي اختطف في آذار/مارس في قطاع غزة. وقال عباس في مؤتمر صحافي عقده في اليوم الاول من زيارته لبلغاريا quot;نحن على اتصال دائم ومكثف مع وزارة وزارة الخارجية البريطانية (...) ونناقش المساعي التي نبذلها والتي لن اكشف عنهاquot;.

ولم يؤكد عباس بشكل مباشر ما اذا كان الصحافي البريطاني لا يزال على قيد الحياة. وقد سبق ان اعلن في ستوكهولم عشية انتقاله الى صوفيا ان لدى الاستخبارات الفلسطينية معلومات تفيد بان جونستون ما زال على قيد الحياة. وجونستون اسكتلندي يعمل مراسلا لهيئة الاذاعة البريطانية في قطاع غزة منذ ثلاثة اعوام. وكان مسلحون ملثمون خطفوه في 21 آذار/مارس في مدينة غزة بينما كان عائدا الى منزله في سيارة.

واعرب عباس في صوفيا الجمعة عن اسفه quot;للمشاكل الامنية الكبيرة ولا سيما في غزةquot; والتي رد سببها الى quot;تدمير البنية التحتية للاجهزة الامنيةquot;.