اعتدال سلامه من برلين: على الرغم من التوتر المتواصل بين الغرب وإيران، إلا أن العلاقات بين العاصمتين الإيرانية والألمانية يمكن أن توصف بأنها مميزة ومصبوغة بالهدوء، مع أن برلين هددت عدة مرات على خلفية برامج إيران النووية بمساندة كل قرار دولي يدعو إلى فرض عقوبات بحقها إذا ما لم تتنازل عن هذه البرنامج، لكنها لن توافق على توجيه أي ضربة عسكرية ضدها.

والمواقف الألماني لا يستند إلى خشية من حدوث حالة عدم استقرار في منطقة الشرق الاوسط بل حفاظًا على علاقات تاريخية ومصالح مشتركة تربط البلدين. فعلى الرغم من الـ 3000 كلم التي تفصل بينهما والاختلاف الحضاري والثقافي، يجمع البلدان منذ عقود طويلة علاقة مميزة تعرضت للصدمات منذ الاطاحة بنظام الشاه ثم عادت الى شبه التطبيع تدريجيًا، خاصة بعد اقفال ملف عملية مطعم موكونوس العام الماضي واغتيل فيه اربعة قيادين اكراد ايرانيين، كما حلت قضية الحكم بالاعدام على رجل الاعمال الالماني في طهران هلموت هوفر لمعاشرته امراة ايرانية، مع ان مثل هذا القضية تنتهي حسب القوانين الاسلامية بالموت، لكن اطلق سراح الالماني وعاد الى بلده .

ولا بد هنا من ذكر العلاقات الروحية التي تجمع ألمانيا وإيران، فإضافة الى ولع الاديب الالماني غوته بالشاعر الايراني حافظ وذكره فيquot; ديوان الغرب الشرقquot; ويعتبر اليوم انتاجًا أدبيًا عبقريًا، تم تبادل الثروات الفكرية والتجارية بين المانيا وبلاد فرس عبر الرحلات التجارية. ففي عام 1427 كان التاجر هانس شيلبيرغر اول شاهد عيان على بلاد السحر والعظمة حمل بعده العديد من الرحالة الالمان ابداعات شعراء فارس لتقرأ في صالونات المجتمع المخملي الالماني.

وظلت الحركة التجارية بين البلدين مزدهرة الى حين اندلاع الحرب العالمية الاولى حيث بقيت المانيا وفية لإيران، فوطدت علاقتها مع عهد الشاه رضا بهلواي الذي احدث اصلاحات كثيرة في المؤسسات الحكومية واستدعى لتنفيذها خبراء ألمان. وازدهرت التجارية بين البلدين، فمقابل استيراد المانيا الفحم الحجري تصديرها الى ايران معدات صناعية وأجهزة متنوعة فتأسست على أثر ذلك شركات ألمانية إيرانية، كما مدت شركات ألمانية خطوط هاتف. وتكثفت الوفود الطلابية الايرانية يومها للدراسة في الجامعات الالمانية ، لذا لا غرابة لوجود ايرانيين من الجيل الثاني او الثالث لا يعرفون إيران او لم يرثوا من اجدادهم اللغة الفارسية، ولا يعدوا من المعارضة السياسية.

وعلى الرغم من سنوات الانقطاع عقب الحرب العالمية الثانية عادت العلاقة لطبيعتها مع مطلع عام 1950 ومنذ عام 1952 تعتبر المانيا احد اهم الشركاء التجاريين. ولقد ادرك المستشار الاول لودفيع ارهادر بعد الحرب العالمية الثانية أن كل دعم لشراكة اقتصادية يجب ان يمر عبر علاقة روحية وحضارية، لذا ظل الاقتصاد والثقافة سنوات طويلة يربطان المانيا وايران، وعلى هذا الاساس بقيت المانيا محافظة على الود مع طهران في نفس الوقت حمت المعارضين الايرانيين لديها، فهناك اكثر من 125 الف وهي اكبر مجموعة بعد الولايات المتحدة وتركيا.

لكن لا بد من القول ان الانتعاش والعمل لتطبيع العلاقات الالمانية الايرانية كان في عهد الرئيس خاتمي ، فهو يعرف المانيا جيدًا وتمكن من توطيد علاقته مع العديد من المسؤولين فيها يوم كان مسؤولاً عن معهد ثقافي اسلامي في هامبورغ في الثمانينات.

ويمكن القول ان زيارة الرئيس خاتمي المميزة شهر تموز( يوليو ) 2000نشطت بشكل سريع العلاقات الثنائية رغم ان الوضع يومها كان متوترًا جدًا بسبب اعتقال النظام في طهران عددًا من الصحافيين والكتاب ومثقفين الايرانيين اشتركوا في ندوة اقامتها في برلين مؤسسة هانيريش بول التابعة لحزب الخضر في شهر(نيسان) ابريل من العام نفسه، حرض خلالها عدد من اللاجئين الايرانيين المشاركين ضد النظام، كما وان قضية موكونوس لم تكن قد وصلت الى اخر الفصول لحلها.

بالطبع العلاقة الايرانية الالمانية معرضة دائمًا لاهتزار لكن هذا الاهتزاز لن يكون وبشهادة الكثير من السياسيين والمحللين عميقًا كما حدث في عهد الخميني وتشهد على ذلك احداث كثيرة منها تبرع المنتخب الاتحادي لمدينة بام الايرانية عندما تعرضت لهزة ارضية بمبلغ 70 الف يورو من اجل بناء ملعب رياضة بعد ان سافر المنتخب الى طهران ولعب مع المنتخب الايراني ووصل يومها عدد المشاهدين الى مائة الف، وعلى الرغم من خسارة الايرانيين لكن البادرة كانت تصب في التقارب بين الشعبين.

عدا عن ذلك ومنذ سنوات لا تغيب ايران عن العديد من المناسبات الثقافية الرسمية وحضورها اصبح تقليديًا في معارض كثيرة تقام في ألمانيا منها بورصة السياحة العالمية في برلين.