واشنطن: على الرغم من تراجع أهمية القضية الفلسطينية على أجندة إدارة الرئيس بوش خلال الثماني سنوات الماضية، على إختلاف الإدارات الأميركية السابقة، إلا أن إدارة بوش كانت من أكبر الداعمين (المانحين) الدوليين للسلطة الفلسطينية بقيادة quot;محمود عباسquot; وquot;سلام فياضquot;، سواء بصورة مباشرة أو من خلال منظمات دولية وغير حكومية، لاسيما بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، التي تصنفها وزارة الخارجية الأمريكية على أنها جماعة إرهابية، في الانتخابات التشريعية في عام 2006، ومشاركتها في السلطة الفلسطينية.

وقد كانت المساعدات الأميركية لفلسطين محور تقرير لأبحاث الكونغرس الأميركي، التي تهدف إلى تقديم رؤية لصناع القرار والمشرعين والمواطنين حول كثيرٍ من القضايا الداخلية والخارجية، تحت عنوان quot;المساعدات الأميركية الخارجية للفلسطينيين، أعده جيم زانوتي Jim Zanotti، المتخصص في شئون الشرق الأوسط، نُشر في الثامن من أكتوبر الماضي (2008).

تطور المساعدات الأميركية لفلسطين

تقلبت المساعدات الخارجية الأمريكية لفلسطين خلال الثلاث سنوات الماضية؛ نتيجة إشراك حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في السلطة الفلسطينية بعد نجاحها في الانتخابات التشريعية في عام 2006. والحركة مصنفة على أنها جماعة إرهابية ضمن التنصيف الأميركي للجماعات الإرهابية الخارجية التابع لوزارة الخارجية الأميركية.

فبعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 أعادت واشنطن هيكلة معوناتها إلى السلطة الفلسطينية وتم تقليصها. فقد كانت الولايات المتحدة تترد في إعطاء مساعدات إلى السلطة الفلسطينية، ولكن هذا لم يمنعها من إعطاء معوناتها إلى الفلسطينيين من خلال المنظمات الدولية وغير الحكومية.

وفي دارسته المصغرة يشير quot;زانوتيquot; إلى أن تقلص المعونات الأميركية لفلسطين بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وإشراكها في السلطة؛ يرجع لتوجهات الحركة المتبنية للقوة المسلحة كآلية لحل الصراع والإعلان أن هدفها تدمير إسرائيل ورفض التحاور معها والاعتراف بالاتفاقيات السابقة. وتقلص المعونات لم تستمر للتطورات الفلسطينية التي تلت السيطرة quot;القسريةquot; للحركة على قطاع غزة في يوليو من العام الماضي (2007)، والذي قاد إلى تشكيل حكومة فلسطينية بديلة في الضفة الغربية تغيب عنها عناصر حماس بقيادة سلام فياض. وهو الأمر الذي دفع الولايات المتحدة إلى فك الحصار السياسي والاقتصادي على السلطة الفلسطينية بقيادة quot;عباسquot; وquot;فياضquot;. ومنذ تلك اللحظة بدأت الإدارة الأمريكية والكونجرس في تعزيز التعاون مع السلطة الفلسطينية لمساعدة السلطة في القيام بمهامها الأمنية والاقتصادية في مناطق نفوذها.

وبعد إحياء المفاوضات الفلسطينية ndash; الإسرائيلية حول اتفاق نهائي للصراع، والذي كان - حسب الدراسة - أحد نتائج مؤتمر أنابولس العام الماضي (نوفمبر 2007)، قدمت الولايات المتحدة مساعدات أخرى للمساعدة في إنشاء المؤسسات والأبنية التي ستستند عليها الدولة الفلسطينية ذات حكم مستقل. ولكن هذا لم يمنع من بعض القيود والمشروطية على المساعدات الأميركية للفلسطينيين وذلك لمنع استخدامها في تدعيم المنظمات الفلسطينية التي تعتبرها واشنطن منظمات إرهابية.

شكل المساعدات الأميركية

تشير الدراسة إلى أن المساعدات الأميركية للجانب الفلسطيني أخذت أشكالاً متنوعة ما بين مباشرة من الحكومة الأميركية إلى السلطة الفلسطينية، أو غير مباشرة من حلال منظمات دولية وغير حكومية. وقد جاءت المساعدات الأميركية لفلسطين على النحو التالي:-

مشروع مساعدات خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، معظم المساعدات الأميركية للفلسطينيين كانت تقدم من خلال منظمات غير حكومية تشارك في مشروع الوكالة الأميركية للتنمية الدولية بقطاع غزة والضفة الغربية. وكانت تلك المساعدات تخصص للتنمية الاقتصادية والإصلاح الديمقراطي والحصول على مياه نظيفة والبني التحتية والرعاية الصحية والتعليم والتدريب المهني. وكان هذا المشروع حريصًا ومتشددًا؛ لمنع وصول تلك المعونات إلى منظمات تعتبرها الولايات المتحدة منظمات إرهابية.

المساعدات المباشرة إلى السلطة الفلسطينية. فحسب قانون الاعتمادات السنوية للعمليات الخارجية فإن المخصصات المالية التي يوافق عليها الكونغرس لقطاع غزة والضفة الغربية لا تُعطى مباشرة إلى السلطة الفلسطينية إلا بعد خطاب من الرئيس الأمريكي للكونجرس يُفيد أن إعطاءها للسلطة الفلسطينية في مصلحة الأمن القومي الأمريكي. هذا وقد قُدمت مساعدات مباشرة إلى السلطة الفلسطينية لعدد من الإجراءات الرئاسية الخاصة منها:

تخصيص الرئيس بوش 86.362 مليون دولار من مخصصات السنة السابقة للرقابة الدولية على المخدرات وإنفاذ القانون لتدعيم قوى الأمن الفلسطينية المدنية الموالية للرئيس عباس. وفي هذا السياق أكدت رئيسة لجنة الاعتمادات بمجلس النواب quot;نيتا لووي quot; بعدم استخدامها في مساعدات لأغراض قتالية أي لأغراض مدنية، والتي بدأت الالتزام بها في يونيو 2007 بعد تفكك الحكومة الوطنية التي كانت تقودها حماس، وتشكيل حكومة جديدة بقيادة سلام فياض.

وفي يونيو 2007 طالب الرئيس بوش تخصيص مساعدات إضافية مباشرة إلى السلطة الفلسطينية تقدر بـ 18 مليون دولار لأغراض متعددة كمساعدات للديمقراطية والأمن. وفي فبراير الماضي (2008) طالب الرئيس بوش بمساعدات للميزانية الفلسطينية تقدر بـ 150 مليون دولار لمواجهة أزمة مالية طارئة. وقد طالبت رئيسة اللجنة ببيانات أكثر عن تخصيص تلك المعونات، ولم تتلق السلطة الفلسطينية تلك المعونات إلا بعد إرسال وزارة الخارجية الأميركية خطاب مؤرخ بـ 14 مارس 2008 إلى رئيسة اللجنة quot;لوويquot; يفيد أن السلطة الفلسطينية أنشأت حساب خزانة وكشف لمرتبات الخدمات المدنية.

تقوية جيش لبنان

في سياق آخر تعكس المساعدات العسكرية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة الأميركية أواخر العام الماضي للدول الخليجية ومصر وإسرائيل، والإعلان الأخير عن المساعدات العسكرية للبنان، مدى الرغبة الأميركية في تدعيم القوى الحليفة لها في مواجهة القوى الإقليمية الصاعدة الممانعة للولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

ومنذ اغتيال رئيس الوزراء اللبناني quot;رفيق الحريريquot;، ولبنان تشهد عديدًا من الصراعات السياسية والمذهبية والطائفية، بحيث أصبحت ساحة لتصفية الخلافات بين القوى الإقليمية، في وقت تتسم فيه القوات اللبنانية بالعجز والذي أضحى جليًّا بعد الحرب الإسرائيلية ndash; اللبنانية.

فقد أظهرت تلك الحرب عجز القوات المسلحة اللبنانية، وعدم قدرتها على تأمين الحدود، ومنع عمليات حزب الله ضد إسرائيل. فالقوات المسلحة اللبنانية تعاني نقصًا في عدد قواتها، وقلة المعدات، إلى جانب افتقارها لقوات جوية حقيقية، ومعدات حديثة للدفاع الجوي، إضافة إلى عدم القدرة على مواجهة القوات المسلحة للدول المجاورة مثل سوريا وإسرائيل. وهو الأمر الذي دفع واشنطن إلى تعزيز تعاونها مع الجانب اللبناني.

وتتزايد أهمية تلك المساعدات العسكرية الأميركية للجيش اللبناني في وقت زادت فيه قوى حزب الله اللبناني، بعد الحرب مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي quot; إيهود باراكquot; إلى القول ndash; بقطع النظر عن مدى صحة هذا القول أو خطئه ndash; : إن حزب الله زاد تسليحه ثلاث مرات منذ حرب صيف 2006 وإنه يملك 42 ألف صاروخ منها صواريخ يمكن أن تصل إلى عسقلان وبئر سبع وديمونة، حيث المفاعل النووي الإسرائيلي.

المساعدات العسكرية الأميركية للبنان

في العام الماضي (2007)، بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية اللبنانية، طلبت إدارة بوش 770 مليون دولار من ميزانية السنة المالية 2007، معونات خارجية للبنان. وقد تعهدت الحكومة الأميركية بتقوية القوات المسلحة اللبنانية لكي تصبح ثقلاً موازيًا لحزب الله، الوكيل الرئيس لسوريا وإيران في لبنان. وفي شهر أكتوبر الماضي (2008) أُطلق عمل اللجنة العسكرية اللبنانية الأميركية المشتركة في بيروت، التي تنظّم العلاقة العسكرية الثنائية بين الولايات المتحدة ولبنان ضمن إطار رسمي.

ومن أجل بناء جيش لبناني قوي بعد إضعافه في ظل الوجود السوري بلبنان أشار ديفيد سشينكر مدير برنامج سياسات العرب بمعهد واشنطن في مقالة بعنوان quot;مستقبل المعونة العسكرية الأميركية للبنانquot;، إلى أن واشنطن قدمت رغبة منها في تحقيق هذه الغاية حوالي 400 مليون دولار كمساعدة للقوات المسلحة اللبنانية خلال عامي 2006- 2008، والتي تشمل أكثر من أربعين طائرة نقل عسكري جيم -130 مع توفير المواد العسكرية.

ومن الجدير بالذكر أن تلك الطائرات قد وصلت بعد أقل من أسبوع من اندلاع القتال بين القوات المسلحة اللبنانية وquot;فتح الإسلامquot; في مخيم اللاجئين بنهر البارد في مايو من العام الماضي (2007). ووفقًا لوزارة الخارجية الأميركية تضمنت المساعدات العسكرية الأمريكية للبنان 10 ملايين من طلقات الذخيرة، وهي ذاتها أسلحة المواجهة التي تستخدمها القوات الأمريكية حاليًا، والتي تشمل البنادق الهجومية، وقاذفات القنابل الأوتوماتيكية، وأنظمة أسلحة قنص متقدمة، وأسلحة مضادة للدبابات. وإلى جانب ذلك قدمت واشنطن عشرات من مدرعات الهمفي، وقطع غيار طائرات الهليكوبتر، ومركبات قوات الأمن الداخلي. وإلى هذا طلبت إدارة الرئيس بوش 60 مليون دولار مساعدة عسكرية للبنان خلال العام المالي 2009.

هذا، ولا يخفي كثيرٌ من المسئولين الأميركيين مخاوفهم من إمكانية وصول بعض من تلك المعدات إلى حزب الله اللبناني، لاسيما في وقت يُهتم فيه الحزب بالحصول على نظارات الرؤية الليلية وهو الأمر الذي يقلق واشنطن.

وفي السادس من أكتوبر الماضي 2008، قام وزير الدفاع الوطني إلياس المر ومساعدة وزير الدفاع الأميركي لشئون الأمن الدولي السيدة ماري بيث لونغ بإطلاق عمل اللجنة العسكرية الأميركية- اللبنانية المشتركة في بيروت، والتي تنظم العلاقة العسكرية الثنائية بين لبنان والولايات المتحدة الأميركية ضمن إطار مؤسساتي رسمي وستعمل هذه اللجنة على تأمين فرصة سنوية للولايات المتحدة ولبنان من أجل الالتزام بأهداف التعاون العسكري للأعوام المقبلة إضافة إلى مراجعة الالتزامات التي تم التعهد بها خلال العام المنصرم. كما وقعت لبنان والولايات المتحدة ثلاث اتفاقيات عسكرية بقيمة ثلاثة وستين مليون دولار أميركي كهباتٍ للجيش اللبناني وذلك من أجل تأمين نظام اتصالات آمن، وذخيرة، وأسلحة لوحدات المشاة.

ضرورات تطوير الجيش اللبناني

عززت الحرب التي خاضها حزب الله ضد القوات الإسرائيلية في صيف العام 2006 والتي استمرت قرابة 34 يومًا حاجة لبنان لجيش قوي، حتى تستطيع توفير بديل قومي آخر لحزب الله. فقد أضعف الجيش اللبناني عمدًا خلال الوجود السوري في لبنان، فهم لم يريدوا قوة بديلة قوية مما سمح لحزب الله لأن ينمو بهذه الصورة في الثمانينيات والتسعينيات مستخدمًا أسلحة من إيران وسوريا.

هذا فضلاً عن أن التركيبة الطائفية للقوات المسلحة اللبنانية التي أدت إلى التغاضي عن نشاط حزب الله في الجنوب نتيجة النسبة الكبيرة التي يمثلها الشيعة في الجيش اللبناني والتي دفعت القيادات إلى عدم المخاطرة باتخاذ أوامر ضد الحزب.

وعن التركيبة الطائفية للجيش اللبناني أشار جوزيف كيشيشان. في دراسة بعنوان quot;جيش قوي من أجل لبنان مستقر quot; نشرها معهد الشرق الأوسط في سبتمبر الماضي (2008) إلى أن العدد الإجمالي لجنود الشيعة أقل من 20% في 2008. فقد ضمت القوات المسلحة اللبنانية جنودًا من طائفة السنة، بصورة رئيسة من منطقة شمال عكار (55%-60%)، يليها الشيعة (18-20%)، ثم المسيحيين (15- 18%)، والدروز (3- 5%). وفي هذا الصدد أكدت الدراسة على أن التركيبة الطائفية في لبنان لم تخلق صدعًا في القوات المسلحة اللبنانية حتى إبان الحرب الأهلية عام 1975.

وقد أكدت الدراسة أن الجيش اللبناني يعاني قصورًا تكنيكيًا، فوفقًا لإحصاءات المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية كانت ميزانية الدفاع اللبناني عام 2007 تُقدر بـ631 مليون دولار، مرتفعة عن ميزانية العام السابق لها (2006) والتي كانت تُقدر بـ 588 مليون دولار. وتشير هذه المؤشرات إلى أن نفقات الدفاع تمثل أقل من 30% من الناتج المحلي الإجمالي.

هذا، وقد تحدث عديد من المسئولين في لبنان عن الحاجة الملحة للذخيرة، والدروع الواقية، والخوذات، ومعدات الرؤية الليلية والمعدات الرئيسة الأخرى اللازمة للقوات المسلحة اللبنانية بما فيها طائرات الهليكوبتر.