كامل الشيرازي من الجزائر: أعلن وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني اليوم عن تسجيل 375 عملية اختطاف شهدتها بلاده خلال العام الأخير وطالت مقاولين وأطفال ورعايا أجانب، ويعتبر المعطى المذكور مفزعا، طالما أنّه يعني وقوع حالة اختطاف على الأقل كل 24 ساعة، وعن هوية الواقفين وراء هذه الاختطافات، أوضح المسؤول ذاته أنّ مجموعات التمرّد تورطت في 115 حالة، بينما ارتبطت 260 حالة بممارسات مافيوزية لعصابات الجريمة المنظمة التي اتخذت من الظاهرة أسلوبا جديدا للاسترزاق (..).
وفي ردّ منه على أسئلة أعضاء مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى في البرلمان)، قال الوزير الجزائري إنّ الحالات المعلن عنها جرى حصرها بناء على بلاغات من أهالي الضحايا، ما يدفع إلى التخمين أنّ العدد الحقيقي أكبر من المصرّح به، سيما وأنّ مصادر محلية تحدثت مؤخرا عن اختفاءات ملغّزة لما يزيد عن 150 طفلا خلال الأحد شهرا المنقضية، عُثر على جثث أغلبهم في حالة تحلل متقدمة بآبار مهجورة، بينما تعرّض قطاع غير يسير منهم إلى اعتداءات جنسية كانت لها انعكاسات على هؤلاء الذين تعرضوا لصدمات ليست بالهيّنة، علما أنّ ظاهرة quot;اختطاف الأطفالquot; التي تفاقمت على نحو مريب العام الماضي وأوائل السنة الجديدة، بهذا الصدد، تقول كشوفات اطلعت quot;إيلافquot; عليها، إنّ 841 طفل تعرّضوا للاختطاف منذ العام 2001، وتتراوح أعمار الضحايا بين 4 و16 سنة.
وشدّد وزير الداخلية الجزائري على أنّ الهدف الرئيسي للخاطفين هو المال، معتبرا أنّ الظاهرة تظل من الصعب معالجتها، في وقت ينادي مختصون بوضع بطاقية للمنحرفين جنسيا تجاه الأطفال، على أساس التنامي المقلق لمأساة اغتصاب البراءة في الجزائر، واستنادا إلى ما قاله زرهوني، فإنّ عموم الخاطفين طالبوا بفديات قوامها ست مليارات دينار جزائري، لكنّ أولياء الضحايا دفعوا نحو 1.2 مليار دينار، بينما ذهبت إحصائيات غير رسمية إلى أنّ عموم الخاطفين جنوا أموالا قيمتها عن 50 مليار دينار (بحدود 4.8 ملايين يورو).
وتعدّ فئة الأثرياء وعوائلهم وكذا التجار وأبنائهم، الشريحتان الأكثر استهدافا من طرف المجموعات الخاطفة، كما أنّ منطقة القبائل الكبرى هي من شهدت أكبر عدد من عمليات الاختطاف بحدود 89 حادثا، في وقت توّجه أصابع الاتهام إلى ما يسمى (تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) هذا الأخير دأب على تنفيذ أسلوب الاختطافات منذ العام 2006، ويذهب محللون إلى أنّ مجموعات التمرّد، التي تتخذّ من منطقة القبائل معقلا لها، تكون قد تبنت الاختطاف كتكتيك للحصول على المال، بعد تفكيك معظم خلاياها الداعمة.
بالمقابل، يشدّد متابعون للملف على أنّ (موضة) الاختطافات، ليست عملية عارضة، كما أنّها ليست صادرة عن مجموعات من المنحرفين يريدون ابتزاز المال فقط، بل هي -بحسبهم- مخططات معدّة بعناية تتولّى عصابات محترفة تنفيذها، ويستدلّ هؤلاء بالأساليب والأدوات والتقنيات التي توظّفها هذه العصابات، بشكل يجعل الأمر يبدو كما لو أنّه خرج من زاوية الإرهاب إلى نطاق الجريمة المنظمة.
وتسبّب تفاقم ظاهرة الاختطافات في إرباك السكان المحليين، ما دفع رجال الأعمال إلى الاستنجاد بحراس شخصيين وتقليص تحركاتهم إلاّ للضرورة القصوى، في حين تشير تحقيقات إلى أنّ المناطق النائية المعزولة تعدّ المسرح المفضّل للخاطفين، واللافت أنّه على الرغم من النهايات quot;السعيدةquot; لمعظم حلقات الاختطافات، بعودة الضحايا إلى أهاليهم، إلا أنّ النزيف متواصل بتكرار وقوع اختطافات جديدة، رغم إقرار عديد التدابير الصارمة لمواجهة شبح الاختطافات، بينما يرمي البعض بالمسؤولية على العوائل التي ترفض تبليغ الجهات المعنية خوفا من إصابة ذويها بأذى.
واتخذت السلطات الجزائرية جملة من الإجراءات الردعية منذ صيف 2007، بغرض الحدّ من ظاهرة الاختطافات المتفاقمة في البلاد، لكن ذالك لم يحل دون إنقاذ الطفل ياسين بوشلوح (4 سنوات) الذي وجد جثة هامدة قبل شهرين، فضلا عن المهندس المصري أمجد وهبه (26 عاما) الذي جرى تحريره بعد أشهر من اختطافه في مايو/ آيارالمنقضي، وراج أنّه حرّر لقاء فدية زادت قيمتها عن الخمسمائة ألف يورو، علما إنّ ذاك الاختطاف شكّل سابقة أولى من نوعها في مسار العنف المسلّح في الجزائر، حيث لم يسبق أن تعرّض أي من الرعايا العرب لـ(آلة) الاختطاف من قبل.
ولم يكن إعلان الجزائر بحر الصيف الماضي، عن اعتقالها المسمى ( ر. ر) المكنّى quot;زكرياquot;، الذي وصفته بكونه المنفذ المفترض لعمليات الاختطاف التي تمت في الفترة الماضية بمنطقة القبائل، ليوقف من تنامي الاختطافات، وللدلالة على البعد الذي أخذته هذه (الموضة) يكفي الاستعانة بإفادات مصادر أمنية وقتئذ، وكشفها أنّ زكريا ابتزّ لوحده أموالا زادت قيمتها عن 450 ألف يورو من ضحاياه العديدين.
اللافت، أنّ الاختطافات التي طالت الأطفال، لم تتبنها جهات معينة، وظلت مقترنة غالبا بظروف غامضة، وقليلة هي الحالات التي طالب فيها خاطفون من عائلات ضحاياهم دفع فديات، ويربط محققون أمنيون يشتغلون على الملف، بروز هذه الظاهرة الغريبة عن المجتمع الجزائري، بما أفرزته آفة المخدرات وممارسات شبكات الجريمة المنظمة، إضافة إلى ما نجم عن الفكاك الأسري والعنف الدموي الذي كابدته الجزائر خلال تسعينيات القرن الماضي.
التعليقات