مجلس الأمن يقدم تقريره النهائي عن الصحراء
التصويت اليوم وفق حرب دبلوماسية مغربية جزائرية

أحمد نجيم من الدار البيضاء-نيويورك-وكالات: يصادق مجلس الأمن في الساعات القليلة المقبلة على التقرير النهائي لقضية الصحراء الغربية. مصادقة تأتي تتويجا لحرب دبلوماسية طويلة بين المغرب، المطالب بحقه في السيادة على المحافظات الصحراوية، وبين الجزائر الراعي والمساند لجبهة البوليساريو المطالبة باستقلال المحافظات. فالجزائر وظفت سلاح المال في التأثير على أعضاء مجلس الأمن الدولي كي تشيد هذه الدول بالمشروع الذي اقترحته جبهة البوليساريو، بينما اعتمد المغرب على صداقاته مع الدول، خاصة فرنسا وأميركا وإسبانيا. كما لجأ المغرب إلى الدبلوماسية بكل أشكالها، فياسين المنصوري، المدير العام لquot;لادجيدquot; المخابرات العسكرية، قام بحملات مكوكية قادته إلى مختلف الدول لشرح المشروع المغربي المتعلق بمنح المحافظات الصحراوية حكما ذاتيا تحت السيادة المغربية.

حملات المنصوري أتت أكلها في أكثر من عاصمة، بعد تلك الرحلات المكوكية السرية، سيبدأ ما أضحى يسمى فريق الأحلام حملة دبلوماسية جديدة إلى دول العالم بدأت بالأعضاء الدائمين في الأمم المتحدة. تشكل الفريق من فؤاد عالي الهمة، الرجل المقرب من الملك والوزير المنتدب في الداخلية والطيب الفاسي الفهري الوزير المنتدب في الخارجية وياسين المنصوري، مدير عام quot;لادجيدquot; وشكيب بنموسى وزير الداخلية. اعتمدت الدبلوماسية المغربية، كثيرا على الصداقات لترويج مشروع المغرب، مشددة على أن المشروع quot;مبادرة للتفاوضquot; وليس حلا نهائيا مفروضا من المغرب.

هذه الصفعة القوية من المغرب لخصومه جعلتهم يتحركون وبقوة، فالجزائر أقنعت ثلاث دول في انتقاد المبادرة المغربية وربما قد تحول دون إشادة مجلس الأمن الدولي بها، وهي جنوب إفريقيا الحليف القوي للجزائر وباناما ثم البيرو، فهذه الأخيرة، اختارت معسكر الجزائر، وقد انتقدت المشروع المغربي، لكن لهذا الانتقاد مقابل مادي، إذ بلغ الدعم الجزائري لهذا البلد الأميركي لاتيني قرابة 70 مليون دولار.
الدولة العربية الوحيدة في مجلس الأمن قطر، تبدو مترددة، الوفد المغربي كان زار هذا البلد قبل أشهر وأطلع القطريين على مضامينه، لكن هناك أخبار تتحدث عن إمكانية امتناع قطر أو ربما معارضة المشروع المغربي.

وكان مجلس الأمن، على غير عادته، أجل البث في هذه القضية المتنازع عليها بين المملكة المغربية وجبهة البوليساريو. فللمرة الأولى في تاريخ هذا النزاع يحدث خلاف حول ديباجته، في السابق اعتادت تلك القرارات بدعوة جميع أطراف النزاع إلى الحوار لحل المشكل، بالإضافة إلى تمديد بعثة المينورسو الأممية في الصحراء لحفظ قرار وقف إطلاق النار بين الطرفين.

غير أن القرار الأممي تأجل وسط خلاف كبير حول صياغته، فالولايات المتحدة الأميركية وفرنسا طالبتا بإضافة عبارة quot;جادquot; إلى المقترح المغربي الذي عرض على الأمين العام الأممي قبل أيام، بينما طالبت جنوب إفريقيا وباناما، العضوان غير الدائمين في مجلس الأمن، بالتعامل بالمثل مع مشروع كانت جبهة البوليساريو تقدمت به إلى الأمين العام.

ويتوقع أن يتم الإشادة بالمشروع المغربي، إذ يحظى بدعم دولتين دائمتي العضوية في مجلس الأمن فرنسا وأميركا، وكان 167 عضوا في الكونغريس أعلن دعمه للمشروع المغربي قبل يومين، دولة أخرى تدعم المشروع المغربي وهي إسبانيا، المستعمرة السابقة لمحافظات الصحراء. هذا الدعم يعد انتصار كبير للدبلوماسية المغربية التي طافت العالم للتعريف بهذا المشروع وترويجه. البوليساريو، عن طريق ممثلها في الأمم المتحدة، بدورها عبرت عن تفاؤلها وارتياحها الكبير بخصوص التوجه العام لمناقشات أعضاء مجلس الأمن. وتوقع أن لا يتبنى مجلس الأمن أيا من المشروعين المغربي ومشروع البوليساريو.

وقبل الإعلان عن القرار الأممي، سارعت جبهة البوليساريو عبر سفرائها في الأمم المتحدة والجزائر إلى الإعلان عن استعداد البوليساريو للتفاوض مع المغرب تحت إشراف أممي، فقد أعلن سفير البوليساريو في الأمم المتحدة البوخاري في تصريح لجريدة quot;الخبرquot; الجزائرية، أن المرحلة القادمة ستكون مرحلة تمهيدية لمفاوضات جدية مع المغرب برعاية أمميةquot;.

المغرب كان أعلن في السابق، على لسان وزير داخليته شكيب بنموسى، أحد مهندسي مشروع الحكم الذاتي، عن رغبة المغرب في التفاوض وقال في تصريح أمام وسائل الإعلام المغربية quot;يد المغرب ممدودة لجميع الأطرافquot;. لكن هذه المفاوضات التي تدعو إليها المملكة المغربية مقرونة بشرط أساسي، وهي أنها ستتم في إطار سيادة المغرب على المحافظات الصحراوية. شرط عبرت البوليساريو عن رفضه.

وقبل أيام كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون عرض مقترح المغرب على مجلس الأمن للمناقشة، وكانت البوليساريو بدعم من الجزائر، أعدت هي الأخرى مشروعا لحل مشكلة الصحراء في الجنوب المغربي.

وأكد بان كي مون في البداية صعوبة التوصل إلى حل في هذا النزاع، وقد غير لهجته ليدعو بديبلوماسية إلى quot;فتح مفاوضات مباشرة بين مختلف أطراف النزاعquot;. الإشارة هنا واضحة إلى حوار مفتوح بين المغرب والجزائر والبوليساريو وإسبانيا، باعتبارها البلد المستعمر للمنطقة. هذا الحوار يبحث عنه المغرب، فالرباط متيقنة أن حل مشكل الصحراء يمر أساسا عبر الجزائر، ثم عبر مفاوضات مع قيادات البوليساريو.

وكانت المفاوضات بين المغرب والبوليساريو توقفت منذ فترة، أيام حكم الملك الحسن الثاني، والتي قادها عن الجانب المغربي ولي العهد آنذاك الملك محمد السادس ووزير داخليته إدريس البصري. وينص المشروع المغربي المقترح على مجلس الأمن الدولي على فتح قنوات الحوار مع البوليساريو. وتحدثتأخبار عن بدء هذه المفاوضات، خاصة مع مصطفى السيد، أحد مؤسسي البوليساريو الذي يقيم حاليا في كندا. وكان رتبلقاء بين مسؤولين مغاربة وبين مصطفى السيد بالسينغال، غير أنه أجل لأسباب أمنية.

وكانت تحدثت صحف مغربية عن لقاءات سرية أخرى بين قيادات البوليساريو والمغرب في السينغال وموريتانيا وإسبانيا، وقالت إن تلك اللقاءات جمعت سياسيين وناشطين جمعويين صحراويين مع قادة من البوليساريو منهم مؤسسو quot;خط الشهيدquot; (منظمة سياسية تطالب بالقطيعة مع جبهة البوليساريو المتحكمة في السلطة بمخيمات تندوف). دول أخرى، حسب المجلة، عرضت خدماتها لاستقبال مفاوضات سرية فوق أراضيها، كما هو الحال بالنسبة للنرويج.الأجواء الحالية في المغرب والبوليساريو هي أجواء ما قبل المفاوضات.

الحرب العالمية ضد الإرهاب التي تقودها أميركا قد تكون في صالح الإسراع بحل سياسي، فمنطقة الصحراء متهمة بكونها الفضاء المفضل للإرهابيين، خاصة فرع القاعدة الجديد في المغرب الإسلامي. تدريبات أضحت تشكل خطرا كبيرا على الدولتين الجارتين المغرب والجزائر.

الصراع في الصحراء لا حل له في فبعد أشهر من الإثارة، قدم المغرب مشروعه حول الحكم الذاتي. ووصف من قبل خبراء بquot;القوي والشجاع والبناءquot;، لأنه لا يجعل من الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية حلا أخيرا، بل هو بداية لمرحلة قد يشارك فيها المغاربة والبوليساريو. قبل وصول المشروع إلى مجلس الأمن، وقدمت البوليساريو بدعم الجزائر مشروعا آخر أطلقت عليه اسم quot;مشروع سلامquot;. إذا كان المشروع المغربي قد عرف تكتما شديدا، فإن مشروع البوليساريو وزع عبر الأنترنيت على نطاق واسع.

مشروع البوليساريو قدم تنازلات كبيرة، إذ وعد بتقديم الجنسية الصحراوية إلى جميع المغاربة المقيمين بالمناطق الصحراوية، كما وعد بالحفاظ على مصالحهم في المنطقة، وأبدت جبهة البوليساريو المطالبة باستقلال المغرب رغبتها بquot;تقسيم الخيرات الطبيعية الصحراوية مع المغرب، وبالسماح بإنشاء قاعدة عسكرية مغربية في الصحراء المستقلة.

ويبدو المغرب في مرحلة ما قبل المفاوضات، إذ سبق أن أجرى تعيينات في وزارة الداخلية، منها إلحاق القيادي السابق في البوليساريو محمد علي المعروف بالحضرمي بوزارة الداخلية، وقد ربط الكثير التحاق الحضرمي بفريق المفاوضين المغاربة، ذلك أن الحضرمي مازالت له علاقات قوية في البوليساريو، فهذا القيادي السابق قادر على تدليل صعاب كبيرة، غير أن البوليساريو، عادة ما تتندر من المفاوضات مع غير المقربين من الملك محمد السادس في مفاوضاتها مع المغرب.

وينص مشروع الحكم الذاتي المغربي على quot;التزام المغرب بالعمل على إيجاد حل سياسي نهائيquot;، ويشير المشروع صراحة إلى أن quot;سكان جهة الحكم الذاتي للصحراء، داخل الحدود الترابية للجهة، ومن خلال هيآت تنفيذية وتشريعية وقضائية، وفق المبادئ والقواعد الديمقراطية، عدة اختصاصات، ولاسيما في الميادين التالية:الإدارة المحلية والشرطة المحلية ومحاكم الجهة، على المستوى الاقتصادي: التنمية الاقتصادية والتخطيط الجهوي وتشجيع الاستثمارات والتجارة والصناعة والسياحة والفلاحة، وميزانية الجهة ونظامها الجبائي والبنى التحتية: الماء والمنشآت المائية والكهربائية والأشغال العمومية والنقل، وعلى المستوى الاجتماعي: السكن والتربية والصحة والتشغيل والرياضة والضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، والتنمية الثقافية: بما في ذلك النهوض بالتراث الثقافي الصحراوي الحساني، والبيئة.

وتحدث عن جهة الحكم الذاتي للصحراء وأكد أنها تتكون من الضرائب والرسوم والمساهمات المحلية المقررة من لدن الهيآت المختصة للجهة، والعائدات المتأتية من استغلال الموارد الطبيعية، المرصودة للجهة، وجزء من العائدات المحصلة من طرف الدولة والمتأتية من الموارد الطبيعية الموجودة داخل الجهة، والموارد الضرورية المخصصة في إطار التضامن الوطني، وعائدات ممتلكات الجهة.

وتحتفظ الدولة المغربية بمقومات السيادة، لاسيما العلم والنشيد الوطني والعملة، والمقومات المرتبطة بالاختصاصات الدستورية والدينية للملك، بصفته أمير المؤمنين والضامن لحرية ممارسة الشعائر الدينية وللحريات الفردية والجماعية، والأمن الوطني والدفاع الخارجي والوحدة الترابية، والعلاقات الخارجية، والنظام القضائي للملكة.

وتباشر الدولة المغربية، حسب مسودة المشروع، بتشاور مع جهة الحكم الذاتي للصحراء، وذلك بالنسبة لكل القضايا ذات الصلة المباشرة باختصاصات هذه الجهة. ويجوز لجهة الحكم الذاتي للصحراء، بتشاور مع الحكومة، إقامة علاقات تعاون مع جهات أجنبية بهدف تطوير الحوار والتعاون بين الجهات.

تتكون الجهة، حسب المشروع نفسه، من برلمان الحكم الذاتي وأعضائه المنتخبين من مختلف القبائل الصحراوية، وكذلك من أعضاء منتخبين بالاقتراع العام المباشر من قبل مجموع سكان الجهة. كما يتعين أن تتضمن تشكيلة برلمان جهة الحكم الذاتي للصحراء نسبة لا بأس بها من النساء. ويمارس السلطة التنفيذية في جهة الحكم الذاتي للصحراء رئيس حكومة ينتخبه البرلمان وينصبه الملك. ويتولى رئيس حكومة جهة الحكم الذاتي للصحراء تشكيل الحكومة ويعين الموظفين الإداريين الضروريين لمزاولة الاختصاصات الموكلة إليه، بموجب نظام الحكم الذاتي. ويكون رئيس حكومة الجهة مسؤولا أمام برلمان الجهة. بينما يتولى البرلمان الجهوي انشاء محاكم تتولى البت في النازعات الناجمة عن تطبيق الضوابط التي تضعها الهيآت المختصة لجهة الحكم الذاتي للصحراء. وتصدر هذه المحاكم أحكامها بكامل الاستقلالية، وباسم الملك.

وسيكون نظام الحكم الذاتي موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية. وبعد هذا الاستفتاء، طبقا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة وقرارات الجمعية العامة ومجلس الأمن، بمثابة ممارسة حرة من لدن هؤلاء السكان، لحقهم في تقرير المصير.

وأكد المغرب عزمه في هذا المقترح على انخراطه في بناء مجتمع ديموقراطي حداثي، يرتكز على مقومات دولة القانون والحريات الفردية والجماعية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. يمنح سكان الصحراء، وبشكل ديمقراطي، تدبير شؤونهم بأنفسهم من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية، تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستوفر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات، والإسهام الفعال في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للمملكة.

كما يشير إلى أن هذا نظام الحكم الذاتي، المنبثق عن المفاوضات، سيخضع لاستشارة استفتائية للسكان المعنيين، طبقا لمبدإ تقرير المصير ولأحكام ميثاق الأمم المتحدة. وقد وجهت المملكة المغربية نداء إلى باقي الأطراف لكي تغتنم هذه الفرصة من أجل فتح صفحة جديدة في تاريخ المنطقة. كما يعبر عن استعداده للانخراط في مفاوضات جدية وبناءة، انطلاقا من هذه المبادرة، وكذا عن الإسهام في خلق مناخ الثقة الضرورية لإنجاحها.

الامم المتحدة تدعو الرباط والبوليساريو الى التفاوض

من جهتهاصدر مجلس الامن قرارا الاثنين دعا فيه المغرب وجبهة البوليساريو الى التفاوض من دون شروط تحت اشراف الامم المتحدة حول مستقبل الصحراء الغربية من اجل التوصل الى منح الشعب الصحراوي تقرير المصير.

وجاء في القرار الذي اقر بالاجماع ان مجلس الامن quot;يدعو الاطراف الى الدخول في مفاوضات من دون شروط مسبقة وبحسن نية مع الاخذ بعين الاعتبار احداث الاشهر الماضية للتوصل الى حل سياسي عادل ودائم ومقبول من الطرفين يتيح ضمان تقرير المصير لشعب الصحراء الغربيةquot;.

وطلب القرار من الامين العام للامم المتحدة بان كي مون quot;تنظيم هذه المفاوضات تحت اشرافه ودعا الدول الاعضاء الى تقديم مساعداتهاquot; لانجاحها.