تركي العوين من الرياض: أثار الشيخ عبدالمحسن العبيكان، عضو مجلس الشورى ومستشار وزارة العدل، موضوع توسعة المسعى بين الصفا والمروة في الحرم المكي الشريف من جديد, بعد نشره بيانا مطولا استعرض فيه بالتفصيل هذه المسألة وعرض خلاله نصوص وأقوال لأهل العلم. وكان رد الشيخ العبيكان موجها للشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، الذي عارض توسعة المسعى.

وعبر عبدالمحسن العبيكان عن أسفه من تسمية الشيخ صالح الفوزان أدلة المجيزين للتوسعة الجديدة للصفا والمروة بالشبهات بينما هي أدلة واضحة جلية كما قال، مشيراً بذلك إلى بيان الشيخ صالح الفوزان حول عدم جواز السعي في التوسعة الجديدة.

وأكد الشيخ العبيكان أنه ليس من حق العالم أن يفرض على الناس رأيه ولا يشترط ألا يعمل ولي الأمر إلا بفتوى شخص أو أشخاص، موضحاً أن هيئة كبار العلماء لم تجمع على ما رآه صاحب البيان (الشيخ الفوزان)، بل هناك من الأعضاء في الهيئة من رأى جواز هذه التوسعة الجديدة التي لم تخرج عن حدود الصفا والمروة بالدليل الواضح.

وأشار إلى أنه يربى بعالم جليل أن يسيّس العبادة، فالمشاعر المقدسة ليست مختصة بالسعوديين فقط، ولا يجوز أن يطبق في العبادة والأمور الشرعية ما يطبق في الأمور السياسية المتعلقة بالأنظمة التي من حق كل دولة أن تنفرد بها، داعيا إلى نبذ العنصرية والعصبية المقيتة التي جاء الإسلام بمحاربتها في بيان نشر في صحيفة الوطن السعودية.

ردٌ على من منع توسعة المسعى

وفيما يلي مقتطفات من البيان الذي أصدره الشيخ عبدالمحسن العبيكان:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد فإنه من المؤسف جداً أن البعض في هذا الزمن ابتعدوا كثيراً عن التأصيل الشرعي والتكييف الفقهي وأصبحوا يخلطون بين ما هو مجال للاجتهاد في فهم النصوص الشرعية، وما مبناه على الإثبات إما بالشهادة أو بتقرير أهل الخبرة كما هو صنيع القاضي الذي يعتمد على تقرير الخبراء في القضايا المنظورة إما من الأطباء أو المهندسين أو الجيولوجيين أو المحاسبين أو الفنيين في عدة مجالات، ومما أثار دهشتي ردود الفعل من قبل بعض العلماء عندما وجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز سدده الله ووفقه لكل خير بدراسة توسيع مبنى المسعى الذي أقيم في عهد الملك سعود رحمه الله لتزايد عدد الحجاج عاماً بعد عام وحصول الازدحام الشديد فيه وخاصة المواسم الدينية، وإنني أقول وجه بدراسة توسيع المبنى وليس توسيع المسعى، لأن المسعى الذي يشرع السعي فيه لا يوسع وهذا ما هدف إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أجزل الله مثوبته حيث طلب من المختصين دراسة إمكانية ذلك حرصاً منه حفظه الله للتيسير على الحجاج والمعتمرين، فقاموا بالبحث التاريخي والجيولوجي واستعانوا بأهل الخبرة من أهل مكة والذين بعضهم كان يسكن في بيوت أقيمت على جبل الصفا كما استعانوا ببعض الباحثين والعلماء فتوصلوا إلى أن الصفا والمروة يمتدان إلى أكثر من مساحة التوسعة الجديدة، ولا نعلم أن أحداً من أهل مكة شهد بخلاف ذلك ولو وجد فمن المعلوم من القواعد الشرعية أن المثبت مقدم على النافي، والحافظ حجة على من لم يحفظ، وأن شهادة النفي لا تقبل إلا بشروط وقيود ولا تنطبق على هذه المسألة كما أن هذه المسألة لا تدخل في الخلاف الفقهي المبني على الاجتهاد في فهم النصوص الشرعية وإنما هي مسألة مبنية على شهادة أهل الخبرة والاختصاص والعارفين بحدود الصفا والمروة، فكثير من المسائل الشرعية تبنى على ذلك كما في إثبات دخول الأشهر وإثبات الحدود والحقوق غيرها مما لا مجال للاجتهاد فيه متى ما صحت الشهادة وتحقق من جدارة الخبير. والذي أثار دهشتي أن هناك من عارض هذه التوسعة وأعلن اعتراضه أو كتب راداً على من أيدوها بدون تأصيل ولا تدليل صحيح، فمثلاً قول بعضهم إنني لم أرض بهذه التوسعة وليسع ولي الأمر ما وسع من قبله من الولاة.

والجواب: أن العالم ليس من حقه أن يفرض على الناس رأيه ولا يشترط ألا يعمل ولي الأمر إلا بفتوى شخص أو أشخاص فالله عز وجل قال لنبيه صلى الله عليه وسلم quot;وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله quot;ولم يفرض عليه الأخذ بقول من استشاره ولا يصح أن يصدر هذا الكلام إلا ممن هو شريك في اتخاذ القرار، كما أن قوله quot;وليسع ولي الأمرquot; لا ينبغي أن يقال هذا الكلام إلا لمن ابتدع في دين الله بدعة وخالف النصوص الشرعية وإجماع الأمة، ولا ينطبق هذا بتاتاً على فعل ولي أمرنا حفظه الله، كما جاء في بيان لبعضهم عدة تعليلات ليست مقبولة لا من الناحية الشرعية ولا العقلية.

معارضة الفوزان

ويرجع الجدل المثار حول هذه القضية إلى معارضة الشيخين صالح الفوزان وصالح اللحيدان عضوي هيئة كبار العلماء لتوسعة الصفا والمروة.

وأكد الشيخ صالح الفوزان أن هذا هو المسعى، فلا يزاد فيه ولا ينقص، لأنه مشعر، ولا يجوز التصرف في المشاعر بزيادة أو نقص، ولتبق على ما هي عليه.

وكانت قد صدرت فتوى لهيئة كبار العلماء بتاريخ 22-2-1427 هـ أشارت إلى quot;أن العمارة الحالية للمسعى شاملة لجميع أرضه، ومن ثم فإنه لا يجوز توسعتها، ويمكن عند الحاجة حل المشكلة رأسيا بإضافة بناء فوق المسعىquot;. وهذه الفتوى هي التي وصفها الشيخ عبدالله بن منيع أنها اجتهادية لا تستند إلى نص.

من جهته قال الشيخ صالح اللحيدان quot;أنا لست ممن وافق على المسعى الجديد ولا أرضى بتلك التوسعة، وأكثر أعضاء هيئة كبار العلماء لم يرضوا بذالك، ولا أعرف أن أحدا وقّع سوى اثنين من الأعضاء.

وحول أن ذلك قد يثير لغطا لا داع له ما دام مشروع التوسعة يقترب من الاستكمال أضاف quot;الذي يسألني لا أرى له السعي في المسعى الجديد، لكني أرى إذا أدى عمرة أنه يكون في حكم من ترك فرضا من العمرة يجبره بدم ذبيحة، فإن السعي على قول من يقول إنه ركن ما تصح العمرة أصلا، وعلى قول من يقول أن السعي واجب من واجبات العمرة، فإن هذا الواجب إذا تعذر الحصول عليه يجزي عنه أن يذبح ذبيحة لفقراء مكةquot;.

وتابع quot;من اتصل بي نصحته أن لا يعتمر ما دام المسعى القديم لم يفتح للناس، وعسى الظن بولاة الأمر أن لا يستمروا على المنع. أن شاء الله يوفقهم جل وعلا ليسعهم ما وسع المسلمين خلال أكثر من 1428 سنةquot;.

وتابع اللحيدان quot;بحول الله نعتقد أنه جل و علا سوف يهدي ولاة أمرنا لترك الأمر على ما كان عليه خلال هذه المدة الطويلةquot;.

تأييد المنيع

من جانبه اعتبر عضو هيئة كبار العلماء في السعودية أن توسعة المسعى بين الصفا والمروة في الحرم المكي الشريف مسألة اجتهادية خلافية لا تستند إلى نص ويكفي لحسم الجدل الدائر حولها اختيار ولي الأمر، وهو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

وقال المنيع إنه في إطار هذا الاجتهاد تراجع عن فتوى كان قد أصدرها بعدم جواز التوسعة، منطلقا من عدة دوافع أهمها أن الملك عبدالله انحاز لرأي أهل العلم المجيز لها لشعوره بمسؤوليته عن توفير وسائل الأمن وأنواعه وأجناسه لحجاج وعمار بيت الله الحرام والحؤول دون ما يهدد ذلك مع الزيادة المستمرة للحاج والمعتمر.

وأضاف أنه اشترك مع الهيئة في النظر في حكم التوسعة، وكان ممن يرى عدم جوازها لصدور قرار من كبار العلماء بحصر عرض المسعى في عرضه الحالي، وبعد إعادته النظر والتأمل، راء أن ذلك القرار لم يكن مبنيًّا على نص من كتاب الله تعالى، ولا من سنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم- وإنما كان مبنيًّا على الاجتهاد أن ما بين الصفا والمروة هو المسعى الحالي طولاً وعرضاً.

وقال الشيخ المنيع إن البينة العادلة قامت من 7 شهود يتبعهم 13 شاهداً بمشاهدتهم جبل الصفا ممتداً امتداداً بارتفاع مساوٍ لارتفاع الصفا حاليًّا، وذلك نحو الشرق إلى أكثر من 20 متراً عن جبل الصفا الحالي، وكذلك الأمر بالنسبة لجبل المروة، وشهادتهم صريحة في امتداد الجبلين - الصفا والمروة - شرقاً امتداداً متصلاً وبارتفاعهما بما لا يقل عن 20 مترا.

وأوضح المنيع أن المسألة من مسائل الاجتهاد، ولم يكن القول بجواز التوسعة مصادمًا نصًا من كتاب الله تعالى، ولا من سنة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم- وقد ثبت أن الزيادة المقترحة للتوسعة لا تخرج عما بين الصفا والمروة، وقد قال تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَاquot;.

وفي هذا الصدد أكد سلامة التوسعة التي تجري حاليا بقوله quot;وحيث اختار ولي الأمر القول بجوازها، وقد قال به بعض أعضاء هيئة كبار العلماء. وولي الأمر هو الحاكم العام.

والقاعدة الفقهية أن حكم الحاكم يرفع الخلاف في قضية من قضايا مسائل الخلاف إذا حكم فيها بأحد أقوال أهل العلم بما لا يخالف نصاً صريحاً من كتاب الله، أو من سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم- أو بما انعقد عليه إجماع الأمةquot;.

وأضاف الشيخ المنيع quot;لا شك أن التوسعة محققة للمصلحة في خدمة ضيوف الرحمن، وفي الأخذ بها دفع للأضرار المحتمل وقوعها عليهم، وحيث إن الشهادة بامتداد جبلي الصفا والمروة شرقاً عن وضعهما الحالي بما لا يقل عن عشرين متراً يعتبر إثباتا مقدَّماً على نفي من ينفي ذلك، وبناء على ما سبق ذكره من أن التوسعة لا تتجاوز ما بين الصفا والمروة، فالسعي فيها سعي بين الصفا والمروة، فلا يظهر لي مانع شرعي من توسعة المسعى عرضًا بما لا يتجاوز ما بين الصفا والمروة، وأن السعي في هذه الزيادة سعي بين الصفا والمروةquot;.

ودار جدل واسع بين بعض كبار علماء الدين السعوديين بشأن مشروع توسعة المسعى بين الصفا والمروة الذي قارب العمل فيه على الانتهاء.