واشنطن: في الوقت الذي يتأزم فيه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على خلفية الضربات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة الأسبوع الماضي والمستمرة إلى يومنا هذا، دعت عديدٌ من القيادات السياسية والشعبية العربية والإسلامية إلى تجميد العلاقات مع الجانب الإسرائيلي، والإعلان العربي عن رفض مبادرة السلام العربية التي ترفضها إسرائيل والتي لم تلتزم بها.

وفي مقابل موجة الرفض العربي للمبادرة العربية وغياب رد فعل أوباما وأعضاء إدارته على تلك الأحداث الدموية دعت دراسة نشرتها دورية quot;رؤى استراتيجية التي يصدرها مركز الصراعات المعاصرة إلى ضرورة عمل الإدارة الأميركية الجديدة بقيادة أوباما التي ستتولى مهامها دستوريًّا في العشرين من الشهر الحالي على إقناع أطراف الصراع بضرورة الالتزام الأميركي بالمبادرة، معتبرة أنها أداة رئيسة للتفاوض من أجل التوصل لاتفاق سلام ينهي ستين عامًا من الصراع العربي - الإسرائيلي.

ضرورة الاهتمام الأميركي بالمبادرة العربية

وحذرت الدراسة التي كبتها الدكتور ألون بن مائير تحت عنوان quot;تسوية المبادرة العربية مع إسرائيل مطلب أساسي للسلام من أن تجاهل تلك المبادرة يبعث برسالة خطيرة للدول العربية التي شاركت في مؤتمر أنابوليس مفادها أن كلاًّ من واشنطن وتل أبيب ليستا على استعداد للعمل على إنهاء 60 عامًا من الصراع العربي الإسرائيلي والذي تستغله الجماعات الإسلامية المتطرفة في زيادة نفوذها وتجنيد مزيدٍ من الأعضاء.

ويُضعف مواقفها في التصدي للجماعات الإسلامية المتطرفة. ووصفت الدراسة مبادرة السلام العربية بأنها أهم تحرك يأتي من العالم العربي منذ إعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948. كما رأت أن المبادرة التي أطلقتها القمة العربية التي عُقدت في بيروت عام 2002 وإعادة إقرارها في القمة العربية التي عقدت في الرياض عام 2007 وعد صريح من العرب بالسلام مع إسرائيل من جانب، كما أنها من جانب آخر، تُساعد في القضاء على المتطرفين الإسلاميين الذين ينتشرون في الشرق الأوسط ويهددون كلاًّ من إسرائيل والدول العربية ذاتها.

وتطالب المبادرة إسرائيل بالموافقة على الانسحاب من الأراضي التي احتلتها بعد عام 1967، والتوصل لحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين والقبول بقيام دولة فلسطينية على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة يكون عاصمتها القدس الشرقية.

وتعتبر الدراسة أن المطالب العربية في المبادرة تتوافق وجوهر المبادئ الأمنية الأربعة لإسرائيل أولها : تأكيد الأمن القومي الإسرائيلي الحفاظ على الأراضي الإسرائيلية، وثانيها : التأكيد على استمرارية الهوية اليهودية، وثالثها بقاء القدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل، والمبدأ الأخير يتمثل في إقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية.

الوضع الإقليمي والمبادرة

وتناولت الدراسة الوضع الإقليمي الذي تمخضت عنه المبادرة، فتقول : إن إعادة تنبي المبادرة في قمة الرياض 2007 جاء في أجواء مختلفة تمامًا عن قمة بيروت 2002 التي شهدت إطلاق المبادرة. ففي 2002 لم تكن الساحة الإقليمية تشهد توترًا سوى أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية كانت في أوجها. ولكن الوضع الإقليمي في عام 2007 تغير حيث تم احتلال العراق، وظهر بقوة التطلع الإيراني الإقليمي وطموحها في الحصول على أسلحة نووية. كما اندلع الصراع بين الجماعات السنية والشيعية ليهدد أمن المنطقة، وأصبحت الحركات quot;الجهادية العالميةquot; والجماعات quot;التكفيريةquot; أكثر طموحًا ونفوذًا وعنفًا.

وترى الدراسة أنه مع التوترات الإقليمية في المنطقة أصبح السلام مع إسرائيل ضرورة ملحة للقادة السنة العرب الذين يتطلعون للعمل مع إسرائيل لتحجيم الطموح الإيراني الإقليمي والنووي والتصدي للإسلاميين المتطرفين الذين يستغلون الصراع العربي الإسرائيلي في زيادة نفوذهم. وأصبح أيضًا السلام مع سوريا أمرًا ملحًّا لتدعيم تلك الجبهة السنية. ولذلك تعطي مبادرة السلام العربية فرصة تاريخية لتحقيق السلام الدائم والشامل بين إسرائيل وجميع الدول العربية. وفي هذا السياق تشير إلى ما قاله الدكتور مروان المعشر وزير الخارجية الأردني الذي قال: quot;إن المبادرة لا تعطي إسرائيل السلام مع جيرانها فقط، ولكن مع جميع الدول العربيةquot;.

وترى أن نجاح المبادرة يرتبط بمدى كون العرب والإسرائيليين حريصين في التعامل مع بعض التصورات السائدة في هذا الصراع والتي يتم التعامل معها على أنها من المسلمات والحقائق. وفي الوقت ذاته ترى أنه يجب تجاهل بعض الحقائق الموجودة على الأرض والتي لا يقدر على تغييرها لا الأحوال ولا الوقت . كما أن الجانبين لن يتمكنا من الوصول للسلام الحقيقي إذا لم يبديا المرونة الكافية لإيجاد حل للقضايا الرئيسة المستعصية عن الحل. ويبدأ ذلك حسب الدراسة من اعتراف الجانبين أنها ليست فرصة فريدة للسلام فقط ولكنها تاريخية أيضًا لمحاولة الاستفادة من التغيرات الإقليمية وتحول الخريطة السياسية في المنطقة الناجمة عن احتلال العراق وصعود الطموح الإيراني وتحقيق السلام.

الرد على التحفظات الإسرائيلية

وفي الدارسة ينتقل كاتبها quot; ألونquot; للرد على التحفظات الإسرائيلية رافضًا ما يذهب إليه كبار المسئولين الإسرائيليين من أن مبادرة السلام العربية غير متوازنة لأنها لا تحمل المطالب الإسرائيلية، حيث يعتبر بن مائير أن المبادرة تقدم إطارًا للسلام مع إسرائيل ولكن على المتفاوضين صياغة هذا الإطار بما يؤدي إلى سلام شامل بين الجانبين.

كما يشتكي بعض الإسرائيليين أيضًا من أن المبادرة لا تحوي سوى لغة عامة غير قابلة للتطبيق، ويرد مائير بأن المبادرة تقدم رؤية للسلام أكثر من أنها خطة عمل أو مجموعة من المطالب غير قابلة للتنفيذ. وتضرب الدراسة بديباجة المبادرة كمثال على ذلك، فهي لا تستند فقط لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي ترفضه إسرائيل، ولكن إلى قراري مجلس الأمن 242 و338، وكلاهما قبلته إسرائيل واستخدمتهما في مفاوضات السلام التي عقدتها الدولة العبرية مع مصر والأردن. وترى الدراسة أن إسرائيل بحاجة إلى التركيز على الجوانب الإيجابية في المبادرة بدلاً من التركيز على الجوانب السلبية.

الرد على تحفظ الأمن القومي الإسرائيلي

وتفند الدراسة أولى التحفظات الإسرائيلية والتي ترى أن المبادرة تهدد أمنها القومي، حيث تطالبها بالانسحاب الكامل من الأراضي التي احتلتها منذ عام 1967، ويشمل ذلك هضبة الجولان السورية، والأراضي بجنوب لبنان، والعودة إلى خط 4 يونيو 1967. وترى الدراسة أن جميع اتفاقات السلام السابقة التي وقعت بين الإسرائيليين والفلسطينيين وكذلك بين إسرائيل ومصر والأردن حملت أفكارًا عديدة لتطبيق ذلك.

وإذا كانت تل أبيب تربط مناقشة أيِّ انسحاب من الأراضي بأمنها القومي، فإن الدول العربية تربط خط 4 يونيو 1967 باعتباره حدًّا لإسرائيل، وأنه بجانب ذلك ليس من حق إسرائيل الانسحاب من جانب واحد، وأن هذه الخطوة تتطلب التفاوض والتنسيق بشأن الحدود.

وتحاول المبادرة وضع إطار توفيقي لهذه النقطة، حيث تطالب الجانبين بإبداء المرونة لإنشاء حدود آمنة ومعترف بها على أساس القرار 242، مع الأخذ في الاعتبار بعض الحقائق الصعبة على الأرض بما في ذلك المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، حيث ستضر إسرائيل بمبادلة بعض الأراضي مقابل الوصول لحدود معترف بها في نهاية المطاف. ويؤكد مائير أن التاريخ أثبت فشل فكرة أن الاستيلاء على الأراضي هو مصدر الأمن القومي الإسرائيلي، فعلى مدار الأربعين عامًا الماضية فشلت إسرائيل في تعزيز أمنها بالاستيلاء على الأراضي وانسحبت من قطاع غزة ومن جنوب لبنان.

وردًّا على الذين يقولون إن الانسحاب من الأراضي كما في غزة وجنوب لبنان سمح بمرحلة تحول جديدة من العنف ضد إسرائيل، أشار مائير إلى أن إسرائيل لم تنسق مسبقًا من أجل إتمام عملية انسحاب تسمح بتعزيز العلاقات. وببساطة يمكن القول إن العرب لن يعقدوا سلامًا بدون استعادة تلك الأراضي المحتلة. وفي نهاية المطاف فإن الإسرائيليين عليهم أن يختاروا بين السلام أو الأرض، ولكن ليس بإمكانهم الحصول على الاثنين معًا.

وعلى الجانب الآخر تطالب الدراسة الدول العربية التي مازلت بعض أراضيها محتلة مثل سوريا وفلسطين إبداء المرونة في المفاوضات مع إسرائيل، حيث لا يمكن استعادة خط 1967 بالكامل كما كان قبل كل هذه السنوات، وأيضًا على الدول العربية مراعاة الهواجس الأمنية لإسرائيل وأخذها بعين الاعتبار.

عدم التشدد في حق العودة

تنص المبادرة على مطالبة إسرائيل بـquot;إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتم الاتفاق عليه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، وهو ما ترفضه تل أبيب وتعتبره يقوض الهوية اليهودية لدولتها.

وفي هذا السياق تنتقد الدراسة القيادات العربية والفلسطينية التي اختلقت ما وصفته بـquot;أسطورة حق العودةquot; التي ظهرت فقط في الثمانينيات من القرن الماضي. وتقول الدراسة: quot;إن إسرائيل لن تقبل بعودة هذا العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين لأنه سيكون بمثابة انتحار سياسي لهاquot;، وهذا ما يفسر سبب رفضها للقرار 194.

من جانب آخر فإن عديدًا من اللاجئين الفلسطينيين تم استيعابهم في عديد من الدول العربية، وهذا ما يجعل التعامل مع تلك القضية بمثابة التعامل مع حفريات متجمدة، بحسب وصف الدراسة. وحول سبل التوافق لإيجاد حل نقل quot;مائيرquot; تصريح quot;نبيل فهميquot;، سفير مصر الأسبق في الولايات المتحدة، حيث قال: quot;إن إسرائيل لن تقبل بحق العودة وأن الحل يكمن في إعادة توطين الفلسطينيين أو التعويض، وتأجيل هذه القضية وعدم إيجاد حل لها لن يجلب أي سلام خلال المفاوضات مع إسرائيل، وما يريده العرب أن تعترف إسرائيل أولاً بأن هناك مشكلة اسمها اللاجئون الفلسطينيون وبعد ذلك تثبت أنها جزء من الحل وليس المشكلةquot;.

ولكن الدراسة ترى أن قبول عودة هذا العدد الكبير من اللاجئين الفلسطينيين ليس جزءًا من الحل، وتضرب الدراسة مثالا على المخاوف الإسرائيلية من تلك الخطوة برفض لبنان توطين 40 ألف لاجئ فلسطيني لديها. وبرر quot;فريد عبودquot;، السفير اللبناني الأسبق في واشنطن، للدراسة أسباب ذلك بأن توطين اللاجئين الفلسطينيين يغير من التركيبة الديمغرافية لبلاده وأشار أيضًا إلى النزاع المسلح الذي وقع في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين في لبنان عام 2007 وكاد يدفع بالبلاد نحو حربٍ أهلية.

ومن جانب آخر، فإنه وبدون عودة اللاجئين الفلسطينيين فإن يهودية الدولة العبرية تواجه تهديدًا داخليًّا حيث إن الفلسطينيين الذين يعيشون فيها أكثر إنجابًا من الإسرائيليين بواقع 3 إلى 1، وبذلك فإنه وفي غضون 3 أو 4 أجيال سيكون الإسرائيليون أقلية في دولتهم.

مستقبل القدس في ظل المبادرة

عاجلاً أم أجلاً ستقبل إسرائيل بالدولة الفلسطينية، ولكن الخلاف في هذا الشأن يكمن في أن المطلب بأن تكون القدس الشرقية عاصمتها، وفي مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 كان الاقتراح أن يكون الجزء العربي فقط من القدس الشرقية هو عاصمة الدولة الفلسطينية، وهو ما يرفضه أولمرت الآن وبعض القيادات السياسية الإسرائيلية.

وتمثل القدس مكانًا مقدسًا للفلسطينيين، ففيها المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة وهما في الجزء الشرقي منها، وبالنسبة لإسرائيل بها جبل الهيكل. وفي مفاوضات طابا اتفق كلا الجانبين على مبدأ الاعتراف بسيطرة إسرائيل على الحائط الغربي على الرغم من وجود خلاف تخطيط المنطقة التي يوجد بها الحائط. ورغم المشاكل والخلافات الشائكة في تلك القضية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي فإن هناك شعورًا قويًّا بإمكانية التوصل إلى حل. وتشير الدراسة أيضًا إلى أنه بالرغم من أنه لم يتم التوصل إلى اتفاق حول الخط السياسي لتقسيم القدس إلى شرقية وغربية إلا أنه في مفاوضات طابا تم الاتفاق على أن تكون القدس عاصمة الدولتين، أورشليم لإسرائيل، والقدس لفلسطين.

التطبيع أولاً أم لاحقًا ؟

تتحدث المبادرة العربية عن التطبيع مع إسرائيل بعد التوصل لاتفاق سلام شامل، ولكن السلام الذي تتطلع إسرائيل إليه ndash; بحسب الدراسة ndash; هو التطبيع بين الشعوب، حيث إنه من خلال تجربتها مع مصر فإن الدوائر الشعبية والقوى الانتخابية وخاصة الإسلاميين المتشددين لا يرفضون فقط السلام مع إسرائيل بل فكرة وجود إسرائيل ذاتها.

لذلك تطالب إسرائيل بانفتاح تجاري وثقافي وسياحي واقتصادي مع الدول العربية، ولكن إجراءات إعادة بناء الثقة هذه ستستغرق وقتًا طويلاً لذلك تدعو الدراسة إلى إطلاق عملية التطبيع بمجرد بدء المفاوضات النهائية، وأن تثبت الدول العربية في المقابل أن لديها القدرة على كبح جماح الجماعات الإسلامية لديها مثل حزب الله وحركة حماس.

أميركا والمفتاح السوري

وفي خاتمتها تطالب الدراسة الولايات المتحدة بأن تتبنى وبقوة هذه المبادرة لأنها ستؤدي لأحداث تغيير جذري في مستقبل الشرق الأوسط، ولأن الدول العربية هي التي أطلقتها، وليست قوى أخرى وبالتالي ستنظر إليها تلك الدول بإيجابية وستتحمل هي مسؤولية نجاحها وفشلها. وترى أيضًا أن سوريا لها دور أساسي في أي حل شامل للصراع العربي - الإسرائيلي وذلك للأسباب التالية:

بدون سلام مع سوريا ستظل الحدود الشمالية لإسرائيل غير آمنة.

السلام مع سوريا سيؤدي لتمهيد طريق إسرائيل أمام إقامة علاقات طبيعية مع لبنان نظرًا للنفوذ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي السوري في ذلك البلد.

سوريا لها دور تأثيري على الفصائل الفلسطينية .

سيكون لسوريا دور في تقويض الطموح النووي الإيراني، وذلك عن طريق إبعادها عن إيران.

تستطيع سوريا أن تلعب دورًا مهمًّا في استقرار العراق.

سيكون لسوريا دورًا مهمًّا في الحرب على الإرهاب ومكافحة الجماعات الإسلامية المتطرفة والسيطرة على العناصر الإسلامية الراديكالية.