تل هاشومر (اسرائيل): يرقد الصبيان الصغيران على بعد عدة أمتار من بعضهما بعضا في المستشفى تملأ جسديهما الرضوض والضمادات فيما يسعيان للبقاء على قيد الحياة في الصراع الذي سقطا ضحيته.
وأصيب الصبيان وأحدهما فلسطيني والاخر اسرائيلي على جانبي الحدود في الصراع الذي يدور يوميا بين الدولة اليهودية ونشطاء حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الذين يسيطرون على قطاع غزة.
فقبل أسابيع كان الطفل يعقوب نطيل (ستة اعوام) يرقص في عرس أحد أقاربه في مدينة غزة عندما تسببت أنقاض من ضربة جوية اسرائيلية في سحق ساقيه وصدره.
وبترت ساق أوشير تويتو (ثمانية أعوام) الاسبوع الماضي عندما سقط صاروخ أطلقه نشطاء فلسطينيون على شارع قرب منزله في بلدة سديروت الاسرائيلية.
ويرقد الصبيان اللذان وضعا على أجهزة التنفس الصناعي في قسم الطواريء بمستشفى سافرا للاطفال قرب تل أبيب. وليس من المستغرب أن تعالج المستشفيات الاسرائيلية المجهزة بمعدات أفضل من المستشفيات الفلسطينية المرضى من الضفة الغربية المحتلة وحتى من قطاع غزة الذي أغلقت اسرائيل كل حدوده عندما سيطرت عليه حماس العام الماضي.
ويحترم كثيرون من الجانبين السلوك المهذب من الاطباء والمرضى العرب واليهود الذين يعملون ويتعافون معا في المستشفيات الاسرائيلية كنموذج للشكل الذي يمكن أن يكون عليه المجتمعان. لكن حتى الاطباء المعتادين على مثل هذا التعاون صدموا بسبب مدى قسوة قصتي الصبيين.
وقال مدير المستشفى جيدي باريت quot;الامر الغير مألوف هو أنهما من العمر ذاته تقريبا واصاباتهما متشابهة...انها القصة الحقيقية للحياة هنا.quot;
لكن رغم كل ذلك التماثل فالناس على الجانبين يجسدون مدى الاختلاف. فسكان غزة يقولون انهم تكبدوا ضحايا ومشاق أكثر بكثير من الاسرائيليين. في حين تقول أسرة تويتو واسرائيليون اخرون ان الصواريخ التي يطلقها النشطاء تسقط دون تمييز على شوارع المدنيين في حين تحاول القوات الاسرائيلية اصابة المقاتلين فحسب.
وأسفرت الضربات الجوية وعمليات التوغل البرية الاسرائيلية في قطاع غزة خلال الشهور الاخيرة عن مقتل واصابة عشرات الفلسطينيين كثير منهم من النشطاء لكن بينهم أيضا مدنيون.
وأسفرت الهجمات الصاروخية عن مقتل مدنيين اسرائيليين العام الماضي وأثارت حالة صدمة في بلدة سديروت والبلدات المجاورة. واحتلت اصابة الصبي أوشير عناوين الصحف وزادت الضغوط على الحكومة الاسرائيلية للرد.
وبينما تجلس أميرة جدة يعقوب بجانب حفيدها وهي تهمس في أذنه بكلمات رقيقة يصلي حاخام يرتدي قبعة سوداء أمام سرير أوشير عبر الجناح.
ومنع الكثير من مرضى سكان غزة وأسرهم من دخول اسرائيل لتلقي العلاج نتيجة الحصار الاسرائيلي على القطاع الذي جرى تشديده بعد سيطرة حماس في يونيو حزيران.
ولاتزال أم يعقوب تنتظر الحصول على موافقة لتزور ابنها. ولم يتضح من سيدفع تكاليف علاجه رغم أن المستشفى يأمل أن تتدخل المؤسسات الخيرية الطبية.
وحتى الان لم تبد أي علامة على أن التشابه بين الصبيين قد يؤدي الى حالة تصالح بين الاسرتين.
لكن جدة يعقوب بدت غاضبة عندما سمعت أن طفلا في الجهة المقابلة من الغرفة أصيب بسبب صاروخ فلسطيني.
وقالت وهي تهز رأسها وتتنهد بعمق quot;هؤلاء أطفال صغار. لا ينبغي أن يكونوا مستهدفين. لعنة الله على من أطلقوا هذه الصواريخ.quot;
لكن والدي أوشير اللذين أصابهما الحزن والقلق بعد أيام من الجلوس بجانب سرير ابنهما يرفضان الحديث مع الصحفيين أو السماح بالتقاط صور ابنهما مع الصبي الفلسطيني. وعبرا عن غضبهما ازاء محاولات ايجاد نقاط تشابه بين الحالتين.
وقالا في بيان مكتوب قدمه المستشفى quot;مثل هذه الصورة تحاول أن تظهر مساواة بين الحالتين وهذا أمر مناف للحقيقة... الفلسطينيون يريدون مهاجمة أطفالنا. تنتابهم السعادة عندما نصاب.quot;
وتقول أميرة نطيل (52 عاما) ان قصة الصبيين تبرز ضرورة أن يضع الجانبان سلاحيهما. لكنها تقول ان أسرتها غاضبة بالطبع بسبب المعاناة التي تسببها اسرائيل. بيد أنها في الوقت الراهن سعيدة بأن حفيدها يتلقى العلاج عبر الحدود.
وقالت quot;في البداية يضربوننا..لكنهم على الاقل يجمعوننا معا مرة أخرى.quot;