نجلاء عبد ربه من غزة: حينما تلبدت سماء غزة بالغيوم القريبة من اللون الرمادي، بدأ المواطن عبد الحميد سالم بضرب كفّا يدية على بعضهما، وكأنه يتمنى عدم هطول الأمطار التي أصابت منزله بأضرار جسيمة قبل يومين.
عبد الحميد (56 عاماً)، الذي بدا الأرق والتعب يرسم قسمات وجهه منذ أن منعته إسرائيل من دخول أراضيها والعمل بداخل مدنها قبل أكثر من 6 سنوات كغيره من عشرات آلاف الفلسطينيين الذين كانوا يعتمدوا بشكل أساسي على العمل داخل المدن الإسرائيلية المختلفة، أصبحوا الآن بين فكي الفقر وقلة العمل من جهة وبين سندان الأمطار التي من المتوقع أن تكون هذا العام أشد وطأة عليهم.
فالعامل الفلسطيني البسيط الذي كان يعمل في مجالات مختلفة عند الإسرائيليين لم يفكر يوماً، بحكم تركه للعلم والتسلح بصنعة تحميه من الفقر، لم يفكر في أيام سوداء قد تلازمه لسنوات.. بل ولم يفكر في تحديد إنجابه من الأطفال.. الأمر الذي جعله أكثر نسلاً وأقرب إلى هزات تطيح بمستقبل أسرته.
فعدد أطفاله الكثر، قياساً بغيره من الموظفين الفلسطينيين في المؤسسات الحكومية وغيرها، إضافة لمزاج الإسرائيليين في دخول هذا العامل لأراضيهم والعمل فيها، جعل منه أرضاُ خصبة لأنواع شتى من العذابات، كان آخرها سقوط كمية أمطار غزيرة على غزة، أدت إلى تلف معظم أثاث بيته.
يقول عبد الحميد، وهو واحد من مئات الفلسطينيين، واكبت إيلاف عن كثب ما جرى لهم في بيوتهم وأحيائهم، يقول quot;مهما حاولت من ترميم لسطح البيت وجدرانه الخارجية، المياه تدخل من كل مكان في بيتي. لا أعرف ماذا أفعل تحديداً، لكني عملت ما بوسعي لتفادي موجة أمطار أخرى قادمة إليناquot;.
سامر عبد الوهاب، شاب لا يتجاوز عقده الثاني، والده توفى قبل فترة وترك لسامر تحمل مسؤولية باقي أفراد الأسرة وبيت مسقوف بألواح الزينكو والأسبست. يقول هذا الشاب quot;الله وحده يعلم كيف ندبر أمورنا. نعتمد بشكل كلي على وزارة الشؤون الإجتماعية لما تصرفه لنا، وعلى مساعدات أهل الخير من المنطقة، لكن هذا بصراحة لا يكفي أبداً، فالناس معظمهم هنا في حاجة ماسة لمساعدتهم، خاصة وأن معظمهم فقراء ووضعهم كما وضعي.... سيئ للغايةquot;.
وكشفت الأمطار الأخيرة على قطاع غزة، حجم معاناة الفقراء بالدرجة الأولى في قطاع غزة، فبيوت معظم الناس في غزة ليست مؤهله لإستقبال موجات شديدة من مطر كالذي حلّ ضيفاً عليهم قبل يومين، وإن كان بالنسبة لهؤلاء الفقراء هو ضيفٌ لم يحسنوا إستقباله.
ويتهم الفلسطينيون في غزة الدول المانحة التي لم تساعدهم على عمل مشاريع مستقبلية، كمشروع تصريف مياه الأمطار. ويقولون أن تلك الدول كان تقدم منحاً لنا في إنشاء مسارح ومنتزهات ورصف الشوارع، وهي مشاريع ظاهرة وسطحية، تعطي بريقاً إعلاميا لامعا لهم، لكن أن يأتوا بمشاريع أساسية كمشروع تصريف المجاري أو الأمطار، فتلك المشاريع باهظة الثمن ولن تأخذ إنتشاراً إعلامياً كما المشاريع الظاهرة للعين، وبالتالي فإنهم يصرفون النظر عنها.
يقول المواطن محمد المصري من بلدة بيت، شمالي قطاع غزة، quot;ثلاثة أيام لم نخرج من بيوتنا، فالمياه غمرت المنطقة بالكامل، فإسرائيل التي جرفت الشوارع الإسفلتية التي كُنا نسير عليها، خلال فترات إجتياحها للبلدة، أصبحت الآن وحلاً لا يستطيع الإنسان المشي في ظل تجمعات المياه الناتجة عن الأمطارquot;.
ويضيف المصري لإيلاف quot;حتى السيارات لا تستطيع السير في مناطق كهذه، لقد عشنا هذا الأسبوع على أعصابنا، وكنت أخشى أن يمرض احد أفراد أسرتي، حينها لن أستطيع التصرف وأخذه لأقرب عيادة صحيةquot;.
عدد قليل من الفلسطينيون إشتروا قديماً قطع أراضي قريبه من تجمع مياه الأمطار، وأحياناً يشترون في مجرى وادي، بسبب رخص أسعار تلك الأراضي، لكنهم سيدفعون فيما يبدوا أضعافاً مضاعفة عما وفروه من أموال، ليحموا أنفسهم من أمطار قد تكون أكثر سخونة من سابقتها.
التعليقات