باريس: يغادر الرئيس جاك شيراك الساحة السياسية الأربعاء بعد 12 سنة من الحكم في فرنسا، تاركا أرثا مثيرا للجدل بالنسبة للفرنسيين الذين سيذكرون على الأقل انه كان الرئيس الذي واجه الأميركيين في الحرب على العراق.
وكشف استطلاع للرأي اجري قبل بضعة أيام من رحيله من قصر الاليزيه، أن أكثر من نصف الفرنسيين يعتبرون أن سنوات حكم شيراك كانت quot;سيئة نوعا ماquot; (40%) أو quot;سيئة جداquot; (14%)، مقابل 42% يرون أنها quot;جيدة نوعا ماquot; وفقط 2% يعتبرونها quot;جيدة جداquot;.
وسيذكر الفرنسيون خصوصا قدرة شيراك (74 عاما) على الاستيلاء على السلطة والعودة إلى الواجهة في الأوقات الصعبة، إنما أيضا تغيير توجهاته بحسب الظروف ما دفع خصومه السياسيين إلى انتقاد غياب قناعاته على حد قولهم.
وبدلا من تجاوز quot;الشرخ الاجتماعيquot; الذي وعد بمحاربته لدى وصوله إلى الرئاسة في العام 1995، واجه خلال ولايتيه الاثنتين العديد من النزاعات الاجتماعية دفعت أحيانا بملايين الأشخاص إلى الشارع.
أما إعمال الشغب التي هزت الضواحي خريف 2005 وشكلت أزمة لا سابق لها في فرنسا، فقضت على طموح شيراك في إرسال عدالة واستقرار اكبر في البلاد. كما تراجع مستوى المعيشة لدى الكثيرين.
إلا انه نجح في بعض المشاريع الكبرى مثل مكافحة السرطان والحوادث الكثيرة على الطرقات.
وفي المجال الاقتصادي، تنتهي ولايته الثانية بتحسن بسيط على مستوى البطالة، لكن الدين العام والضرائب ازدادت خلال ولايته.
وفي مبادرة تميز بها عن أسلافه، حاول شيراك أيضا التطرق بصراحة إلى الصفحات السوداء من تاريخ بلاده، لا سيما من خلال الاعتراف بمسؤولية الدولة الفرنسية في نفي اليهود خلال الحرب العالمية الثانية.
وعلى الساحة الدولية، أراد جاك شيراك أن تكون سياسته مكملة لسياسة الجنرال ديغول المبنية على فكرة أن quot;فرنسا ترى العالم انطلاقا من رؤية مستقلةquot;.
وانعكست هذه الرؤية في إحدى ابرز محطات رئاسته حين عارض عام 2003 الاجتياح الأميركي للعراق، فكان quot;المناضل في سبيل السلامquot; في وجه جورج بوش.
وادي هذا القرار إلى ارتفاع شعبيته إلى مستويات قياسية في فرنسا (75% من الفرنسيين أيدوا هذا الموقف) والعديد من دول الجنوب وخصوصا في العالم العربي.
لكن هذه السياسة كان لها أيضا أثرا سلبيا جدا على العلاقات الأميركية الفرنسية.
غير أن شيراك استطاع في ما بعد التوصل إلى نقطة التقاء مع بوش.
فقد كرس الرجلان كل قوتهما لإنهاء الوصاية السورية على لبنان وهو بلد عزيز على الرئيس الفرنسي الذي تأثر كثيرا نتيجة اغتيال صديقه ورئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005.
ولم يحقق شيراك النجاحات ذاتها على الساحة الأوروبية. فهذا الرئيس الذي اقتنع بأهمية المشروع الأوروبي فشل في مبادرة الاستفتاء في أيار/مايو 2005 حول الدستور الأوروبي الذي رفضه الفرنسيون.
ووجد الثنائي الفرنسي الألماني نفسه في معسكرين متواجهين غير قادرين على القياد بدور محرك أوروبا كما في الماضي.
وتعكس الزيارة المرتقبة لساركوزي إلى برلين من دون شك أهمية إعادة إطلاق هذا التعاون.
من جهة ثانية، أكد شيراك طوال ولايتيه على تعلقه بإفريقيا التي كان يزورها مرة واحدة على الأقل كل سنة، من دون أن ينجح في إسكات بعض الأصوات التي تتهمه بمجاملة بعض الأنظمة الاستبدادية.