بلال خبيز من بيروت: ندلع السجال على اشده بين المعارضة والموالاة اثر قرار حكومة الرئيس فؤاد السنيورة مقاطعة القمة العربية في دمشق التي من المقرر عقدها اواخر الشهر الحالي. وعلى نحو متوقع سرعان ما تلقفت المعارضة قرار المقاطعة لتشهر بالحكومة التي فوتت فرصة ذهبية على لبنان، بحسب ما اعلن وزير الخارجية السوري وليد المعلم، لحل ازمته. فيما تعتبر الموالاة انها اتخذت قرارها انسجاماًً مع موقف الدول العربية التي دعمت موقفها وخفضت مستوى تمثيلها في القمة إلى ما دون وزراء الخارجية، خصوصاً مصر والسعودية اللتين تشاركان في القمة بتمثيل مخفوض.

وبصرف النظر عن صحة القرار، ومدى ملاءمته لمصلحة لبنان ومصالح الموالاة التي تمثلها الحكومة التي يرئسها السنيورة، فإن الثابت ان الحكومة وجدت نفسها في الأيام القليلة السابقة بين خيارين احلاهما مر. فالمشاركة في القمة بوفد رفيع المستوى، كان سيؤمن للأزمة اللبنانية حضوراً متميزاً في القمة، لكنه من جهة ثانية كان يعني تخلياً عن وسيلة الضغط الوحيدة التي تملكها الحكومة اللبنانية والدول المتضامنة معها حيال الإدارة السورية. الا وهي المقاطعة او المشاركة الرمزية، بهدف الإيحاء ان قمة دمشق انما تنعقد في ظل خلاف عربي مستشر وظاهر للعيان. مما يسجل سابقة في العمل الدبلوماسي العربي قد تخلف وراءها ذيولاً يصعب حصرها في المقبل من الأيام، خصوصاً ان قمة دمشق هي اول القمم العربية التي لا تعمد فيها الدولة المضيفة إلى تسهيل ايجاد مخارج وحلول للمشكلات العربية. إذ درجت العادة ان تعمد الدولة المضيفة إلى استباق بدء اعمال القمة بحلحلة العقد والمشكلات التي تعترض نجاحها الرمزي. لكن دمشق آثرت ان تبقى على مواقفها في الملفات كلها، مما جعل المشاركة العربية المحورية المتمثلة بمصر والمملكة العربية السعودية اقل من مشاركة رمزية.

ومن جهة ثانية تدرك الموالاة ان الغياب عن القمة العربية في دمشق قد يؤدي إلى اعطاء سوريا فترة سماح جديدة في ما يخص الأزمة اللبنانية، مما يجعلها تستأنف الهجوم الذي تشنه على الموالاة اللبنانية بأعنف مما كان عليه، وفي هذا السياق تؤكد اوساط الموالاة اللبنانية ان محطات الهجوم السوري ستكون اشرس بعد القمة مما كانت عليه قبلها، وان ما تملكه الموالاة لدرء الاخطار لا يتعدى الصمود في المواقع والثبات في المواقف، لذلك رجحت الموالاة قرار المقاطعة على المشاركة، حتى لا يكون ثمة تنازل من اي نوع امام الضغوط السورية المتزايدة.
رغم هذا كله، ثمة ايجابية وحيدة في قرار الموالاة يمكنها التأسيس عليها. هذه الإيجابية تتمثل في ان ليس ثمة وفد آخر إلى القمة يمثل لبنان، وهذا يعني عملياً اعترافاً بشرعية الحكومة الحالية من المعارضة التي ما تزال تطعن في شرعيتها وميثاقيتها، ويعتبرها رئيس المجلس النيابي حكومة امر واقع.

لكن الخيارات اللبنانية الضيقة لا تحجب واقع ان هذه القمة ستكون القمة الأولى في تاريخ القمم العربية التي تسبق احتمالات تفجرها زمن انعقادها. خصوصاً ان العلاقات بين القادة السعوديين والمصريين من جهة والقادة السوريين من جهة ثانية، انتقلت من حيز المواقف السياسية إلى حدود المواقف الشخصية. مما يجعل اصلاح ذات البين بين الدول المحورية الثلاث في العالم العربي صعباً إن لم يكن مستحيلاً. وهذا امر بلا شك سيترك ظلاله القاتمة على الأوضاع العربية في المرحلة المقبلة، وسيلحق اضراراً فادحة بمؤسسة الجامعة العربية نفسها.