إيلي الحاج من بيروت: يقترب المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية باراك أوباما من البيت الأبيض بسرعة تخطف أنفاس متابعي الحملة الشرسة التي يقودها الحزبان الأميركيان للفوز، ولكن من غير إسقاط عامل الولايات التي تضم نسبة مترددين كبيرة لم يحسموا خيارهم أو لم يعلنوه حتى الآن وبينهم نسبة عالية تقارب السبعين في المئة من البيض المتعصبين عرقيا الذين لا يستبعد أن يصبوا في اتجاه واحد ويقلبوا النتائج رغم كل التوقعات القائلة من اليوم بفوز أوباما.

ولا شك أن الدفعة القوية التي نالها المرشح الديمقراطي من كولن باول، وزير الخارجية السابق الذي يعد ركناً في الحزب الجمهوري، ستؤدي دوراً قوياً في تعزيز حظوظ أوباما الذي نجح في تقديم نفسه حاملاً لحلول ، لا سيما في الموضوع المالي الإقتصادي الذي ينهك الأميركيين بعد انهيار بورصاتهم والمدخرات، ولعل المجال الذي يمكن باول أن يفيد أوباما في المعركة التنافسية الإنتخابية وبعدها هو مجال السياسة الخارجية أكثر من غيره ، ولا سيما في الشرق الأوسط. ومعلوم أن باول كان من غير محبذي عملية احتلال العراق التي كلفت الولايات المتحدة أموالاً باهظة التي أثقلت كاهل دافعي الضرائب الاميركيين الذين دفعواأثماناً باهظة لم يتحملوا مثلها منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان لهذا الضخ المالي الكبير مع أسباب أخرى رئيسية أن يؤدي إلى الأزمة المالية الإقتصادية الكبيرة.

وأكثر ما يهم العرب أن يتلافوا تداعيات قرارات أميركية ستأتي عاجلاً أم آجلاً في العراق بعد ارتفاع التكلفة البشرية والسياسية لتلك الحرب وإخفاقها في تحقيق كثير من أهدافها المعلنة والخفية، مما يفرض على الادارة الجديدة التعامل بحسم مع مصير الوجود العسكري الاميركي في العرا، سواء أكانت الإدارة المقبلة ديموقراطية -على الأرجح حتى اليوم- أو اجمهورية إذا حصلت مفاجأة لمصلحة جون ماكين.

وسيكون على الإدارة الجديدة إعادة النظر في الدور الاميركي الذي يتراجع في الشرق الأوسط على رغم كلفته العالية ، وهو تراجع أضحى واضحا في ملفات عدة، منها الأزمة اللبنانية، اذ كانت واشنطن غائبة عن اتفاق الدوحة وكذلك عن اتفاقات التهدئة بين الفصائل الفلسطينية والمفاوضات السورية- الاسرائيلية. ومعلوم أن الدول المستفيدة من هذا التراجع في الدور الأميركي هي دول تعتبرها واشنطن في quot;محور الشرquot; مثل إيران وسورية.

فإيران تبقى المستفيدة الوحيدة من السقوط الاميركي في آسيا الوسطى، كما انها المستفيدة الكبرى من الانسحاب الاميركي من العراق باعتبار ان مثل هذه الخطوة المحتومة ستعزز النفوذ الايراني في العراق، كما انها ستدفع المجتمع الدولي الى الاعتراف بالشراكة الايرانية في العراق من حيث النفوذ والسلطة والاستفادة الاقتصادية والنفطية.

أما سوية فيبدو أنها وجدت في المأزق الحكومي الاسرائيلي مخرجا لها للانسحاب بهدوء من المفاوضات مع تل أبيب في ظل نجاح حركة حماس في الصمود في وجه الهجمة الاسرائيلية، وصمودها الى درجة تمكنها من خوض معركة الرئاسة الفلسطينية ضد الرئيس محمود عباس الذي تنتهي ولايته الرئاسية مطلع العام المقبل. اضافة الى نجاح نسبي لحلفاء سورية في لبنان بعد اتفاق الدوحة، وتأمل دمشق في أن يتكرس بعد الإنتخابات النيابية المقبلة في هذا البلد لها، على أن تكون القيادة السورية تجاوزت تماما العزلة الدولية التي كانت مفروضة عليها.

كل ذلك يعني أن أوباما سيحتاج إلى حكمة باول، وإنها ليست انتخابات لأميركا وحدها بل لعالمنا العربي أيضاً.