واشنطن: في الوقت الذي يُعانى فيه الاقتصاد الأميركي من مشكلات اقتصادية وهيكلية كبيرة بداية من أزمة الرهن العقاري مروراً بأزمة الائتمان المصرفي، والعجز المالي والتجاري الكبيرين، والهبوط المتوالي لأسعار الدولار في مقابل العملات الرئيسية الأخرى، إلى جانب أزمة البطالة والتضخم والارتفاع المستمر في أسعار الطاقة. اتجهت أنظار الأوساط الاقتصادية الأميركية صوب بنود خطة الميزانية الأميركية المقترحة لعام 2009، والتي تقدم بها الرئيس الأميركي جورج بوش George W. Bush في الرابع من شهر فبراير الماضي والتي تم اعتماد صيغتها النهائية من قبل مجلس النواب الأميركي يوم الخميس الموافق الخامس من يونيو عام 2008، بعد اعتمادها بيوم واحد من قبل مجلس الشيوخ.

نظره عامة على الميزانية الأميركية
قانون الميزانية والمحاسبة هو قانون فيدرالي صدر في عام 1921 ويفرض على الرئيس الأميركي أن يتقدم إلى الكونغرس في أوائل شهر فبراير من كل عام ميزانية حكومة الولايات المتحدة الأميركية. وتعد الميزانية الأميركية من أهم الأدوات المالية التي من خلالها يُحدد الرئيس أولويات حكومته في المرحلة المقبلة ويُقدمها للكونغرس والمواطنين. وفى إطار إعداد الميزانية يقوم البيت الأبيض بإعداد الميزانية السنوية بعد استشارة جميع مؤسسات الحكومة الفيدرالية، وجمع البيانات من الدوائر المختلفة والوكالات المستقلة، بحيث تعكس الميزانية الاحتياجات الحكومية بشكل يساعد على تنفيذ سياسات الرئيس الداخلية والخارجية على حد سواء.

والجهة المسؤولة عن جمع وتحليل بيانات بنود الميزانية هي مكتب الإدارة والميزانية Office of Management and Budget (OMB) وتقوم بتقديمها إلى البيت الأبيض وهى وكالة تتبع السلطة التنفيذية.

وبعد تقديم الرئيس الأميركي للميزانية في فبراير من كل عام يبدأ الكونغرس في العمل على دراسة بنود الميزانية ومناقشتها وصياغتها في اثني عشر مشروع قانون اعتمادات ( مثل الدفاع والزراعة والصناعة.الخ) وغيرها من البرامج على المستوى المحلى والخارجي. وتطرح الميزانية للتصديق من قبل مجلس النواب ومجلس الشيوخ بعد إدخال التعديلات المقترحة أكثر من مرة وصولاً للصيغة النهائية للميزانية مع العلم أن مشروع الميزانية الذي يتقدم به الرئيس هو مشروع غير ملزم قد يلتزم به الرئيس المقبل وقد لا يلتزم حسب التوجهات والأولويات التي يتبناها الرئيس الجديد. أي أن الميزانية في النهاية تُقدم إرشادات عامة للمشرعين عندما يسنون سلسلة من مشروعات قوانين الإنفاق مع بداية السنة المالية الأميركية والتي تبدأ في الأول من أكتوبر كل عام.

مجلسا الكونغرس يقرا ميزانية عام 2009
اعتمد مجلس الشيوخ الأميركي الصيغة النهائية لخطة الميزانية المقترحة لعام 2009 يوم الأربعاء الموافق الرابع من يونيو، وهى الميزانية الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، والتي يبلغ إجمالها 3.1 تريليون دولاراً وأقر المجلس الميزانية بأغلبية 48 صوتاً مقابل 45 صوتاً. كما اعتمد مجلس النواب خطه الموازنة في اليوم التالي مباشره الخميس الموافق الخامس من يونيو بأغلبية 214 صوتاً مقابل 210 صوتاً.

واختلفت الصيغة النهائية التي تم اعتمادها عن الصيغة الأولية التي تم اعتمادها أيضا في الثالث عشر من مارس الماضي في أنها تضمنت نفقات أكثر مما طلبه الرئيس على برامج محلية غير دفاعية بقيمة احتماليه تصل إلى 24 مليار دولاراً.

أهم بنود خطه الميزانية لعام 2009
تضمنت خطة الميزانية التي تقدم بها الرئيس الأميركي إجمالي قياسي للنفقات بقيمه 3.1 تريليون دولار لتحقيق مجموعة من الأهداف حددها مكتب الإدارة والميزانية في تعزيز النمو الاقتصادي في المدى القصير، والحد من الإنفاق وتوفير مخصصات للإصلاح وتوفير فرص عمل وزيادة الاستثمارات في مجال الطاقة والتعليم والصحة والطرق. وتحقيق فائض في الميزانية بحلول عام 2012 يصل إلى 48 مليار دولاراً وإلى 29 مليار دولاراً عام 2013 إما من حيث تقديراتهم لعام 2009 فهم يفترضون تقليل مبلغ العجز من 410 مليار دولاراً هذا العام 2008 بنسبة 2.9% من الناتج المحلى الإجمالي إلى 407 مليار دولار عام 2009 بنسبه 2.7 % من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي .

ومن حيث الإيرادات تضمنت الميزانية زيادة في الإيرادات عام 2009 لتصل إلى 2.7 تريليون دولاراً بدلاً من 2.52 تريليون دولاراً هذا العام 2008. وهذه الزيادة تأتى من التوسع المستهدف في مظلة التأمينات الاجتماعية والصحية.

أهم بنود النفقات في الميزانية
تم تقدير النفقات الإجمالية في عام 2009 بمبلغ 3.1 تريليون دولار، وأهم البنود التي تستحوذ على نسبه كبيرة من النفقات، ما يلي:-

نفقات الدفاع:- تستقطع نفقات الدفاع على نسبة كبيرة من إجمالي النفقات تصل إلى 21.6% من إجمالي النفقات بقيمة إجمالية تصل إلى 537 مليار دولاراً بمعدل زيادة 7% عن مخصصات عام 2008، ولا تشمل ذلك تخصيص 70 مليار دولار أخرى لتمويل نفقات الحرب في العراق وأفغانستان، أي أن إجمالي مخصصات النواحي العسكرية في الميزانية يتجاوز 607 مليار دولاراً قابلة للزيادة، حيث يُتوقع زيادة نفقات الحرب في العراق وأفغانستان عن 70 مليار دولار.

النفقات غير الدفاعية:- وتشمل نفقات الأمن القومي والشئون الدولية، وقد تم طلب مبلغ 450 مليار دولار في ميزانية عام 2009 بزيادة قدرها 2.2 % عن ما تم تخصيصه عام 2008.

النفقات العادية ( في غير حالات الطوارئ):- وقد تم طلب تخصيص مبلغ 987.

6 مليار دولار بزيادة 55% عن مستوياتها عام 2008 .

التامين الاجتماعي :- تم طلب تخصيص اعتمادات تُقدر بمبلغ 645 مليار دولاراً في ميزانية 2009، ويزيد المبلغ ليصل إلى 814 مليار دولار عام 2013 بمتوسط زيادة سنوية 5.9% .

الرعاية الصحية :- تشمل تخصيص مبلغ 420 مليار دولار في ميزانية عام 2009 بزيادة قدرها 29 مليار دولار عن المخصص في ميزانية 2008، ومن المستهدف أن يصل المخصص عام 2013 إلى 533 مليار دولار بمتوسط زيادة سنوية 5% فقط وهو ما يمثل انخفاضاً عن متوسط الزيادة في عام 2007 و2008 حيث كان متوسط الزيادة 7.2% .

والجدول التالي يوضح الخطوط العامة للميزانية المقترحة لعام 2009

2007 الفعلية

2008 المقدرة

2009

المطلوبة

2010

2011

2012

2013

النفقات

2.73

2.93

3.1

3.09

3.17

3.22

3.39

الإيرادات

2.56

2.52

2.7

2.93

3.07

3.27

3.42

العجز / الفائض

162 -

410 -

407 -

160 -

95 -

48

29

نسبة العجز / الزيادة

1.2% -

2.9% -

2.7% -

1% -

6.% -

4.%

2.%

أهم بنود الإيرادات
تتضمن خطه ميزانية 2009 إيرادات متوقعة بقيمة إجمالية 2.7 تريليون دولاراً ارتفاعاً من 2.56 تريليون دولار عام 2008 وتصل إلى 3.42 تريليون عام 2013 بقيمه 33.5 % من إجمالي الناتج المحلى الإجمالي ارتفاعاً من 18% فقط عام 2008 .

تدعو خطة ميزانية 2009 لتوفير مجموعة من الحوافز الاقتصادية التي تشجع الاستثمارات وخصوصا في الأعمال الصغيرة وتخفيض الضرائب على الأفراد واستمرار تطبيق التخفيضات التي طبقت في أعوام 2001 و2003 والتي سوف تنتهي عام 2010. كما تتضمن الميزانية اقتراحا لتوسيع مظلة التامين الصحي والاجتماعي عن طريق تطبيق تخفيضات للتامين الصحي بمقدار 15000 دولار سنويا للأسرة أو 7500 دولارا للفرد وهذا من شأنه توسيع مظلة التأمين الصحي والاجتماعي.

والجدول التالي يوضح الاعتمادات المطلوبة للرعاية الصحية في خطة ميزانية 2009 بالمليار دولار

2007

2008

2009

2010

2011

2012

2013

2009-2013

معدل النمو

المستوى الطبيعي للمخصصات

371

391

420

449

495

495

553

2412

7.2%

المطلوب في الميزانية

391

408

422

455

449

500

2234

5%

التغيرات

0

12.2 -

26.9 -

39.8 -

45.7 -

53.4 -

178 -

رؤية الحزب الديمقراطي لخطة الموازنة
انتقد نواب الحزب الديمقراطي خطة الميزانية لعام 2009 ويرون أنها استمرارا لسياسات جورج بوش الفاشلة، حيث يغلب علي الميزانية الطابع العسكري واقتصاد الحرب. فتخصيص مبلغ 607 مليار دولاراً للنفقات العسكرية ( 537 مليار نفقات دفاع بالإضافة إلى 70 مليار نفقات الحرب في العراق وأفغانستان)، هي أرقام مبالغ فيها وخصوصاً مع اقتصاد يعانى من شبح الركود وأزمات وعجز مستمر. مما يجعل ميزانية الدفاع هي الأكبر في العالم وتتجاوز ما تم تخصيصه أثناء الحرب العالمية الثانية أو الحرب الباردة بل وتتجاوز ميزانية 20 دولة افريقية مجتمعه. وتعرضت البنود الخاصة بالرعاية الصحية والاجتماعية للانتقادات وخاصة برنامج الرعاية الطبية للفقراء وكبار السن حيث سيتم تخفيض هذه الاعتمادات بنسبة 2.2 % سنويا. كما تعرضت بنود التعليم للانتقادات هي الأخرى حيث تم الإبقاء على ميزانية التعليم عند حدود 60 مليار دولار سنويا دون مراعاة زيادة هذه الميزانية .

وتنطوي الميزانية على زيادة واسعة في الضرائب على الأميركيين وخصوصا الطبقة الوسطى بعد عام 2010، حيث تعتمد على تحقيق إيرادات ضريبية سنوية بمتوسط 129 مليار دولاراً. في حين أنها لم تعالج مشكله العجز الواضح في عام 2008 الذي وصل إلى 2.9% من إجمالي الناتج المحلى وسيظل العجز في حدود 2.7% عام 2009.

وفي النهاية تظل خطة الميزانية لعام 2009 والتي سيبدأ العمل بها في الأول من أكتوبر القادم خطة غير ملزمة للرئيس القادم، وقد تحدث بها عدة تغيرات طبقا لتوجهات وأولويات الرئيس القادم .