عبد الخالق همدرد من كشمير: تزيد العمليات العسكرية الأميركية على الحدود الباكستانية شراسة وقوة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. وقد قامت القوات الأجنبية بالقيادة الأميركية في أفغانستان باستهداف موقع عسكري باكستاني بمنطقة وزيرستان الجنوبية بنيران مدفعية قبل أمس، في مخالفة واضحة للتأكيدات الأميركية بأنها تحترم السيادة الباكستانية. وقد استدعت باكستان السفيرة الأميركية لديها لتقديم الاحتجاج إليها.

ويرى محللون أن ازدياد تلك العمليات تشير إلى ارتباك الحكومة الأميركية، فيما يبدو وكأنها تحاول جاهدة للحصول على هدف أكبر لتبرير الحرب المزعومة على الإرهاب التي لم تسمن ولم تغن من جوع إلى غاية الساعة.

ومن المثير أن الولايات المتحدة تؤيد اللجوء إلى قوة الحوار والمنطق مع طالبان والمعارضة الأفغانية في أفغانستان من أجل تغطية فشلها العسكري وإبقاء لماء وجهها؛ إلا أنها تشدد على باكستان لاستخدام منطق القوة فقط مع طالبان والمسلحين في مناطقها المضطربة. وبناء عليه فقد رفض رتشارد باوتشر مساعد وزيرة الخارجية الأميركية تجريب الحوار مع طالبان في باكستان خلال محادثاته مع القيادات الباكستانية الأسبوع الماضي.
على صعيد آخر تبدو الحكومة الأفغانية جادة في التفاوض مع طالبان والمسلحين الأخرين المناوئين لنظام كابول الموالي للولايات المتحدة والمدعوم غربيا. وقد أجمع مجلس الأعيان المشترك الصغير الذي انعقد في العاصمة الباكستانية قبل يومين على سلوك طريق الحوار مع طالبان في أفغانستان. وأشار ذلك الاجتماع إلى تشكيل لجنة صغيرة تبحث عن طرق الاتصال والوصول إلى طالبان؛ بيد أنه لم يكشف عن أسماء من سيكون في تلك اللجنة جراء أسباب أمنية.

ويرى المحللون أن ذلك القرار خطوة إيجابية على الاتجاه الصحيح؛ إلا أن ثمراتها غامضة بسبب رفض طالبان لعرض الحوارعلى لسان المتحدث باسمهم ذبيح الله مجاهد، إلى حين انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، في حين أكد الرئيس الأفغاني حامد كرزاي في كابول أن تأمين حقوق المرأة وفق الدستور الأفغاني سيكون بين أهم محاور الحوار مع المعارضة، في إلماح واضح إلى أنه سيكون من اللازم على الطرف الثاني الالتزام بالدستور الأفغاني الحالي؛ إلا أن الموافقة على ذلك الأمر ستكون صعبا، حتى ولو حدث الحوار؛ لأن طالبان يريدون أن تكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للدستور الأفغاني وبالتالي فإنهم سيمنحون الشعب الحقوق التي تؤمنها لهم الشريعة.

أما من جهة باكستان فليست هناك أي مبادرة لفتح باب الحوار مع المسلحين، في حين تستمر عمليات الجيش في منطقة باجور وسوات ومهمند وبارة منذ وقت طويل؛ إلا أن منطقة وزيرستان الشمالية والجنوبية اللتان انفجرت منها quot; ثورة المسلحين quot; تبقيان آمنتين نسبيا هذه الأيام، رغم أنهما تحت النيران الأميركية المباشرة.

وفي تطور هام في هذا الصدد قد وافق المسلحون على الإحجام من عملياتهم العسكرية في منطقة quot; واري ماموند quot; بمنطقة باجور القبلية وفق تقرير للإذاعة البريطانية، حيث تعاهد المسلحون مع أعيان قبائل محليين بإلقاء السلاح دون أي شروط مسبقة إلى جانب تعهدهم بعدم قيامهم بدوريات مسلحة والمشاركة في الاجتماعات الشعبية؛ إلا أن الإذاعة أشارت إلى عدم التمكن من الاتصال بالمولوي عمر المتحدث الرسمي باسم طالبان في تلك المنطقة لتصديق ذلك الخبر.

ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الباكستانية جددت عزمها على الحوار مع المسلحين الذين يلقون السلاح؛ إلا أن المراقبين يرون أن ذلك الشرط تعجيزي؛ لأن المسلحين إذا ألقوا السلاح وتخلوا عن قوتهم وهيمنتهم فما هو الداعي للحوار معهم؟ كما أنهم يعتبرون الحوار صمام الأمن في المنطقة، في حين يرى معظمهم أن باكستان لا تستطيع القيام بالتفاوض مع المسلحين على أراضيها دون مباركة أميركية بسبب التزاماتها في الحرب المزعومة على الإرهاب، والولايات المتحدة تستخدم معها سياسة quot; جوّع كلبك يتبعكquot;.

وفي تطور ملحوظ قد أكد وزير الخارجية الألماني تأييد بلاده للوساطة السعودية للتفاوض بين الفرقاء الأفغان من أجل إحلال السلام في أفغانستان. وقد ذكر الوزير ذلك خلال مؤتمر مشترك مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بجدة يوم أمس الأربعاء. كما أنه أجرى محادثات مع الملك ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل. وذكرت الصحافة أن وضع أفغانستان كان من أهم محاور المحادثات بين فرينك والتر وزير الخارجية الألماني والقيادة السعودية.

والجدير بالذكر أن ألمانيا هي الدولة الغربية الثالثة التي لها تواجد عسكري في افغانستان وتؤيد المبادرة السعودية للوساطة بين الحكومة الأفغانية وطالبان، بينما قد أيدتها بريطانيا والولايات المتحدة من قبل.

ويرى مراقبون أن جهود المملكة العربية السعودية لإجلاس أطراف الصراع الأفغاني على مائدة المفاوضات مرشحة لتتكلل بالنجاح إذا أعطيت فرصة للعب دورها دون قيود، مضيفين أن أي تحرك مقيد سيكون معروضا على الفشل.

من جهة أخرى يرى المحللون أن مفتاح إنجاح تلك المفاوضات أو إفشالها في واشنطن؛ لأن الولايات المتحدة ترغب في السلام أفغانستان متزامنة مع فرض سيطرتها وهيمنتها على أفغانستان والمنطقة المتجاورة لها، وشتان بين المطلبين.