طلال سلامة من روما: يتساءل المراقبون السياسيون هنا حول خليفة quot;بتينو كراكسيquot;، زعيم quot;الحزب الاشتراكي الإيطاليquot; وربما فالتر فلتروني، زعيم المعارضة المتمثلة بالحزب الديموقراطي اليساري، سيكون خليفة كراكسي من حيث المصير السياسي القاتم، الذي ينتظره! تورط quot;بتينو كراكسيquot;، الصديق المخلص للعرب الذي عاش أيام حياته الأخيرة منبوذاً بتونس أين توفي ودُفن هناك، في فضائح رشاوى فلكية لطمت البعض الى الواجهتين الإعلامية والقضائية مخبأة، في الوقت ذاته، ثعابين سياسية ما تزال تمارس أعمالها دون أن يعكر صفو أعمالها أحداً. سرعان ما تفتت الحزب الاشتراكي الإيطالي، بعد أن ارتفعت الجلسات القضائية التي رأت كراكسي سوية مع محاميي الدفاع في الصف الأول، الى أن تلاشى نفوذه بالكامل.

صحيح أن ايطاليا شهدت ولادة يسارية لهذا الحزب، في الأعوام الأخيرة، لكن المحرك السياسي لهذا الحزب، أي كراكسي ورجاله، ولوا الى غير رجعة. هكذا، دُفنت بين أسرارهم مجموعة من أرباب العمل، التي اعتمدت في الماضي على حقائق ثابتة ووعود جدية لتوفير مئات فرص العمل في المدن الرئيسية. وهذا ما يعجز فلتروني ورجاله عن تحقيقه. فخطابتهم تبقى كلمات انفعالية سريعة التلاشي.

وتفتخر الطبقة اليسارية الحالية بتلطيخها سمعة بتينو كراكسي المحترم إنما يبدو أن أنسجتها رفيعة المستوى تريد غض النظر عن تورط العشرات من البرلمانيين ورؤساء البلديات وغيرهم، المنتمين الى صفوفها وصفوف الموالاة لبرلسكوني أيضاً، بتعايش خفي مع المافيا. ويبدو أن التشهير بسمعة الآخرين، أي زعماء ايطاليا الحقيقيين الذين صنعوا التاريخ الإيطالي المعاصر ودفعوا ثمناً غالياً لترويج النظام الديموقراطي السياسي الراهن، أضحت مهنة يلجأ إليها هذا السياسي أم ذاك كمأوى آمن لابعاد أنظار الرأي العام عنه. ان ما انشق من الشيوعية، من تيارات يسارية، لم تنجح منذ عام 1989، في طرح برنامج سياسي متكامل من شأنه قطع العلاقات بين التحركات السياسية والمحسوبية أي القدرة على التعيين في الوظائف الحكومية على أساس غير أساس الكفاءة وحدها. فإيطاليا تعاني من مرض تاريخي هو العلاقة العمودية بين الراعي وزبائنه. في هذه الحالة، فان الراعي هو السياسي القابض على شؤون تتعلق بالمصالح العامة. أما الزبائن فهم الناخبين. مما لا شك فيه أن المحسوبية موجودة في ائتلاف برلسكوني لكن من الغريب عدم اعتراف اليساريين بوجود المحسوبية ومحاباة الأقارب(في التوظيف) في مؤسساتهم ودوائرهم!

في أي حال، تدق الاستفتاءات، الخاصة بحصة اليساريين المتوقعة من برلمانيين في البرلمان الأوروبي، ناقوس الخطر. لغاية اليوم، ينجح فلتروني ورجاله في الاستئثار بأقل من 30 في المئة من الأصوات، في الانتخابات البرلمانية الأوروبية التي من المرجح أن تبدأ في شهر يونيو(حزيران) القادم. ولن تمر الهزيمة الثانية، ثقيلة المعيار، بسلام على فلتروني والحزب الديموقراطي اليساري. فمصير موته، كما حصل مع حزب بتينو كراكسي، قائم ولا يرتكز على رشاوى وفضائح مالية إنما على انعدام الثقة بمن كان من واجبهم إخلاء الطريق، طوعية، أمام طبقة حزبية طازجة قادرة على تطبيق وعودها وبرنامجها السياسي.