كامل الشيرازي من الجزائر: إستكمالا لـquot;حربهاquot; القضائية ضدّ المتشددين، تستأنف الجزائر إعتبارا من الأسبوع المقبل الحسم في 130 قضية لها صلة بـquot;الإرهابquot; وذلك برسم الدورة الجنائية الثالثة لهذا العام، وهو ما يرشح لصدور عدد قياسي من الأحكام ضدّ مسلحين موقوفين وفارين، علما أنّ السنة الحالية شهدت النطق بأربعمائة حكم قضائي في quot;ملفات الإرهابquot; بما يبرز رغبة السلطات الجزائرية الضرب بيد من حديد في مواجهتها المفتوحة مع غلاة التشدد، بالتزامن مع يدها الممدودة للمتمردين الراغبين بالتوبة.

وستكون لمحكمة ولاية بومرداس (50 كلم شرق الجزائر) حصة الأسد من quot;قضايا الإرهابquot;، حيث ستنظر في 102 قضية إرهاب، بينما تتوزع 28 قضية المتبقية على مجلس قضاء الجزائر العاصمة ومحاكم أخرى، ويطال هذا الكم الضخم من المتابعات ناشطين في صفوف quot;قاعدة بلاد المغرب الإسلاميquot; وكذا quot;حماة الدعوة السلفيةquot; وكبار قيادات التنظيمين المذكورين على غرار quot;عبد المالك دروكدالquot; المكنّى quot;أبو مصعب عبد الودودquot; الذي سيحاكم غيابيا في قضايا مرتبطة باعتداءات نفذتها القاعدة في الفترة القليلة الماضية كسلسلة التفجيرات التي شهدتها ضاحية الجزائر الشرقية.

ويُنتظر أن تسرق قضية quot;غسيل أموالquot; يتورط فيها دروكدال وخمسة من أتباعه الموقوفين، كل الأضواء، حيث يرتقب أن تكشف المحاكمة عن أسرار مهمة بشأن كيفية تحصيل القاعدة للأموال، ونشاط خلايا محسوبة عليها بـquot;مخلفات الغنائمquot; تحت غطاء معاملات تجارية، علما أنّ السلطات الجزائرية، صادرت خلال العام الأخير، ما وُصفت بأنّها quot;أملاكاً عقاريةquot; وquot;استثماراتquot; لـ(القاعدة) وذلك على مستوى ولاية مستغانم (350 كلم غرب)، حيث عُثر هناك على أموال وعتاد وعدد من المركبات، تقدّر قيمتها بالمليارات ويشتبه في كون عناصر (القاعدة) قاموا بسلبها من مدنيين على شاكلة ابتزاز الفديات أو نهب المصارف.

كما صادرت السلطات أملاكا لمتمردين أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2006، أين أفضت تحقيقات وقتئذ إلى احتجاز شاحنات من مختلف الأحجام ومحلات لبيع المجوهرات ومتاجر لبيع المواد الغذائية وأخرى لبيع الملابس النسائية، اتضح أنّ أصحابها قاموا بعمليات غسيل وتبييض ضخمة لمليارات الأموال بالعملة المحلية وكذا بالدولار واليورو مما تمّ سلبه من أثرياء وتجار ومالكي الحانات والملاهي، وكذلك من سلسلة عمليات سطو على مؤسسات مصرفية ومقار بريد كتلك التي كانت منطقة القبائل الجزائرية مسرحا لها خلال السنوات الأخيرة.

وعلى منوال ما فعله منذ خريف العام 2007، يستمر القضاء المحلي في استثناء كبار الرؤوس السابقة لـ(الإرهاب) من برنامج القضايا المطروحة على طاولته، حيث لن يُحاكم كل من مؤسس quot;الدعوة والقتالquot; حسان حطاب (41 عاما) رغم استسلامه قبل سنة، تماما مثل الرقم الثاني السابق في الجماعة السلفية quot;عماري صايفيquot; المكنّى quot;عبد الرزاق الباراquot; الموقوف في خريف 2004، إضافة إلى quot;علالوbull; ح'' الأمير الجهوي السابق لـquot;الجماعة السلفيةquot; الموقوف منذ فترة ليست بالقصيرة.

وأصدر القضاء الجزائري منذ مطلع العام الجاري، نحو أربعمائة حكم ضدّ مسلحين، وجاءت أغلب هذه الأحكام غيابية وتراوحت بين الإعدام والمؤبدّ ضدّ quot;مسلحين فارينquot;، وكان لمحكمة بومرداس نصيب الأسد بـ 218 حكما غيابيا بالإعدام و72 حكما آخر بالسجن المؤبد، بعد إدانة المعنيين بتهم الانخراط في مجموعات إرهابية، وجنايات نشر التقتيل والحرق العمدي والاختطاف وبث الرعب، وكذا الانتماء لتنظيمات إرهابية تنشط بالخارج، كما توبع في هذه القضايا أيضا أشخاص استفادوا من انقضاء الدعوى العمومية في تهم تضمنتها نصوص المصالحة، لكنه تمّ متابعتهم في قضايا أخرى تقع تحت طائلة الحق العام.

وكان رئيس اللجنة الجزائرية لحماية وترقية حقوق الإنسان (حكومية) quot;مصطفى فاروق قسنطينيquot;، دعا سلطات بلاده إلى العفو عن حسن حطاب المكنّى (أبو حمزة)، واعتبر قسنطيني إنّه من المصلحة العليا للجزائر، أن تصفح السلطة عن حطاب وأتباعه، معتبرا أنّ الخطوة ستعزّز الاستقرار والسلم، وتصورّ إنّ دوائر القرار مدعوة للوفاء بتعهداتها تجاه حطاب، بعدما أقنعت الأخير بتسليم نفسه في 22 سبتمبر/أيلول 2007، مصنّفا المسـألة في خانة quot;صدقية الدولةquot;.

ورأى المحامي المخضرم quot;مصطفى فاروق قسنطينيquot;، إنّ الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يمكنه أن يصدر عفوا خاصا في حق حطاب المتابع في 18 قضية تتعلق أغلبها بالإرهاب وتهديد أمن الدولة، وأيّد المسؤول الحقوقي، استفادة أتباع حطاب من تدابير عفو استثنائية، شريطة عدم تورطهم في تفجيرات ومجازر جماعية، لكن نداء قسنطيني ظلّ دون استجابة، تماما مثل استغرابه محاكمة المسلحين غيابيا، وجزمه بتناقض الخطوة مع دعوة السلطات هؤلاء لتطليق العنف، حيث رأى الرجل بحتمية طي هذه المحاكمات حتى لا تتحول إلى أداة لتعطيل مسار المصالحة.

وإذا كانت السلطات أغلقت آجال العفو العام قبل سنتين، رغم استمرارها في العمل بخطة المصالحة، فإنّ نقيب القضاة الجزائريين quot;جمال العيدونيquot; رأى أنّ مصير ثلاثمائة مسلح أشهروا توبتهم بعد 31 أغسطس/آب 2006، بيد الرئيس بوتفليقة الذي يمكّنه ميثاق السلم من صلاحية إصدار تدابير عفو خاصة.