اثينا: كما يحدث في الفضائح الإغريقية بدأ الأمر بقصة تافهة ولكنها مثيرة.. مسؤول بوزارة الثقافة يلقي بنفسه من شرفة منزله بعد أن تعرض لإبتزاز من عشيقة غاضبة. أدهش الأمر الكثيرين من اليونانيين ولكن قلة راودهم الشك بأن ما سيتحول بعد قليل لفضيحة quot;الجنس والأكاذيب والأقراص الرقميةquot; سيجمد فعليا اصلاحات مقررة ويقرب الحكومة من انتخابات مبكرة تهز اركان المجتمع اليوناني. تقول الطالبة فيكتوريا ديليجايني (24 عاما) وهي تجلس في مقهي بوسط أثينا quot;هذه الفضيحة اوضحت لنا ما كان يحدث منذ سنوات لكن لم يقر به علنا. ليس ثمة أي تقدم في هذا البلد.quot; يقول محللون سياسيون ان الفضيحة سلطت الأضواء على جميع العلل في اليونان.. محاباة الأقارب والفساد المتفشي في السياسة والصحافة والتفرقة بين الجنسين وقلة الفرص المتاحة لشباب مؤهل ليس لديه علاقات.

وليس سرا أن اليونان كانت بحاجة لعملية تطهير في عام 2004 حين سئم الناخبون فضائح الاشتراكيين في التسعينات وانتخبوا حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ. وتعهد رئيس الوزراء كوستاس كرامنليس quot;بتدشين الدولة من جديدquot; وانهاء مشكلة الفساد المزمنة التي اثارت غضب المواطنين طويلا وابعدت الكثير من المستثمرين الأجانب. كما تعهد ببدء الاصلاحات التي تحتاجها اليونان للحاق بشركائها في الاتحاد الاوروبي في مجالات التعليم والرعاية الاجتماعية والصحة والخدمات.

ولكن ما حدث أن المواطنين فوجئوا بسلسلة من الفضائح ففي العام الماضي وحده بيعت سندات حكومية باعلى من قيمتها لصناديق معاشات تقاعد تابعة للدولة وفصل وزير للعمل لتوظيفه عمالا هنودا دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية في منزله الريفي. وتراجع تصنيف اليونان على قائمة منظمة الشفافية الدولية التي تراقب مدى تفشي الفساد لتحتل المركز السادس والخمسين في عام 2007 وراء دول مثل الأردن وبوتسوانا وكوستاريكا بعد أن كانت تحتل المركز التاسع والأربعين في عام 2004. وغطت فضيحة القرص الرقمي على الانجازات الاقتصادية للحكومة لتهبط شعبيتها لأقل مستوى منذ عام 2004 واظهر استطلاع أخير انها نزلت دون 30 في المئة.

وذكرت الصحف اليونانية ان الفضيحة تفجرت حين اقامت شابة علاقة مع رئيسها في العمل الذي وعدها بوظيفة دائمة في الوزارة وحين لم يف بوعده سجلت لقاءاتهما الخاصة في محاولة لابتزازه. ثم توجهت لوسائل الإعلام اليوناني بالقرص الرقمي ورفضته العديد منها غير أن وسائل الإعلام اتهمت صحفيا بنسخ القرص وارسال نسخة لمكتب رئيس الوزراء. وحين وصل القرص لمكتب كرامنليس استقال المسؤول خريستوس زاخوبولوس (54 عاما) الأمين العام لوزارة الثقافة وقفز من شرفة منزله. وهو يتعافى حاليا في المستشفى.

واتهم عضو محافظ بالبرلمان بالقيام بدور الوسيط بين الصحفي والسلطات المالية وبعد ضغط استقال من مجموعته البرلمانية لينخفض عدد المقاعد التي تحتلها الحكومة إلى 151 من أصل 300 مقعد في البرلمان مما أثار احتمال اجراء انتخابات مبكرة. وفتن المشاهدون اليونانيون بتطورات الفضيحة التي هيمنت على نشرات الأخبار في التلفزيون لاسابيع. وتنشر الصحف أسرارا جديدة كل يوم وتهيمن الفضيحة على المناقشات في وقت العشاء في الحانات في جميع أركان البلاد. وتمتليء المواقع اليونانية على شبكة الإنترنت بتعليقات بشأن مضمون القرص الرقمي تذكر ان الفضيحة الجنسية وحدها ليست سببا كافيا لمحاولة مسؤول يوناني الانتحار. ويقولون ان دافعه ربما ضبطه وهو ينتقد رئيس الوزراء.

واصرت الحكومة على أن القضية شخصية وان المخطيء ينبغي ملاحقته قانونيا. وقال مسؤول كبير في الحكومة لرويترز شريطة عدم ذكر اسمه quot;سنظل نركز على الاصلاحات التي وعدنا بها الشعب اليوناني. سيقضي القضاء في المسألة.quot; واتهمت أحزاب المعارضة كرامنليس بمحاولة اخفاء دور مكتبه والتهرب من المسؤولية السياسية ورفض القاء الضوء على القضية. وقال يانيس راجوسيس المتحدث باسم حزب باسوك المعارض quot;موقف الحكومة هو التضليل والتعتيم والتغطية والأكاذيب. يتجهون لتصوير الأمر على انه قضية شخصية وقد ثبت انها سياسية الى حد كبير.quot;

وزاخوبولوس مدرس سابق اختاره كرامنليس شخصيا. وكان مقربا من رئيس الوزراء وزوجته وتمتع بسلطات تفوق سلطات الوزير ويقوم بتخصيص مبالغ كبيرة من الأموال اليونانية وأموال الاتحاد الاوروبي. وصرح سفير اوروبي لدى أثينا لرويترز شريطة عدم ذكر اسمه quot;حين كنت احتاج شيئا من وزارة الثقافة كان من الواضح بالنسبة لي أن علي أن الجأ إلى زاخوبولوس وليس الوزير. كان واضحا انه هو الرجل المسؤول.quot; ويفحص مدعون السجلات المالية لزاخوبولوس وكذلك قرارات الوزارة السماح بالبناء فوق مواقع تاريخية أو بالقرب منها.

وحتى الآن فان الشخصية الوحيدة التي تحيط بها المشاكل بسبب الفضيحة هي ايفي تسيكو فقد وجهت إليها تهمة الابتزاز واودعت السجن في انتظار المحاكمة. ولم توجه لزاخوبولوس تهمة إقامة علاقة جنسية مع موظفة. وتقول سيسي فوفو من مركز أثينا النسائي quot;كانت هدفا لسوء استغلال السلطة والتحرش الجنسي من جانب رئيس في العمل حتى ولو برضاها حسب القانون اليوناني. من غير المقبول ان تودع السجن. السبب الوحيد لدخولها السجن هو اسكاتها.quot;