شغلت مراكز الأبحاث منذ بداياتها في الانتفاضة الأولى
قوة حماس: بين تقارير المراكز الإسرائيلية و الواقع !

نضال وتد من تل أبيب: تحتفظ تقارير أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، على اختلافها، ومراكز المعلومات والأبحاث المتعلقة بالشرق الأوسط، بنوع من الهالة والتقدير إلى حد اللجوء إليها كدليل قاطع لتحديد قضية معينة أو موقف ما على الرغم من أنه لا يمكن في أغلب الأحيان، وخصوصا في حالة التقارير الاستخبارية فحص صدقية وموضوعية هذه التقارير خصوصا وأنه يفترض فيها أن تكون بإيعاز وتوجيه من أجهزة الدولة الإسرائيلية ومؤسساتها، وقد تكون ضربا من ضروب الحرب النفسية أو المعلوماتية التي تستخدمها الدول في النزاعات.

فالتقارير الإسرائيلية والدراسات الإسرائيلية الأكاديمية منها والاستخبارية، قصرت في أكثر من مرة عن سبر غور الهدف المطلوب منها التحقق من حالته ووضعه، فمثل هذا الإخفاق كان مثلا، في تقدير لجنة أغرنات سبب فشل الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية quot;أمانquot; في تحليل المعلومات الواردة إليها والتحذير من حرب وشيكة ستشنها الدول العربية، وقد وصل التحذير بعد اندلاع الحرب، ينذر بنية مصر وسوريا شن حرب على إسرائيل، وأخفقت الاستخبارات الإسرائيلية أيضا في التنبؤ في الانتفاضة الأولى، والثانية، وحتى في التنبؤ باحتمالات اندلاع هبة أكتوبر في الداخل ، على أثر اقتحام شارون للأقصى في العام 2000.

كما أن الواقع والمنطق يحكمان بأن التقارير المعتمدة، وتلك التي تولي لمعلوماتها أهمية قد تساعد الدولة، في تحديد سياستها أو تعاملها مع جهة ما، يتم عادة رفعها فقط للجهات المختصة، وإبقائها طي الكتمان والتحفظ من وصولها أو حتى تسريبها للصحافة، فكم بالحري السعي والمبادرة إلى نشرها إلا إذا كان وراء هذا النشر هدف ما.

وقد أشغلت حركة حماس منذ بداياتها في الانتفاضة الأولى، مراكز الأبحاث الإسرائيلية، تماما مثلما أشغلت بال هذه المؤسسات قبلها بسنين طويلة، منظمة التحرير على فصائلها المختلفة وقادتها التاريخيين. وتحاول المراكز الإسرائيلية باستمرار الوصول إلى ما تعتبره يقينا في تحديد حجم حركة حماس ليس فقط من حيث عدد المنتسبين للحركة أو المؤيدين لها، وإنما أيضا محاولة معرفة عدد قوات الحركة، ومقاتليها، ومدى خبرتهم العسكرية ونوعية التدريبات التي تلقوها، وأي نوع من الأسلحة تستخدم الحركة، وما هي مصادر التمويل والمساعدة، وهل يرتبط ذلك بمحاور السياسة الفلسطينية الداخلية فحسب، أم أنه مرتبط بمحاور عربية- عربية أو، في حالة حماس بمحاور عربية- إسلامية.

ومع أن تحالفات الحركة في السنوات الأخيرة واضحة للعيان، كما مقار الحركة ومقر قادتها ، إلا أنه يروق للجهات الإسرائيلية محاولة رصد قوة حماس الداخل، مثلا( واليوم حماس غزة مقابل حماس- الضفة الغربية) مقابل حماس الخارج (سوريا ). وعليه فقد قال تقرير إسرائيلي أصدره مركز المعلومات لشؤون الإرهاب والاستخبارات إن حركة حماس تعكف منذ انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، على زيادة عدد عناصرها وقواتها المسلحة والمدربة عسكريا، إلى جانب التزود بأسلحة قتالية متطورة وجديدة.

وقال التقرير إنه منذ الانسحاب من غزة، فقد زادت قوة حماس العسكرية، وأصبح عدد العناصر المسلحة لدى الحركة 20 ألف عنصر مزودين بالسلاح. ووفقا للتقرير الذي نشرت معاريف بعضا من مقتطفاته بعد ظهر اليوم (الخميس) فإن الحركة تملك في غزة جهازين أساسيين، جهاز أمن داخلي عماده القوة التنفيذية التي تشكل الذراع الرئيسة لحركة حماس في بسط سيطرتها الداخلية في القطاع ، والذراع العسكرية التي عمادها كتائب عز الدين القسام التي تتولى مسؤولية تخطيط وتنفيذ العمليات ضد إسرائيل والاستعدادات الدفاعية والوقائية في غزة.

وبطبيعة الحال لا يمكن مراجعة واضعي التقرير، ولا استبيان المصادر التي اعتمدوا عليها، وفي المقابل فإنه من الواضح أن حركة بحجم حركة حماس، وفي الظروف التي تمر فيها، لن تسارع بدورها إلى تصحيح أو إنكار صحة المعلومات، فمصلحتها وأمنها وأمن عناصرها مثلا يقضيان بأن تبقى مثل هذه المعلومات سرية وفي طي الكتمان، وبالتالي فهي لن تكون في وارد الرد على مثل هذه التقارير، التي قد تكون معطياتها جاءت لاستفزاز الحركة ومحاولة النيل من قوتها الحقيقية، وقد تكون محاولة لضرب الحركة لأسباب ودواع معروفة. ويدعي التقرير أن عملية زياد حجم قوات حماس، تشمل ايضا زيادة عدد العناصر المسلحة، وإعادة تنظيم القوات الموجودة في أطر شبه عسكرية، مع القيام بتدريبات واسعة النطاق في القطاع وخارجه (وبالأساس في سوريا وإيران).

كما تقوم الحركة، بحسب التقرير الإسرائيلي، وفي إطار هذه المساعي بالتزود بأسلحة قتالية متطورة- بما في ذلك راجمات وصواريخ يتم تطوير مداها ووسائل مضادة للدبابات ، تحسين أجهزة القيادة والسيطرة، والاستعداد للدفاع، وتطوير عبوات متفجرة ذات قدرات تفجيرية كبيرة يتم زرعها على المحاور الرئيسة وقرب مراكز مختلفة تتوقع الحركة أن تدور فيها مواجهات مع القوات الإسرائيلية.

وهنا عمليا يتضح الميل الإسرائيلي لتصنيف حماس، بما يتناسب مع السياسة الإسرائيلية ndash; الأميركية، في محور إيران وسوريا، وكأن العلاقة بين الأطراف الثلاثة سرية وهي بحاجة لنشاط استخباراتي، أو نشاط مركز معلومات لإبرازها على الملأ. فعلى سبيل المثال يذهب التقرير إلى القول بأن مقر تطوير قوة حماس العسكرية موجود في سوريا ويعتمد على المساعدات الإيرانية والسورية، في حين يتم الحصول على المال من إيران ومن تبرعات تجمعها الحركة من العالم العربي وحتى من الدول الغربية.

ويرى التقرير أن إيران وسوريا تقدمان المساعدات المباشرة لحماس ، حيث تقوم الدولتان بمد حماس بالخبرات التكنولوجية العسكرية وتزودان الحركة بالأسلحة القتالية، وتوفران لها معسكرات للتدريبات العسكرية لنشطائها، وأنه يتم تهريب الأسلحة والأموال إلى غزة عبر شبكة الإنفاق ومعبر رفح.بعد ذلك ينتقل التقرير إلى البعد الإسرائيلي، أو الخطر الذي يشكله تصاعد قوة حماس إذ يرى أنه في بعض الحالات فإن عملية بناء قوة حماس تبرز في بعض المركبات عملية تطور عسكرية أساسية بشكل يزيد من التهديد الذي تفرضه حماس على أجهزة الأمن الإسرائيلية والسكان المدنيين غربي النقب.

ويشير التقرير إلى أن قدرة الحركة أصبحت اليوم في مكانة تمكنها من التخطيط لعمليات تعتبر quot;نوعيةquot; مثل الدخول إلى إسرائيل والقيام باختطاف جنود ورهائن، أو تنفيذ عمليات انتحارية مختلفة. كما تمكنت الحركة من تحسين وتطوير مدى صواريخ quot;القسامquot; ، وتمكنت من تطوير الأسلحة المضادة للدبابات ما يشكل خطرا على المدرعات الإسرائيلية وقوات المشاة البرية.

ولعل ما يلفت النظر في استنتاجات واضعي التقرير هو قولهم بأن quot;عملية بناء قوة حماس وتطويرها لا تزال في أوجها وأن الحركة بحاجة لعدة سنوات لتحقيق هدفهاquot;. ويشكل هذا عمليا دعوة واضحة إلى أن الفرصة لم تذهب وأنه لا يزال بالإمكان تحجيم الحركة أو إضعافها، وذلك بالقول إنها لم تصل بعد إلى هدفها وعليه يمكن قطع الطريق عليها.

والواقع أن أحدا، وربما حتى داخل حماس نفسها، (وبسبب الظروف الموضوعية التي تعيشها الحركة في القطاع، من جهة وظروف الحركة في الضفة من جهة أخرى تحت سيطرة مباشرة للاحتلال الإسرائيلي) لا يمكن له أن يقدر بصورة محددة العدد الرسمي لمقاتلي حماس، ربما باستثناء إحصاء العاملين في القوة التنفيذية، مع تقدير عدد الناشطين في خلايا القسام، لأنه لا يمكن القول لا بعدد مقاتلي حماس مثلا ولا بعدد مقاتلي فتح، أو أي فصيل آخر طالما لا يسمح الظرف الفلسطيني بإجراء فرز وإحصاء لمن من القوات التنفيذية في القطاع هو من حماس ومن منهم من فتح، ولا إحصاء وفرز العاملين في القوات الفلسطينية التابعة للسلطة ونسبهم كلهم مثلا لحركة فتح.