الائتلاف المحَرَم:
ليفني بين نار حكومة وطنية وأخرى يدعمها العرب
نضال وتد- تل أبيب:
للمرة الأولى، منذ تأسيس الدولة العبرية، تمكن رئيس الدولة من تكليف مرشح بتشكيل الحكومة، بعد أقل من 48 ساعة من بدء المشاورات الرسمية. فقد اعلن ديون الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، أن الأخير قرر بعد مشاورات شملت كافة الأحزاب الإسرائيلية الممثلة في الكنيست، بتكليف زعيمة كديما بتشكيل حكومة جديدة، على الرغم من أن 38 نائبا فقط من أصل 120 نائب في الكنيست، أوصوا بتكليف ليفني بتشكيل الحكومة.
وجاءت هذه التوصية لتقتصر على 38 نائب فقط بعد أن قام زعيم العمل، إيهود براك، بعد أن قدم أولمرت استقالته رسميا مساء الأحد، بمناورة تجلت بتقديم حزبه للرئيس بيرس توصية بتكليف براك بتشكيل الحكومة، علما بأن القانون الإسرائيلي لا يسمح بمثل هذا الإجراء لأن براك ليس نائبا في الكنيست، وهي مناورة قرأها المراقبون في إسرائيل باعتبارها رسالة ضغط موجهة لليفني، إذ يطالب براك بتشكيل حكومة طوارئ واسعة تشمل أيضا الليكود، وتبقى في الحكم لعامين على الأقل، أي لغاية نهاية ولاية الكنيست الحالية. في المقابل امتنعت حركة شاس هي الأخرى عن رفع توصية بتكليف ليفني، في محاولة منها هي الأخرى للضغط على ليفني في موضوع إعادة مخصصات التأمين الوطني وخصوصا مخصصات الأطفال، بعد أن المح مقربون من ليفني أنها لن تخضع لابتزاز من الأحزاب الدينية في قضايا تفضي على خرق الإطار العام للميزانية العامة للدولة.
خيارات ليفني: حكومة طوارئ أو الانتخابات
ووفقا للحسابات الأولية فإن أمام ليفني خيارين لا غير إما الخضوع لمطلب براك والشروع في مفاوضات مع مختلف الأحزاب الإسرائيلية، وبالأخص الليكود وأحزاب اليمين، مثل حزب إسرائيل بيتنا بقيادة ليبرمان،مما يعني القضاء كليا على آفاق التسوية وتجميد العملية السلمية على المسارين السوري والفلسطيني، والتركيز على قضايا الاقتصاد والمجتمع، وتعزيز قوة الجيش الإسرائيلي، ومتابعة الملف الإيراني على الصعيدين الدولي والعسكري، وإما الإعلان خلال الأيام العشرة القادمة، وفق ما صرحت به ليفني نفسها، عن الذهاب على انتخابات عامة.
ويشكل مطلب براك في واقع الحال مصيدة وشرك ينصبه براك لليفني، فهي إذا رفضت مطلبه في وقت صرحت فيه أنها تفضل حكومة واسعة ومستقرة، فإنه سيكون بمقدور براك، أن يزيح عن نفسه مسؤولية الزج بالدولة العبرية في أتون معركة انتخابية في ظروف سياسية داخلية سيئة واقتصادية عالمية تنذر بهز اقتصاد الدولة العبرية، بعد أن كان الإنذار الذي وجهه هو لحزب كديما في المؤتمر الصحفي الشهير في 29 أيار الماضي بضرورة اختيار خليفة لأولمرت، المحرك الأساسي للتطورات الحزبية الداخلية المتسارعة التي قادت أولمرت في نهاية المطاف إلى الاستقالة من منصبه وأتت بزعيمة جديدة لكديما، ويحمل ليفني تهمة عدم التحلي بالمسؤولية القومية والوطنية العليا لإسرائيل ورفض وحدة الصف في مواجهة التحديات والأخطار التي تهدد إسرائيل وفي مقدمتها الملف السوري، وملف حماس في القطاع وملف حزب الله في لبنان.
أما إذا انصاعت ليفني لمطلب براك وخضعت لشروط شاس، فيما يتعلق بملفات الحل الدائم مع الفلسطينيين، مع القبول بشروط الليكود أيضا، فإن ليفني تنزع بنفسها في هذه الحالة شرعية ومبرر وجود كديما التي قامت على أساس خطة الانسحاب من القطاع والفصل بين إسرائيل والفلسطينيين وفق خارطة الطريق ورؤية الرئيس بوش مع الرسالة التي وجهها لشارون بخصوص دعم الموقف الإسرائيلي في قضايا الاستيطان واللاجئين.
الخيار quot;الممنوعquot;
الخيار الثالث الذي يمكن له أن يوفر لليفني حتى لو شكلت حكومة ضيقة مكونة فقط من 61 نائب ( كديما وشاس والعمل والمتقاعدين)، دعما من خارج الحكومة ليصل عدد مؤيدي الحكومة عند عرضها على الكنيست 75 نائبا، أي ائتلاف مستقر ، هو خيار الاعتماد على أصوات النواب العرب من خارج الائتلاف الحكومي، وهو خيار يعتبر في السياسة الداخلية الإسرائيلية quot;حراماquot; منذ تجربة حكومة رابين التي اعتمدت على أصوات الأحزاب العربية عام 1993 في تمرير اتفاق أوسلو ونيل ثقة الكنيست، على الرغم من أن الأحزاب العربية ظلت خارج الائتلاف، وهو ما وفر لليمين الإسرائيلي، بقيادة نتنياهو آنذاك أداة للتشكيك في شرعية الحكومة الإسرائيلية وشرعية قراراتها من quot;الناحية الأخلاقية اليهوديةquot;، بشان الانسحاب من أراض تحت السيطرة الإسرائيلية بأصوات النواب العرب.
ومع أن هذا الخيار قائم حاليا، خصوصا في ظل موقف quot;اللا موقفquot; الذي اتخذته الأحزاب العربية الثلاثة خلال اجتماعها بالرئيس الإسرائيلي بيرس، حيث قالت إنها لا توصي بتكليف ليفني وفي الوقت ذاته لا توصي بتكليف أي نائب آخر، مع استعدادها التعاون مع حكومة تقودها ليفني في قضايا محددة وتحديدا المسيرة السلمية. ويعتبر هذا الخيار ، بمثابة انتحار سياسي لليفني إذا أقدمت عليه من شأنه ليس فقط أن يقضي على مستقبلها السياسي وإنما أيضا على استمرار بقاء حزبها كاديما.
ومثلما يشكل انتحارا لليفني فهو أيضا مطب ومشرك للأحزاب العربية التي أعلنت مرارا مواقفها المعارضة لسياسة الحكومة برئاسة أولمرت، فهي لا تستطيع إعلاميا تأييد ليفني، وفي الوقت ذاته لا ترغب حاليا بتبكير موعد الانتخابات، خوفا على نفسها من نتائجها خصوصا في ظل رفع نسبة الحسم من جهة، والانخفاض المستمر (منذ أحداث هبة القدس والأقصى عام 2000 عندما قتلت الشرطة الإسرائيلية 13 شابا من الفلسطينيين في الداخل في المظاهرات التي اندلعت في الجليل والمثلث احتجاجا على انتهاك شارون لحرمة الأقصى بموافقة من رئيس الحكومة آنذاك إيهود براك) في نسبة المصوتين العرب.