حرب على غزة وشلل في لبنان
المعارضة والموالاة في حالة الموت السريري

أمن مشدد في محيط السفارة السعودية في لبنان
بلال خبيز من بيروت: لم ينجم عن انسداد الأفق السياسي أمام الحلول في لبنان أي لون من ألوان المراجعة السياسية لدى أي طرف من الأطراف. الأطراف السياسية ما زالت على مواقفها المعلنة والمضمرة، والشلل على كافة الصعد أصبح سيد الموقف. وبهذا سلم اللبنانيون مقاليد الحراك السياسي والأمني في بلدهم لتطورات المنطقة. وللرياح الخارجية التي تعصف بلبنان قبل القمة العربية المزمع عقدها في دمشق وبعدها بطبيعة الحال. الحرب الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة خيمت بظلالها على القوى السياسية اللبنانية وضاعفت خشيتها من امتداد النار نحو لبنان مثلما حصل في صيف العام 2006. وعلى نحو ما جرى في ذلك العام طالب رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة الأمين العام للأمم المتحدة العمل على وقف المذبحة فوراً. لكن التحرك الدبلوماسي بدا قليل الفاعلية على المستوى الداخلي من التحرك الذي اعتمدته الحكومة اللبنانية منذ عامين. بسبب أن فريقاً من اللبنانيين يطعن في شرعية الحكومة أصلاً وبسبب استمرار الفراغ في سدة الرئاسة الأولى من جهة ثانية.

الحكومة المكبلة ليست الطرف الوحيد الذي يعاني ضيق هامش الحركة اليوم. فالمعارضة ايضاً تبدو مكبلة بألف قيد وقيد خارجي وداخلي. حزب الله على هذا المستوى لا يستسهل الرد على اغتيال عماد مغنية أحد أبرز قادته العسكريين. لأن جروح الحرب السابقة لم تلتئم في لبنان بعد من جهة أولى، ولأن الانقسام الداخلي بلغ حداً يهدد معه التضامن الوطني إذا ما حصلت الحرب. وهذا ما لم يستدركه قادة المعارضة اللبنانية حتى الآن. من جهته اجرى الرئيس نبيه بري حديثاً تلفزيونياً مطولاً شرح فيه اسباب فشل المبادرات في حل الأزمة الرئاسية وحمل الموالاة مسؤولية هذا الفشل. لكنه أحجم عن شن هجوم ايجابي على الموالاة وتقديم مبادرة جديدة او الدعوة إلى استئناف الحوار من حيث انتهى إليه. اما حزب الله فرأى في مرابطة المدمرة الأميركية يو اس اس كول على خط الأفق اللبناني ndash; السوري تعبيراً عن رغبة اميركية بالتدخل العسكري في لبنان لصالح حلفائها من الموالاة. ولم يلبث ان رفع من وتيرة تهديده ووعيده للموالاة تأسيساً على هذه الواقعة.

من جهتها الموالاة اكتفت من المبادرة العربية بإعلان نعيها، ولم تتقدم اي خطوة اضافية باتجاه المعارضة. لسان حال الموالاة والمعارضة في لبنان يقول: ان الطرفين قدما كل ما يستطيعان من تنازلات ولم يعد من مجال لتنازلات جديدة. تأسيساً على هذه السياقات يمكن فهم الجمود السياسي الذي يعانيه لبنان منذ إعلان فشل المبادرة العربية، بحيث بات الفشل في انتخاب رئيس للجمهورية في جلسة المجلس النيابي في 11 آذار ndash; مارس مؤكداً. اما افراغ لبنان من الجاليات الاجنبية فجار على قدم وساق وفي السر والعلن. ولم تعد السفارات في حاجة لإبلاغ رعاياها بضرورة تجنب السفر إلى لبنان اصلاً.

الشعور المتزايد بالقيود الثقيلة التي كبلت بها القوى السياسية نفسها جعل هذه القوى في حالة انتظار يشبه الموت السريري. والانتظار هذه المرة، بعد فشل السياسة في تحقيق اختراقات مهمة في جدار الازمة الرئاسية والتي هي جزء يسير من ازمات لبنان العميقة، لن يأتي بمبادرات سياسية جديدة، بل بانفجار امني او عسكري، من خلال اضطرابات داخلية او اندلاع حرب خارجية على ارض لبنان وفي جواره. في الانتظار لا يفعل السياسيون اللبنانيون سوى التراشق في المنابر الإعلامية، التي باتت محطات للخوف والحذر، بعدما اصبح اطلاق النار ابتهاجاً بإطلالات المسؤولين السياسيين على الشاشات تقليداً لبنانياً دامياً.