سنة 2009 تواصل المشاريع الاقتصادية في تونس رغم الأزمة
محللون لإيلاف: تونس تعيش وفاقًا وطنيًا ودوليًا
quot;حصاد
حصاد 2008: عام الخيبة... والأمل
أمال الهلالي من تونس، وكالات:
سيودّع العالم خلال أيام قليلة سنة 2008 بكثير من التوجس والترقب والتفاؤل بسنة جديدة تزيح عن أذهانهم أحداثًا سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة، ومن دون شك شكل انتخاب باراك أوباما كأول رئيس اسود للولايات المتحدة الأميركية الحدث السياسي البارز خلال هذه السنة، فضلاً عن الأزمة المالية التي عصفت باقتصاديات أميركا وأوروبا وآسيا لتلقي بظلالها حاليًا على اقتصاديات البلدان العربية والمغاربية بشكل خاص.

من جهتها لم تخفِ الحكومة التونسية قلقها من تواصل الأزمة وتحولها لأزمة اقتصادية خانقة تكتسح كل القطاعات الحيوية ولا سيما من الانعكاسات السلبية المباشرة لهذه الأزمة على نسق نمو استثماراتها الأجنبية ومن تقلص تدفق رؤوس الأموال خلال 2009 لا سيما الأوروبية منها التي تعد الشريك المالي والاقتصادي الأول وتحتل الاستثمارات الأوروبية فى تونس المرتبة الأولى من حيث نسبة التدفقات التي تقدر نسبتها بنحو 70 % من إجمالي الاستثمارات.

وتوقع صندوق النقد الدولي في وقت سابق انكماش حركة رؤوس الأموال والاستثمارات في العالم، كما توقع أن تتراجع معدلات النمو في تونس، بنحو نقطة مئوية، ليستقر في حدود 5% خلال العام المقبل، مقابل 6% خلال العام الجاري. وتخشى تونس في ظل هذه التوقعات تأثر قطاعها السياحي واستمرار جاذبيتها للاستثمارات الأجنبية التي تعد من أبرز روافدها الاقتصادية والتي تساهم وفق ما أعلنه رئيس الوزراء التونسي محمد الغنوشي بنسبة 10% في إجمالي معدل النمو الاقتصادي السنوي .وقد حددت ميزانيتها لسنة 2009 بحوالى 17.2 مليار دينار quot;12.55 مليار دولارquot;،أى بزيادة بنسبة 12 % بالمقارنة مع موازنة العام الجاري التي تقدّر بنحو 15.342 مليار دينار quot;11.19 مليار دولار كما تخطط في هذا السياق لجلب استثمارات بنحو 45.5 مليار دولار لتمويل مشاريع مدرجة فى خطتها التنموية الخامسة quot;2007-2011quot;، كما تتطلع لتعبئة نحو 6 مليار دولار على شكل استثمارات مباشرة، و9.8 مليار دولار فى إطار علاقات التعاون والشراكة مع بعض الدول العربية والأجنبية والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية.

وفي سياق متصل أكد رئيس اللجنة العليا للمشاريع الكبرى فؤاد دغفوس انه لا تأجيل في مستوى المشاريع الكبرى التي يتقدم انجازها وفق الآجال التي تم ضبطها سابقًا على غرار مشاريع باب المتوسط ومشروع المدن الرياضية ومطار النفيضة وميناء المياه العميقة. كما حققت تونس نجاحًا اقتصاديًا باهرًا على مستوى حجم استقطابها للمشاريع الاستثمارية الاجنبية على غرار مشروع quot;تونس بوابة المتوسطquot; التابع لشركة quot;سما دبيquot;الذي وصف بأنه مشروع القرن وتصل استثماراته إلى نحو 25 مليار دولار، فضلاً عنquot;بيت التمويل الخليجيquot; البحرينى الذي رصد نحو 3 مليارات دولار لبناء quot;مرفأ تونس المالي الدوليquot;.كما أعلنت مجموعة quot;بوخاطرquot; الإماراتية عن تنفيذ مشروع لإقامة مدينة سكنية وترفيهية ورياضية متكاملة على ضفاف بحيرة تونس الشمالية بمبلغ يقدر بنحو 5 مليارات دولار ،كما خططت شركتا quot;الدار العقاريةquot; وquot;صروح العقاريةquot; الإماراتيتان لاستثمار نحو 5.5 مليار دولار فى تطوير ضاحية أخرى من ضواحى تونس العاصمة من خلال مشروع سياحي وإسكاني، يتوقع أن تتجاوز قيمته النهائية 11 مليار دولار.
عبد الرؤوف المقدمي رئيس تحرير بجريدة الشروق التونسية ومهتم بالشؤون السياسية بيّن quot;لإيلاف quot; أن تونس كانت متهيئة منذ البداية لانعكاسات الأزمة الاقتصادية، علمًا أنها لم تتعرض في المستوى المالي لتبعات الأزمة المالية، وذلك لعدة أسباب منها أنها لم تجازف بتحرير الدينار وهو العملة الوطنية المعتمدة كما أنها غير مرتبطة ماليًا بالبنوك الأميركية والغربية التي أفلست وهذا لا يعني أن بعض القطاعات بمنأى عن الأزمة على غرار الصناعات التصديرية كقطاع الغيار وصناعة السيارات وقطاع النسيج والجلد والأحذية والمواد الغذائية. أما على المستوى السياحي يرى محدثي أنه لا توجد لحين اللحظة مؤشرات على تأثر تونس بالأزمة ولكن هذا لا يعني أن البلاد بمنأى عنها.

وفي ما يتعلق بصيرورة المشاريع الاستثمارية الأجنبية الكبرى لاسيما الخليجية منها في ظل الأزمة الراهنة، يرى المقدمي انه لا خوف من تأجيلها بسبب الأزمة، وقد أكدت هذه الأطراف الأجنبية المستثمرة في تونس خلال ندوات صحفاية أن استثماراتها لن تتأثر بالأزمة وهي ماضية قدمًا في استكمال خطواتها. أما بالنسبة إلى المشاريع الصغرى والمتوسطة فربما تتأثر ولو نسبيًا مع العلم أن الأزمات ليست ذات وجه واحد سلبي بل يمكن استغلالها ايجابيًا حيث تمثل فرصة لبعض الأطراف لا سيما عامة الشعب حيث قال جاك أتالي الرئيس المدير العام السابق للبنك المركزي الأوروبي، حين شهد العالم أزمة على مستوى أسعار القمح والسكر والقهوة والذرة أن الأزمة تمثل فرصة لصغار ومتوسطي الفلاحين وقد شاهدت بنفسي حصة تلفزيونية على الفرنسية الثالثة بعنوانquot;تحيا الأزمةquot;. كذلك هناك الشركات التجارية العالمية في مجال صناعة الملابس التي كانت في ما مضى تعمد التخلص من مخزونها من الألبسة المتبقية مع نهاية كل سلسلة، عن طريق حرقها لكنها الآن بعثت سوقًا شعبية تبيع خصيصًا ابرز ماركاتها العالمية باسعار شعبية .

وحول تبعات الأزمة وانعكاساتها على المشهد السياسي الداخلي يرى محدثي أن الوضع السياسي في تونس لن يتأثر بتبعات الأزمة باعتبار وجود حزب سياسي حاكم قوي جدًا واتحاد فلاحين ومنظمة أعراف صلبة، حيث تعيش البلاد منذ أكثر من عشرين سنة حالة وفاق وطني، فضلاً عن وجود خمسة أحزاب معارضة تعيش حالة وفاق قصوى مع السلطة، وهو ما يطمئن بتواصل حالة الاستقرار السياسي والاقتصادي على الرغم من الأزمات .
انتخاب اوباما رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة والذي اعتبره محدثي مفاجأة الموسم، أي رئيس دولة مؤسسات وخطط جاهزة لا تغير من استراتيجياتها بتغير رؤسائها بل تغير فقط في طرق تنفيذ هذه الاستراتيجيات، لن يكون له أي تأثير سلبي على مستقبل العلاقات السياسية الخارجية، ليس فقط مع اميركا بل مع كل البلدان. ويضيف: quot;سياستنا الخارجية واضحة وعلاقتنا مع أميركا واضحة لا للتدخل في شؤوننا ولا للتدخل في شؤونهمquot;، وهم يكرّرون في كل مناسبة أننا بلد صديق ونحن كذلك بالنسبة إلى أي بلد تجمعنا به مصلحة مضمونة وتونس تتمتع بدبلوماسية هادئة منذ زمن وليست لنا أي مشكلة مع أي بلد.

وفي سياق متصل اكد الأستاذ محمد الفريوي جامعي وخبير في الاقتصاد لإيلاف أن ميزانية الدولة التونسية لسنة 2009أخذت في الاعتبار تذبذب سعر البترول من حين لآخر لهذا فقد عمدت إلى تقسيم ثلاثي لثقل سعر النفط: تتحمله ميزانية الدولة من جهة والمواطن من جهة والسياسة المتبعة في تخفيض الاستهلاك من جهة ثالثة مشيرًا في الان نفسه أن الحكومة أبقت على سعر شهر جوان حين ارتفع سعر البرميل إلى حدود الـ 760 دولارًا، وباعتقادي ستتوخى الدولة بعد نزول سعره لما دون الـ 40 دولارًا لتعويد المستهلك على الانتفاع المباشر لمزايا السوق واعتقد انه بعد أن تم استرجاع ما وقع رصده من تجاوزات في سعر البرميل سيقع حتما التفكير في تخفيض السعر محليًا.

أما القطاع العقاري المتسبب الرئيس في اندلاع الأزمة في أميركا فيعتقد الفريوي أن تونس لا تخشى انهيار سوق العقار خلال السنة الجديدة نظرًا لتوخي الدولة لسياسة تمويل عقارات رصينة على غرار نظام سندات القروض الذي يخضع لشروط وضوابط محددة بحيث لا يجب أن تتجاوز قيمة القرض المسند 40 في المئة من نسبة الدخل المستفيد، كما أن الهيكل العقاري للبلاد التونسية مرتبط أساسًا بالنمو الديمغرافي، في حين يشهد النمو الديمغرافي في تونس تراجعًا ملحوظًا. محدثي لا يستبعد خلال السنة القادمة حدوث بعض الإجراءات الطارئة خاصة وأن 75 في المئة من اقتصاد البلاد مرتبط باقتصاديات الاتحاد الأوروبي الذي لحقته تبعات الأزمة بشكل واضح، وهو ما قد ينجر عنه تخفيض في نسبة التصدير للخارج وتسريح بعض العملة في ظل إغلاق بعض المؤسسات الأوروبية لمصانعها في تونس. لكن هذا الأمر لن يكون له التأثير الكارثي على اقتصاديات البلاد التي تعتمد على تنويع مصادر دخلها من قطاعات أخرى وهو ما يجعلها في وضع مطمئن مقارنة ببلدان مجاورة.
من جهة أخرى عقد الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية يوم السبت الفارط اجتماعًا لتدارس تأثيرات الأزمة على الاقتصاد التونسي، وأكد الهادي الجيلاني رئيس منظمة الأعراف عدم القدرة على استقراء تطورات هذه الأزمة ومآلها وخاصة كلفتها على اقتصاديات البلدان النامية، ولا سيما منها تونس. مبرزًا أن التطورات الأولية للوضع العالمي تشير إلى تحول هذه الأزمة من القطاع المالي إلى الاقتصاد الحقيقي، حيث تراجعت أرقام مبيعات السيارات في أميركا وأوربا، وأكد رئيس المنظمة أن إمكانيات تجاوز تونس مصاعب الأزمة المالية موجودة عبر التحكم فى الكلفة والرفع من الإنتاجية والتحكم في الجودة وهي مسؤولية الجميع من عمال وإدارة وأصحاب أعمال. الجيلاني لم يخفِ التخوف الذي وصفه quot;بالمنطقيquot; في أن تكون لهذه الأزمة في حال تواصلها انعكاسات على 3 قطاعات في تونس، وهي قطاعات السياحة وصناعة قطع غيار السيارات والنسيج. مشيرًا إلى ان الاتحاد على المستوى المركزي وبالاعتماد على الجامعات والاتحادات يعمل على متابعة الأوضاع فى كامل الجهات.

وفي إطار الإجراءات الحكومية المتخذة على ضوء تصاعد وتيرة الأزمة بادرت تونس بتعليمات من الرئيس زين العابدين بن علي بإحداث لجنة يقظة لمتابعة الأزمة المالية العالمية، وستتولى الخلية التي عهد البنك المركزي التونسي الإشراف عليها مراقبة تطور الأسواق المالية العالمية عن كثب، قصد التدخل في الوقت المناسب واتخاذ القرارات اللازمة بما يحافظ على مكاسب الاقتصاد الوطني. كما تم إحداث لجنة للتقييم إلى جانب اتخاذ العديد الإجراءات سواء على مستوى التصرف في الاحتياطي من العملة الصعبة للبلاد أو على مستوى القوانين المنظمة لقروض السكن.
*تصوير أمال الهلالي