لمواجهة تحفظات عربية على التدخل الإيراني والنفوذ الشيعي
المالكي لطمأنة الجوار ودعوة العرب إلى إعادة تقييم أوضاع بلاده
أسامة مهدي من لندن: يسعى رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من خلال زيارات اخيرة لتركيا وايران إلى طمأنة مخاوف دول الجوار من الإتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة وتكرار تأكيدات في عاصمتي البلدين ان بلاده لن تسمح باستخدام اراضيها ضدهما، في الوقت الذي يحاول فيه تبديد مخاوف العرب من الأوضاع الجديدة في العراق من خلال دعوات بالاستماع الى حكومته وليس للمعارضين لها واعادة تقييم لها.
ففي بحر اسبوعين زار المالكي تركيا وايران وقام نائب الرئيس طارق الهاشمي بجولة شملت تركيا ولبنان وسوريا في الوقت الذي سيزور فيه دولاً خليجية قريبًا، إذجرى التركيز خلالهما على رغبة عراقية في الانفتاح نحو جيران العراق وquot;اشقائهquot; في الدول العربية التي ما زال العديد منها متحفظًا على علاقات متطورة مع العراقيين وخاصة دول الخليج منها .
وخلال زيارته لطهران التي انتهت اليوم، أكد المالكي ان حكومته لن تسمح بأن يستخدم العراق قاعدة لتهديد جيرانه ونقطة انطلاق لتهديد أي دولة. وقال quot;ان الحكومة العراقية لم تخضع لأي ضغط باتجاه اي بلدquot; مؤكدًا ارادة الحكومة العراقية في تطبيق دستور البلاد الذي يؤكد ان العراق لن يكون مجالاً لنفوذ اي طرف اقليمي او دولي. واضاف quot;ان العراق لن يمارس اي لون من الوان العزلة واثارة التشنجات في المنطقةquot;، مؤكدًا quot;ان العراق وايران وتركيا وسوريا ستبقى دولاً متجاورة تتمتع بعلاقات بينية مبنية على اساس الاحترام المتبادلquot;. وشدد على ان القرار المعتمد من قبل الحكومة العراقية هو البحث عن حلول للمشاكل والاستحقاقات الموروثة من النظام السابق من حروب ومياه ونفط وغيرها.
وخلال اجتماعه مع الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد وصف المالكي ايران بأنها quot;الشريك الأهم والافضل للعراق في مختلف أوجه التعاون الثنائيquot;، معربًا عن أمله في أن تصل العلاقات بين البلدين الى مستواها ومكانتها المناسبة. وقال إن الظروف الراهنة تستدعي بأن يفتح العراق باب تنمية مجالات التعاون الاقتصادي والسياسي مع الدول المجاورة التي تربطه مصالح مشتركة كبيرة معها وبخاصة إيران. وأضاف المالكي أن العراق quot;يتابع مسار تعزيز وتنمية العلاقات أكثر فأكثر مع دول الجوار وبخاصة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانيةquot;، مؤكدًا أن التعاون بين البلدين من شأنه أن يساهم بشكل مؤثر في حل الكثير من أزمات المنطقة.
وقد رد نجاد على ذلك معتبرًا أن التعاون الاقليمي quot;أمر مهم لإقرار السلام وإرساء الاستقرار والامن في المنطقة، مضيفًا أن طهران تشعر بالارتياح لأن العراق يخطو خطوات كبيرة نحو التطوّر والعمران والازدهار. ودعا الى تنمية العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات وبخاصة في مجال الاستثمارات والتجارة. واشار الى ان إيران quot;جار كبير وهي أفضل وأهمّ شريك للعراق في جميع مجالات التعاونquot; معربًا عن أمله في أن ترقى العلاقات بين البلدين الى حجمها وشكلها المطلوب. وأكد أن جهود وإمكانيات البلدين لتنمية العلاقات الثنائية بينهما quot;كبيرة وواسعةquot; مضيفًا أن البلدين quot;قادران ومن خلال إرادة وتدبير قادتهما أن ينميا ويعززا علاقاتهما وان يرفعا حجم التبادل التجاري بينهما في مختلف المجالات وبسرعة كبيرةquot;.
ومن اجل بناء علاقات امنية افضل مع تركيا وايران فإن المالكي يشدد على ان العراق لن يسمح لأي جهة إرهابية بالاضرار بعلاقاته مع الحكومات المجاورة، مشيرًا الى منظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة التي لها معسكر فوق الاراضي العراقية يضم 3500 عنصر وحزب العمال الكردستاني الذي يسعى لإقامة دولة في جنوب شرق تركيا وكذلك حزب الحياة الحرة لكردستان التابع لحزب العمال الكردستاني والذي يقاتل القوات الايرانية. وكان موضوع حزب العمال وضرورة العمل المشترك للتصدي لعملياته العسكرية المنطقة من شمال العراق ضد اهداف تركية محور مباحثات المالكي في انقرة مع الرئيس عبد الله غول ورئيس وزرائه طيب رجب اردوغان .
وجاءت زيارة المالكي الى إيران وهي الرابعة له منذ تولية رئاسة الحكومة العراقية عام 2006 والثالثة الى انقرة في وقت تريد الدولتان من العراق تعاونًا اكبر .. حيث ينتظر الايرانيون وفاء الحكومة العراقية بتعهدها بطرد منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة من العراق مثلما ينتظرون مزيدًا من التطمينات بشأن الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن التي دخلت حيز التنفيذ اول العام الالي... بينما يتطلع الاتراك الى تفعيل نشاط اللجنة الثلاثية العراقية التركية الاميركية لمواجهة الاعمال الارهابية لحزب العمال.
لكن طهران تطمع في الاكثر من ذلك حيث اكدت ان احد مجالات تعزيز العلاقات بينها وبين بغداد هو تسوية القضايا العالقة بين البلدين والناجمة عن الحرب التي قالت ان quot;العراق شنها ضد الجمهورية الاسلاميةquot; على حد قول عضو لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الايراني حشمت الله فلاحت بيشه في تصريح لوكالة مهر الايرانية للانباء عشية زيارة المالكي . واشار الى ضرورة توفير الارضية لترسيخ العلاقات بين ايران والعراق وقال quot;ان احد مجالات توطيد العلاقات الثنائية في المرحلة الجديدة هو تسوية القضايا العالقة الناجمة عن السنوات الثماني للحرب المفروضةquot;. واضاف quot;نتوقع من الحكومة العراقية العمل على تقديم وثائق جرائم عدوان صدام على ايران واعداد قائمة كاملة بأسماء الشركات الاجنبية التي زودت صدام بالاسلحة الكيماوية، واسلحة الدمار الشاملquot;. واوضح قائلا quot;ان محاكمة صدام لم تكن محاكمة كاملة بسبب عدم ذكر شكوى ايران في لائحة الاتهام ونتوقع من الحكومة العراقية تلافي هذه الثغرةquot;. وعن زيارة المالكي قال quot;ان هذه الزيارة التي تأتي بعد المصادقة على الاتفاقية الامنية بين العراق واميركا، تحظى بأهمية خاصة وان احد هواجس المالكي هي الاجابة على هواجس ايران بشأن هذه الاتفاقيةquot;.
واذا كانت محاولات المالكي لفتح افاق التعاون مع الجارين الشرقي والشمالي فإنها ما زالت تجد عقبات امام انفتاح مماثل مع quot;الدول العربية الشقيقةquot; . فعلى الرغم من اعادة فتح الاردن وسوريا والامارات والبحرين والكويت لسفاراتها في بغداد الى ان علاقات العرب مع العراق ما زالت دون المستوى. ولم تتعدَّ هذه العلاقات المجاملات الرسمية والبروتوكولية التي يرى مراقبون للوضع العراقي ان معظمها جاء بدفع اميركي .
فالدول العربية ما زالت مترددة في الانفتاح على العراق لسببين رئيسين اولهما النفوذ الايراني الكبير في العراق وتأثيره على علاقات هذا البلد على حساب علاقاته مع quot;الاشقاءquot;. فالعرب ينظرون بعدم ارتياح لهذا النفوذ وتأثيراته على القرار العراقي وخاصة في اوساط الحكومة ومجلس النواب الذي يحمل العديد من اعضائه الجنسيات الايرانية ومتهمون بتنفيذ اجندات ايرانية. كما تنظر حكومات عربية بنوع من القلق لسيطرة الأحزاب الشيعية على الحكم في العراق للمرة الاولى في تاريخه الحديث وسط محيط سني متوجس من امكانية تحريض الاقليات الشيعية فيها مشيرين بهذا الصدد الى الاحداث المقلقة التي شهدتها البحرين بين قوى شيعية والسلطات فيها بين الحين والاخر .
ويضاف الى هذه الاسباب عوامل اخرى من بينها مشاركة quot;مقاتلينquot; عرب في التنظيمات الاسلامية المسلحة العاملة في العراق والتي يطلق عليها العراقيون بالارهابية ويرون ان الدول العربية لا تفعل ما يجب عليها فعله من اجل وقف تدفقهم على العراق خاصة بعد سقوط النظام السابق وتنفيذهم لعمليات مسلحة راح ضحيتها الالاف من العراقيين الابرياء.
ومن الواضح ان المالكي مدرك لحقيقة هذه المخاوف محاولاً العمل على تبديدها او على الاقل التخفيف منها، مؤكدًا بين الحين والاخر رغبة حكومته في تمتين علاقاتها مع العرب وانفتاحها عليهم .
وبهذا الصدد فقد اكد المالكي قبل يومين من مغادرته الى طهران خلال اجتماعه مع سفير الجامعة العربية في بغداد هاني خلاف quot; نشعر بالسعادة لزيارة اي مسؤول عربي الى العراق فنحن نريد توطيد العلاقات مع جميع الدول العربية ونريدها ان تكون حاضرة في بلدناquot;. واضاف فيما وصف بأنها اشارة متعمدة قائلاً: quot;لقد سيطرنا على الاوضاع وتخلصنا من الطائفية وعززنا الوحدة الوطنية ونواصل فتح آفاق التعاون مع اخواننا العرب خصوصًا في عمليات البناء والاعمار والاستثمار. مؤكدًا اهمية العمق العربي للعراق على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافيةquot; .
وشدد المالكي على رغبه حكومته في ان يعيد العرب اعادة تقييم اوضاع بلاده قائلاً quot;ونريد من الدول العربية ان تعيد تقييمها لما يجري من تحولات مهمة وان يسمعوا من الحكومة العراقية وليس من اطراف معادية للعملية السياسية والتجربة الديمقراطية والتي لا تريد للعراق ان يتقدم ويستعيد مكانتهquot;.
ومن الواضح ان علاقات العراق العربية تحتاج الى تحرك فاعل من طرفيها العراقي بطمأنة العرب بأن علاقاته مع ايران لن تكون على حساب علاقاته معها وانه يحاول الحد من نفوذها على شؤونه وعدم السماح لها بالتدخل في خياراته... وان يتقدم العرب من جانبهم نحو العراق من دون تردد وتراكمات مسبقة وان يضعوا اسسًا لعلاقات مبنية على التفاهم وعدم التدخل في شؤون الطرف الاخر وادراك ان الشعب العراقي يتشكل من غالبية شيعية اوصلت القوى الشيعية الى سدة الحكم في انتخابات تؤكد انها ديمقراطية وتعبر عن رأي الأغلبية على الرغم من التحفظات التي تبيدها قوى اخرى على ذلك...
التعليقات