في حديث لرئيس الامارات مع صحيفة الاهرام المصرية ينشر الاربعاء
الشيخ خليفة: خوفنا على العراق قربنا منه
ايلاف من دبي: اكد الشيخ خليفة بن زايد ال نهيان رئيس دولة الامارات ان خوف بلاده على العراق قربه وان القضية الفلسطينية لا ينبغي ان تتحول الى شماعة تعلق عليها quot;اخطائنا وتقصيرنا في جوانب كثيرة من العمل العربي المشتركquot;..
واضاف الشيخ خليفة في حديث لصحيفة الاهرام القاهرية الصادرة الاربعاء نشرته وكالة الانباء الاماراتية ان الابتعاد عن العراق ادى الى انفراد بعض القوى الاقليمية بقدرة التأثير في الساحة العراقية بهدف عزل العراق عن محيطه العربي quot; ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية القومية، بادرت الإمارات إلى شطب كامل ديونها على العراق، بهدف مساعدة الحكومة العراقية على تنفيذ خطط إعادة الأعمار والبناء، وتحسين الوضع الأمني لهاquot;..
واكد الشيخ خليفة على خيار التسوية السلمية لحل نزاع الجزر الاماراتية الثلاث مع ايران quot; عن طريق تحكيم مبادئ الشرعية الدولية، ومبادئ وأحكام القانون الدولي، وقبول التحكيم، أو الدخول في مفاوضات ثنائية جادة، وهي أسس لم تتبدل، أو تتغير بالرغم من كل الإجراءات والعقبات التي اعترضت مسعانا السلميquot;.
واشار رئيس دولة الامارات والرئيس الثاني للدولة منذ اعلان الاتحاد ان هناك تنافساً بين الامارات المكونة للدولة وهو تنافس شريف quot;لخدمة أبناء الإمارات، وتحسين الأداء وتطوير العمل، وهو تنافس يعبر عن الثقة بصلابة التجربة الاتحادية، وشكل من أشكال إدارة الموارد، وتوزيع الاختصاصات بين السلطات الاتحادية والمحليةquot;..
وفيما يلي نص اللقاء:
السؤال الأول: شكلت العلاقة المميزة التي ربطت المغفور له الشيخ زايد والرئيس مبارك قوة ورافداً لدعم العلاقات المصرية الإماراتية، بل والعربية بشكل عام، كيف ترصدون تأثير تلك العلاقة ورؤيتكم للعلاقات المصرية الإماراتية بعد توليكم المسؤولية خلفاً للوالد العظيم ؟
الشيخ خليفة: يسرنا أن نرحب بكم وبصحيفة الأهرام، التي هي واحدة من أقدم منابر الإعلام العربي، ونؤكد أن العلاقة بيننا والشقيقة مصر إستراتيجية في كافة أبعادها، وقد حرص المغفور له - بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على التأكيد المستمر على هذه الحقيقة، وترجمتها إلى مشاريع وبرامج عمل مشتركة، إدراكاً منه (رحمه الله) لما لمصر من مكانةٍ ودور، وما تمثله من ثقل في منظومة الأمن القومي العربي في أبعاده السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والثقافية.
ولعل في هذا تفسير للطبيعة الخاصة التي ميزت علاقته (رحمه الله) بشقيقه فخامة الرئيس محمد حسني مبارك، الذي نكن له كل التقدير والاحترام.. ليس فقط لما نلمسه من فخامته من حرص لتنمية ما بين البلدين والشعبين الشقيقين من علاقة، بل أيضاً لما له من دور كبير على صعيد العمل العربي المشترك، وتأمين أسباب المنعة للنظام العربي، بمواقفه المشهودة ومبادراته المحمودة، نصرةً للحقوق العربية، وتنقية للأجواء، وجمعاً للصف، وبحثاً عن السلام والوئام.
وخلاصة القول، أن الذي بيننا ومصر من تعاون وتنسيق في كافة المجالات، هو نصرة للأمة العربية، وتعزيز للعمل العربي المشترك.
السؤال الثاني: كيف ترصدون الواقع العربي، وتحديداً ما يتصل بالقضية الفلسطينية، خاصة وأن الإمارات عضو في اللجنة الرباعية العربية إلى جانب مصر والسعودية والأردن؟
الشيخ خليفة: قد يكون الواقع العربي على غير ما نتمنى، ويتمنى المواطن العربي، لكن هذا الواقع على علاته فيه العديد من عوامل القوة الكامنة، تجعلنا متفائلين بالمستقبل إذا أحسنا استثمار ما نملكه من أسباب القوة والتطور.ولا شك أن من بين أبرز الأسباب التي حالت وتحول دون الاستفادة الكاملة من عوامل هذه القوة، حالة عدم الاستقرار، التي يمر بها العالم العربي منذ عدة عقود، والتي كانت في بعض جوانبها من إفرازات ونتائج الفشل في إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على أرضه.
ومع أننا نرفض أن تتحول هذه القضية إلى شماعة نعلق عليها أخطاءنا وتقصيرنا في جوانب كثيرة من العمل العربي المشترك، إلا أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، والرفض المستمر لمساعي السلام، وعدم جدية إسرائيل في مفاوضات الحل النهائي الجارية مع الفلسطينيين، يترك شعوراً بالقلق، وعدم اليقين، تنعكس آثاره على مجمل الأوضاع في المنطقة.
ومن منطلق إيماننا بأهمية إيجاد حل عادل ودائم، شاركنا في اللجنة الرباعية العربية إلى جانب مصر والسعودية والأردن، بهدف دفع الجهود السلمية، وحث الأطراف الدولية المؤثرة، للضغط على إسرائيل للقبول بقرارات الشرعية الدولية، وتنفيذ التزاماتها بموجب الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين، وصولاً إلى إنهاء احتلالها للأراضي التي احتلتها عام 1967، بما فيها القدس الشريف، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة فوق أرضه، وإعادة الأراضي السورية المحتلة في الجولان، وما تبقى من الأراضي اللبنانية، وذلك في إطار التزام عربي بما ورد في مبادرة السلام العربية، التي تدعو إلى صيغة سلام عادل، تضمن الأمن لإسرائيل.
السؤال الثالث: خلقت الحرب في العراق وتطوراتها واقعاً جديداً في المنطقة، كيف يتم تقييم هذا الواقع من زاوية العلاقات العربية العراقية، ومن زاوية العلاقات العربية الإيرانية
الشيخ خليفة: إن الأوضاع في العراق الشقيق هي من عوامل القلق التي عانت المنطقة منها ولا تزال. فهذه الأوضاع بالرغم من التحسن النسبي في المناخ الأمني، وانخفاض وتيرة العنف، تشكل هاجساً مقلقاً، يستدعي بذل مزيد من الجهد حتى يستعيد العراق عافيته، ودوره الإقليمي، ومكانته كعامل فاعل من عوامل الاستقرار في المنطقة.
ومن هذا المنطلق، فإن هناك حاجة ماسة لدفع الموقف العربي نحو مزيد من الإيجابية في التعامل مع الأوضاع الخطيرة التي يمر بها العراق الشقيق، بمساندة شعبه، وحكومته، للخروج من دائرة العنف، وتشجيع كافة مكونات الشعب العراقي وأطيافه على الانخراط في العملية السياسية، التي تستهدف الحفاظ على هويته العربية، ووحدته، وسيادته، واستقلال أراضيه.
ولاشك أن الابتعاد العربي عن العراق، أدى إلى انفراد بعض القوى الإقليمية بقدرة التأثير في الساحة العراقية، بهدف عزل العراق عن محيطه العربي.
ومن خلال هذا الفهم لمخاطر أبعاد العراق عن دائرته العربية، ومن منطلق الإحساس بالمسؤولية القومية، بادرت الإمارات إلى شطب كامل ديونها على العراق، بهدف مساعدة الحكومة العراقية على تنفيذ خطط إعادة الأعمار والبناء، وتحسين الوضع الأمني لها.
كما أننا نعمل الآن على استكمال فتح سفارتنا في بغداد، كجزء من التزامنا بالدعم السياسي والمعنوي للجهود المبذولة على الصعيد الأمني، وتشجيع فئات الشعب العراقي على نبذ كل أشكال العنف الطائفي والمذهبي.
ونحن على يقين من أن مبادراتنا ومبادرات مماثلة من دول عربية شقيقة أخرى، سيكون لها تأثير واضح في مسار الأحداث في العراق، وستكون عاملاً من العوامل المساعدة للحكومة العراقية في استعادة الأمن والاستقرار.
أما فيما يتعلق بالشق الثاني من سؤالك، حول تأثير ما يجري في العراق على العلاقات العربية الإيرانية، فإننا نأمل ألا يكون العراق ساحة لاختبار تلك العلاقات، وأن يلتزم الجميع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولدينا إيمان كامل بأن عراقاً آمناً ومستقراً هو في مصلحة الجميع، وفي مصلحة الأمن الإقليمي، وأن أيّ محاولة لاستثمار الاضطراب الأمني والخلاف السياسي في العراق، ستطال شروره الجميع.
السؤال الرابع: ما زالت الإمارات تحتكم الى العقل وحسن الجوار في مطالبها باستعادة جزرها الثلاث المحتلة، أبوموسى وطنب الكبرى والصغرى. كيف ترون مستقبل هذه القضية خاصة في ضوء الإجراءات الإيرانية الأخيرة، وهل هناك خطوات يمكن اتخاذها أمام عدم تجاوب إيران مع اليد السلمية التي تمدها الإمارات، والمبادرات الخليجية والعربية المتتالية في هذا الشأن ؟
الشيخ خليفة: نحن لا نتعاطى مع حقوقنا الثابتة بالجزر على شكل ردات فعل، بل لدينا منهج واضح، يقوم على مجموعة من الأسس الثابتة، أبرزها التمسك بخيار التسوية السلمية لهذا النزاع، عن طريق تحكيم مبادئ الشرعية الدولية، ومبادئ وأحكام القانون الدولي، وقبول التحكيم، أو الدخول في مفاوضات ثنائية جادة، وهي أسس لم تتبدل، أو تتغير بالرغم من كل الإجراءات والعقبات التي اعترضت مسعانا السلمي.
إننا بالرغم من تمسكنا بحقنا الثابت في الجزر، ننظر لإيران كجارة، لدينا معها تاريخ طويل من العلاقات والمصالح المتبادلة في مجالات عديدة، ونحن نعمل على توظيف هذه العلاقات في دفع المساعي السلمية لحل النزاع على الجزر، مدركين أن حل هذا النزاع بشكل عادل، من شأنه توسيع آفاق التعاون بين البلدين، وتحسين مناخ الأمن والاستقرار في المنطقة. أما الرهان على فرض واقع معين على الأرض، فهو رهان خاسر، ولن يؤدي إلى أي نتيجة، ذلك أنه لن يثنينا طول الزمن أو قصره، عن الاستمرار في المطالبة بحقوقنا المشروعة والعادلة في الجزر. إننا نأمل أن يشكل التفهم العربي والدولي للطروحات السلمية الإماراتية، عاملا مساعداً لإقناع إيران في الجلوس إلى مائدة حوار، تفضي إلى تسوية سلمية عادلة لهذه القضية.
السؤال الخامس: في الوقت الذي ترون فيه أن الأمن والاستقرار يتحقق من خلال علاقات جيدة متوازنة، واحترام متبادل للسيادة والمصالح، يرى البعض أن الأمن يتحقق بتعزيز القدرات العسكرية، والتسابق نحو امتلاك الأسلحة المتطورة. هل ما زلتم عند رؤيتكم ؟ وكيف ترون الإستراتيجية الدفاعية لدول مجلس التعاون؟
الشيخ خليفة: نحن في دولة الأمارات وقفنا دائما ضد محاولات إقحام المنطقة في سباق التسلح. لكن هذا لا يعني الانتقاص من حقنا في امتلاك أسلحة متطورة، تخدم الإستراتيجية الدفاعية التي نعتمدها، والقائمة على أساس توفير مقومات الدفاع عن مصالحنا الحيوية، والإسهام بدورنا كجزء من مكونات الأمن والاستقرار في المنطقة. إن امتلاك أسلحة متطورة يجب ألا يكون سببا في تغذية النزعة العدوانية، بل وسيلة لتحسين قدرة القوات المسلحة، وتمكينها من مواكبة التقنيات العسكرية الحديثة، بما يتناسب مع احتياجاتنا الدفاعية على المستويين الوطني والإقليمي. أما إذا كنت تقصد بسؤالك السباق لامتلاك أسلحة الدمار الشامل، فقد دعونا دائما إلى جعل منطقة الشرق الأوسط بما فيها منطقة الخليج العربي، منطقة خالية من هذه النوعية من الأسلحة، لأننا نؤمن أن أفضل ضمان للأمن والاستقرار، يكمن في إيجاد حلول عادلة للأزمات الراهنة في المنطقة، وفق قرارات ومبادئ الشرعية الدولية، وعلى قاعدة احترام المصالح وحسن الجوار. أما التسابق لامتلاك أسلحة التدمير الشامل في ظل استمرار الأزمات الحالية، فإنه يزيد من أجواء التوتر، ويقوي النزعات العدوانية. نحن في دولة الإمارات ودول الخليج، لدينا سياسة دفاعية قائمة على أساس احترام خيارات الآخرين، وردع أي محاولة لفرض هذه الخيارات علينا. وقد اكتسبت هذه السياسة مصداقية واحتراما، خاصة بعد أن أثبتت دول المنطقة أنها لم تستخدم لغة التهديد، أو التلويح بالقوة، كـأداة من أدوات سياستها الخارجية.
السؤال السادس: خطت دولة الإمارات خطوات مهمة نحو معالجة قضية التركيبة السكانية، كيف ترون الحلول العاجلة والآجلة لهذه القضية ؟
الشيخ خليفة: هناك عدة مستويات لمعالجة الخلل في التركيبة السكانية. أولها ضبط سوق العمل، بشكل يمنع تحول العمالة المؤقتة التي جاءت بهدف العمل في مشاريع وأغراض محددة، ضمن علاقات تعاقدية واضحة، إلى عبء ديمغرافي دائم. وهذا يقتضي تطوير التشريعات المتعلقة بأسس التعامل مع هذه العمالة، بما يتناسب مع طبيعتها المؤقتة.
أما المستوى الثاني، فهو ذو أبعادٍ ثلاثة، البعد الأول: العمل على تنمية القدرات البشرية المحلية، وتطوير أدائها عبر التدريب والتأهيل تطويرا نوعيا، يسمح بامتلاك وتشغيل وسائل التقنية الحديثة، التي تقلل من الاعتماد على العمالة الأجنبية، خاصة العمالة الهامشية غير الماهرة.
والبعد الثاني، العمل على إشاعة ثقافة الاعتماد على الذات، في كثير من الأعمال التي تركناها للعمالة الأجنبية، وهذا يتطلب مراجعة بعض العادات والمفاهيم، بهدف إعادة الاعتبار للعمل اليدوي والميداني، الذي كان من السمات الاجتماعية الواضحة في المنطقة. أما البعد الثالث فهو دفع الكلفة المالية للعمالة الوافدة، من خلال تطوير شروط الاستقدام والاستخدام للعمالة الأجنبية، إلى المدى الذي تصبح فيها تلك الكلفة مغرية للبدائل المحلية.
إننا ندرك أن قضية التركيبة السكانية من التعقيد بحيث تتطلب وقتا وجهدا متواصلا، وتفاعلا مجتمعياً مع أي خطط حكومية. إلا أننا ونحن نتفهم هواجس ومخاوف البعض من هذه الناحية، نرى أن التنوع في التركيبة السكانية للإمارات كان مصدر إثراء لتجربتنا التنموية، فقد أشاع روحاً من التسامح، وأجواء من الانفتاح على ثقافات وحضارات شتى. وأن ما ننعم به اليوم من أمن واستقرار، بالرغم من التنوع الكبير في التركيبة السكانية، دليل على أن لدينا القدرة على ضبط إيقاع العلاقات داخل المجتمع الإماراتي، من خلال احترام حقوق الإنسان، وضمان كرامته، وتوفير سبل العيش الكريم لكل من يقيم على أرضه.
السؤالالسابع: تفردتم بإنجاز صيغة اتحادية، شكلت التجربة الوحدوية العربية الوحيدة، التي استقرت وتطورت على مدى أكثر من ثلاثة عقود. ما سر النجاح في هذه التجربة؟ وما الرسالة التي يجب أن تُقرأ، لترسيخ الوحدة والتضامن العربي ؟ كيف أصبح شكل الاتحاد، وما مدى تطوره مع الجيل الثاني بعد رحيل المؤسسين العظام ؟ هل هناك تنافس بين الإمارات ؟ وما هي رؤية الشيخ خليفة والجيل الحالي للوحدة، وتدعيم الدولة ومستقبلها؟ وأين موقع الإمارات من الديمقراطية الحديثة؟ وما هو حظ المرأة والشباب في ذلك كله ؟
الشيخ خليفة: أولاً، نشكركم على تقييم تجربتنا الاتحادية بهذا الشكل، ونرجو من الله العلي القدير التوفيق في حمل الأمانة، لتعزيز هذه التجربة والوصول بها إلى آفاق أرحب. إن سر نجاح هذه التجربة يكمن في صدق وإخلاص البناة الأوائل، وعلى رأسهم المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي صاغ بحكمته وبعد نظره أولويات الدولة الاتحادية، فركز أولاً على التنمية البشرية، باعتبارها الثروة الحقيقية للوطن، وأنها هدف أي تنمية، وصولا إلى تحويلها إلى سياج يحمي الاتحاد، ويدافع عن مكتسباته، التي أصبحت جزءاً من مقومات وجود ابن الإمارات وحياته. والأمر الثاني أن الشيخ زايد رحمه الله اعتمد مبدأ التدرج والتأني في بناء الاتحاد، إدراكا منه بأن عقودا طويلة وموروثات معقدة من العادات والمفاهيم، لا يمكن تجاوزها بسهولة. يضاف إلى ذلك أنه كان يدرك بحسه الفطري طبيعة الجو الإقليمي، الذي أحاط بالتجربة، مما دفعه للتأني في كل خطوة، على طريق بناء مؤسسات الدولة الاتحادية. أما دورنا نحن الجيل الثاني الذين نتحمل الأمانة فيه، فهو دور المحافظة على مكتسبات التجربة، وتعظيم انجازاتها، مدركين أن هذه التجربة عبرت إلى شاطئ الأمان، واستقرت في وجدان أبناء الإمارات، وضمائرهم، كخيار نهائي لا رجعة عنه.
أما سؤالك عما إذا كان هناك تنافس بين الإمارات، فالإجابة المباشرة عليه نعم. لكنه تنافس شريف لخدمة أبناء الإمارات، وتحسين الأداء وتطوير العمل، وهو تنافس يعبر عن الثقة بصلابة التجربة الاتحادية، وشكل من أشكال إدارة الموارد، وتوزيع الاختصاصات بين السلطات الاتحادية والمحلية، بهدف الوصول إلى أقصى فائدة، وتحقيقا لمبدأ التنمية المتوازنة، التي تطال المواطنين في كل مكان على أرض الإمارات. وإذا كنت تقصد من سؤالك التنافس بالمعنى السياسي، فنحب أن نؤكد أن هذا الأمر غير وارد، ونحن ننعم باستقرار في هذا الجانب، ولدينا آليات للتشاور والتواصل على المستويين الاتحادي والمحلي، بالشكل الذي يحفظ للاتحاد مكانته وموقعه.
أما فيما يتعلق بالديمقراطية، فإن إيماننا بالمشاركة والشورى، إيمان ثابت، واكب تجربتنا الاتحادية منذ قيامها، لكننا في الوقت نفسه نرى أن لكل تجربة ديمقراطية خصوصيتها، التي تنسجم مع ظروفها وأولوياتها.
وبالنسبة لنا فإن تجربة المشاركة تجربة متطورة باستمرار، ومن مظاهر هذا التطور تجربة الانتخابات لاختيار نصف عدد أعضاء المجلس الوطني الاتحادي، ودخول المرأة إلى هذا المجلس بقوة، حيث أصبح لها تسعة أعضاء من إجمالي الأعضاء الأربعين الذين يضمهم المجلس. فمشاركة المرأة في الحياة البرلمانية جزء من مشاركتها في جميع مواقع العمل، الذي أتاح لها احتلال عدد من الحقائب الوزارية، التي تشكل نسبياً عدداً يفوق ما يماثله في ديمقراطيات عريقة.
السؤال الثامن: تسعى الإمارات إلى تنويع مصادر الدخل، وبناء قاعدة صناعية، خاصة في مجال الصناعات الغذائية والصناعات المتعلقة بإنتاج الطاقة النظيفة. ما الذي تحقق في هذا المجال ؟
الشيخ خليفة: تنويع مصادر الدخل هدف إستراتيجي لسياستنا الاقتصادية، ويشمل هذا التنويع طيفا واسعا من المجالات كالصناعة،والتجارة، والخدمات، والطاقة، والبتروكيماويات، وغيرها، حيث تشير الأرقام الأخيرة حول الناتج المحلي الإجمالي إلى تنامي مساهمة القطاعات غير النفطية.
كما أن تنويع مصادر الدخل لا يتم فقط من خلال المبادرات الحكومية، بل من خلال تمكين القطاع الخاص من ممارسة دوره كاملا كشريك في عملية التنمية.
وما أشرتم إليه بخصوص الطاقة، فإن ذلك ينسجم مع اهتمامنا بقضايا البيئة، حيث أطلقنا وبالتعاون مع الصندوق الدولي لحماية الطبيعة، خطة عمل التنمية المستدامة، بهدف تطوير مدينة quot;مصدرquot;، التي ستكون أول مدينة عالمية خالية من الكربون، وستعتمد على تقنية الطاقة المتجددة والنظيفة، مثل الطاقة الشمسية المركزة، والتي يمكن استخدامها في توليد الكهرباء وتحلية المياه.
السؤال التاسع: في ظل أزمة الغذاء العالمية، وتفاقم أسعار المواد والسلع، ألا ترون أنه حان الوقت لبناء مشروعات تكامل غذائي عربي، تستفيد من تنوع المزايا النسبية، التي تتمتع بها كل دولة عربية ؟
الشيخ خليفة: هذا التوجه موجود لدينا، ولدى العديد من الدول العربية، مستفيدين من عوامل مختلفة، أبرزها تحسن مناخ الاستثمار في البلاد العربية، وازدياد مساهمة القطاع الخاص ومبادراته. لكننا لا نريد أن يكون الاستثمار في مجال الأمن الغذائي العربي قائما على اعتبارات سياسية، وإنما على اعتبارات اقتصادية، لأن ذلك يشكل ضمانة لنجاح هذا النوع من الاستثمار من جهة، وحافزاً لزيادة المبادرات في هذا الاتجاه من جهة ثانية.
السؤال العاشر: تلعب دولة الإمارات دوراً فاعلاً في مساعدة الشعوب الإسلامية وغير الإسلامية، لمواجهة الكوارث والمحن التي تتعرض لها. إلى أين وصل حجم مشروعات العون والإغاثة الإماراتية في العالم ؟
الشيخ خليفة: ما نقدمه من مساعدات وعون خاصة في حالات الكوارث والمحن، هو جزء من ثقافتنا وواجبنا الديني والإنساني، وتعبير عن إحساسنا بالمسوؤلية والالتزام تجاه عالم نحن جزء منه، نؤثر به ونتأثر بما يجري فيه. وإذ أفضل عدم ذكر أي أرقام في هذا المجال، حفاظا على الطبيعة الإنسانية لهذه المساعدات.. فإن المساعدات التي تقدم من الإمارات لا تقتصر على المساعدة الرسمية، بل من خلال الهيئات الأهلية، ومبادرات الخيرين من أبناء الإمارات، والجاليات المقيمة على أرضها. على أن مساعدات الإغاثة العاجلة في كل الأحوال لا تشكل إلا نسبة بسيطة من مجمل المساعدات الإنسانية الخارجية، ويتم ذلك بصور متعددة، ومن خلال مؤسسات تعنى بالمساعدات الخارجية، مثل صندوق أبوظبي للتنمية، ومؤسسة خليفة للأعمال الخيرية، ومؤسسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، وهيئة الهلال الأحمر، ومؤسسة محمد بن راشد الخيرية، وغيرها. وعلى مدى خبرة السنوات، أصبحت دبلوماسية المساعدات مكونا رئيسا في منظومة السياسة الخارجية الإماراتية.
السؤالالحادي عشر: مع احتمال تعرض عوائد النفط لاهتزازات بسبب انخفاض الأسعار، وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، ما هي رؤيتكم لمواجهة هذه التحديات، وتأمين مستقبل الاقتصاد، والحفاظ على ما تحقق من إنجازات؟
الشيخ خليفة: الاهتزازات والتذبذبات في سوق النفط ليست جديدة، وقد تعاملنا في أوقات سابقة، مع اهتزازات تدنت فيها الأسعار إلى أقل مما هي عليه الآن. نحن نتابع ما يحدث في سوق البترول، ونعمل مع شركائنا في منظمة الأوبك، لمواجهة أي سلبيات، من شأنها التأثير على استقرار الأسواق العالمية.
وبموازاة ذلك نعمل على استثمار عوائد النفط، لتنمية مواردنا البشرية، باعتبارها أغلى وأثمن مواردنا، كما نعمل على تنويع مصادر دخلنا من خلال بعض الاستثمارات الداخلية والخارجية، ضمن سياسة استثمارية رشيدة، لضمان بقاء هذه الاستثمارات عنصر دخل مستدام للأجيال المقبلة.
السؤال الثاني عشر: لاشك أن اهتمامكم الخاص وتوجيهاتكم للإماراتيين، بالاتجاه نحو مصر، سواء في مجال الاستثمار، آو في المجالات الأخرى، أدى إلى زيادة حجم المشروعات الإماراتية في مصر، فهل هناك آفاق جديدة للتعاون المشترك، وما هي رؤيتكم للتكامل بين البلدين، خاصة وأنهما يمتلكان عناصر أساسية لهذا التكامل ؟
الشيخ خليفة: الإماراتيون سباقون في التوجه إلى مصر، سواء بقصد الزيارة والسياحة والتعليم، أو بقصد الاستثمار. وفي كل الأحوال فإن المزايا النسبية التي يتمتع بها الاقتصاد المصري، والتنوع في المجالات التي تتوفر أمام المستثمر، تشكل حوافز مشجعة للمستثمر الإماراتي. على إننا نرى أن الاستثمارات المشتركة بين البلدين لا زالت أقل من الطموح، ولا زال العمود الفقري فيها يعتمد على المبادرات الرسمية. ما نريده في المرحلة المقبلة زيادة انخراط رجال الأعمال في البلدين في مشروعات مشتركة، وهذا يتطلب بذل مزيد من الجهد في الترويج للفرص الاستثمارية، وزيادة تدفق المعلومات عن المناخ الاستثماري، وتطوير التشريعات المنظمة للاستثمار، بالشكل الذي يتناسب مع الإيقاع السريع في الأسواق المالية.
التعليقات