عندما تطغى المطالب على السياسة وأهلها
لبنان: إضراب قطاعي يتحول إلى مطلبي عام

عماد الدين رائف من بيروت: quot; لن نسكت عن مطالبنا، ولن تكون الحالة هادئة بعد اليوم! quot;، بهذه الكلمات يبادرنا محمد أحد السائقين الملتزمين بالإضراب القطاعي الذي شمل بداية النهار قطاعات النقل والمركبات العمومية وحافلات نقل طلاب المدارس، والعمال الزراعيين وقطاعات الإنتاج الزراعية؛ لكنه ما لبث أن تحول إلى إضراب عام مع ساعات النهار الأولى وشلت الحركة في مناطق واسعة على امتداد خارطة لبنان.

مع الإضراب
كانت الدعوة إلى الإضراب قد مرت بصخب سياسي أو مسيّس، كما هو حال أي تحرك مطلبي في لبنان، على الرغم من تأكيد رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن quot; أن التحرك هو لأهداف نقابية ومطلبية بحتة quot; وأن quot; تصحيح الأجور في ظل الضائقة الاجتماعية سيكون العنوان الأبرز للتحرك العمالي العام المستقبلي، لا سيما أن سياسة الحكومة منذ عام 1996 جعلت الشعب اللبناني يرزح تحت خط الفقر، وأدت إلى تراجع القدرة الشرائية بسبب الغلاء العالمي للأسعار والذي انعكس على الداخل اللبناني تراجعاً مضاعفاً وصل الى 17٪ في وقت تضاعفت أسعار بعض السلع الى 100٪، واتهم وزير الاقتصاد والوزارة بأنها تتبع سياسة ( عمياء ) رغم أنها أقرت بتراجع القدرة الشرائية بنسبة 10٪، مؤكداً أن سياسة الأجور المعتمدة تسببت بالانكماش الاقتصادي والفقر وهجرة الشباب quot;، وقد أبدى النقابيون رفضهم المطلق لإعطاء هذا التحرك الطابع السياسي، وخصوصاً على مستوى الصراع القائم على مستوى الموالاة والمعارضة. لكن المناطق المحسوبة على المعارضة، شهدت تحركات مختلفة من قطع موقت للطرقات العامة، وتجمعات للنقابيين والعمال والسائقين الملتزمين بالإضراب لم تخرج عن الطابع السلمي العام لهذا اليوم الطويل إلا في حادثة إطلاق نار فردية في بلدة النبي عثمان في البقاع.

مع الناس
على الرغم من ان قطاع النقل العام، وخاصة قطاع سيارات النقل العمومية، في لبنان يحتاج إلى إعادة تنظيم، وإلى إصلاحات جذرية منذ أكثر من خمسة عشر عاماً إلا أنه قطاع حيوي، يلجأ إلى الانخراط في صفوف العاملين فيه كثيرون من العاطلين عن العمل، أو الذين خسروا مصادر رزقهم، وهو يشكل ملجأ غير شرعي لكثيرين من الذين لا يزالون يستخدمون مادة المازوت (غاز أويل)، ومحركات الديزل غير المشروعة الاستعمال، وآخرون يلجأون إلى تزوير اللوحات العمومية الحمراء، والتي يبلغ سعرها الوسطي في السوق أحد عشر مليون ليرة لبنانية، أي حوالى سبعة آلاف دولار أميركي، ولا يسمح بمزاولة هذه المهنة، والعمل كسائق تاكسي إلا لمن يملك هذه اللوحة، التي تخوله نقل الركاب بالأجرة. أما بالنسبة إلى التعرفة المحددة من قبل النقابة بمعدل ألف ليرة لبنانية، أي دولار واحد، عن الشخص، والتي ارتفعت بعد حرب تموز مباشرة، فيحاول السائقون بشكل غير شرعي رفعها بين الفينة والأخرى لتصل إلى ألفي ليرة، وبعضهم لا يرضى إلا بـ quot;سرفيسينquot;، أي ثلاثة آلاف للمسافات التي يراها طويلة.

مجموعة من الشبان تجبر ركاب سيارة أجرة على النزول منها عند تقاطع أحد الطرقات
في الضاحية الجنوبية صباح اليوم - تصوير عصام سحمراني - خاص إيلاف

بعض المواطنين حاولوا الخروج مبكرين إلى أعمالهم لكنهم تفاجأوا بالالتزام الصارم بالإضراب منذ السادسة صباحاً، وآخرون باتوا ينتظرون لأكثر من ساعة وسيلة نقل، أما من حالفهم الحظ ووجدوا سيارة تقلهم، فتعرضوا لبعض المضايقات من السائقين الملتزمين بالإضراب، يحدثنا علي، عن رحلته إلى العمل، يقول: quot;بعد انتظار طويل رضي أحد السائقين بأن يقلّني، لكن السيارة التي تحركت بعض مئات من الأمتار توقفت فجأة بعد أن اعترض طريقها فان (ميكروباص) ليقول سائقه: نزل الركاب كلهم على الأرض وروح، وهكذا قطعت المسافة المتبقية سيراً على قدمي لمدة نصف ساعةquot;. آخرون كانوا مقتنعين بضرورة الإضراب فمشوا عن طيب خاطر لكيلومترات إلى مكان عملهم، ولم يحاولوا انتظار سيارات الأجرة، ومنهم انطوان، يقول: quot;ارتفعت الأسعار في لبنان خلال الأشهر الستة الأخيرة بمعدل الثلث، وبالتالي فقدت الليرة قيمتها الشرائية، وقد تعب الناس من السياسيين وتفلسفهم على المنابر ووعود الحكومات المتعاقبة الزائفة، آن لنا أن نسمع نغمة أخرى، نغمة مطلبيةquot;.

ضد الإضراب
في المقابل عقد رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة، اجتماعاً في السراي مع وفد من هيئة الإنقاذ في الاتحاد العمالي العام، وهي هيئة عمالية موالية للسلطة، ومع ممثلين عن القطاع الزراعي وقطاع النقل والقطاع التربوي، دام أكثر من ساعتين طرحت في كل القضايا الاقتصادية والمعيشية. وقد تشكلت لجنة من الهيئة ومن وزارات العمل والاقتصاد والمالية لمتابعة البحث في الامور التي جرت مناقشتها. في حين أن الرئيس السنيورة لم يوجه أي دعوة إلى الاتحاد العمالي العام، الذي يمثل النقابات العمالية في لبنان، كما أوضح المكتب الإعلامي في الاتحاد. وقد رأت قوى الموالاة التي تداعت إلى اجتماع عشية الإضراب إلى أنه من الأجدى لها العمل على تسييس هذا التحرك المطلبي، كونه لا يصب في مصلحتها، لتخرج بدعوى أنه laquo;بالتوازي مع إفشال المبادرة العربية لتسهيل انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية، وتحضيرا للضغط على الاجتماع المقبل لمجلس الجامعة العربية الأحد المقبل في القاهرة، لجأت القوى المعارضة إلى إطلاق حملة تهويل إعلامية ـ سياسية مركزة، مستغلة المطالب الاجتماعية والمعيشية الناتجة من الأوضاع الصعبة التي يمر بها المواطنون، والتي تنجم في معظمها عن شل الحركة الاقتصادية بواسطة الاحتلال الجائر المتواصل للوسط التجاري، وسياسة إحلال الفراغ والتعطيل على كل المستويات الدستورية والسياسية والاقتصادية والمعيشيةraquo;. ودعت اللبنانيين laquo;إلى عدم الانصياع لجو التهويل والتخويف، وممارسة حياتهم بشكل طبيعي بعيدا عن دعوات الإضراب، والتي تحمل قناعاً مطلبياً، فيما تقف وراءها فعليا قوى المحور السوري ـ الايرانيraquo;، وحذرت من laquo;العواقب الوخيمة التي قد تترتب عن خروج هذه التحركات عن القواعد القانونية والدستورية المعروفة، والتي تتحمل مسؤوليتها تلك القوى السياسيةraquo;.