باريس: يبدو أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي إنتخب قبل نحو عامين بعد أن قطع وعودا بإجراء تغييرات جذرية في فرنسا قد فقد حماسه الإصلاحي خوفا من صراع اجتماعي وصعوبات اقتصادية. وعلى الرغم من احتفاظه بنشاطه المفرط الذي يميزه كبح الرئيس فجأة جماح جدول أعماله الاصلاحي حيث أرجأ تغييرا لنظام المدارس الثانوية وتحرير قوانين فتح المتاجر ايام الاحاد الذي وعد به منذ فترة طويلة. ويقول فرانسوا ميكيه مارتي رئيس معهد فيا فويس لاستطلاع الرأي quot;انتقل من الرغبة في التغيير الى السعي للحماية... المستقبل يبدو خطيرا بشكل خاص ونيكولا ساركوزي يتخذ موقفا دفاعيا.quot;

وعلى غرار معظم الدول المتقدمة خرج اقتصاد فرنسا عن مساره في الربع الاخير من عام 2008 ويبدو من المستبعد أن يعود الى مساره الصحيح حتى النصف الثاني من عام 2009 على الاقل. واستطاع ساركوزي تمرير مجموعة من الاصلاحات المهمة بعد توليه مهام منصبه مباشرة عام 2007 حيث قام بتحسين النظام الجامعي عتيق الطراز ووضع نهاية لامتيازات التقاعد لمجموعة كبيرة من موظفي القطاع العام.

وفي البلاد التي يعرف عنها مقاومتها للتغيير كثيرا ما تمكن من اضافة السكر الى الدواء بتقديم تنازلات مكلفة لكن هذا السخاء مستحيل في فترة تتسم بفرض قيود على الميزانية. ويبدو أن الناخبين الذين أثارهم الوعد الذي قطعه خلال حملته الانتخابية عام 2007 quot;بالتغييرquot; وquot;الاختلاف عن الماضيquot; أقل رغبة في تبني اصلاح في وقت كهذا حيث يفضلون التشبث بالراحة التي توفرها دولة سخية وتميل الى التدخل لحل المشكلات.

وقال فيليب مانيير رئيس مؤسسة فوتبرينت كونسالتانتس للاستراتيجية quot;الفرنسيون لا يحبون التغيير بشكل عام ويكونون اكثر احجاما عنه خلال الازمة وفوق كل هذا ليس نوعية التغيير الذي تحتاجه فرنسا مثل خفض الانفاق الحكومي.quot;

وجاء أول تراجع كبير لساركوزي نهاية العام الماضي حين سحب بسرعة خططا لتحديث نظام المدارس في مواجهة مظاهرات طلابية متزايدة. وتميل احتجاجات الطلبة الى الخروج عن نطاق السيطرة في فرنسا ومن الواضح أن ساركوزي كان قلقا من خطر الاصابة بعدوى مظاهرات الشبان التي هزت اليونان الشهر الماضي. وقللت الحكومة في هدوء من حدة خطط مثيرة للجدل لخفض أعداد المدرسين في نظام التعليم الذي تعمل به أعداد كبيرة من المعلمين.

وقال ساركوزي لمجموعة من الصحفيين الاسبوع الماضي quot;فرنسا واحدة من أصعب البلاد التي يمكن أن يحكمها المرءquot; مسترجعا الثورة الفرنسية التي وقعت في اواخر القرن الثامن عشر. وأضاف quot;لويس السادس عشر مع زوجته الشابة كان واحدا من اكثر الملوك المحبوبين لعشر سنوات. انتهى بهما المطاف بقطع رأسيهما.quot; ويقول محللون سياسيون ان ساركوزي يجب أن يكون اكثر قلقا من مصير سلفه جاك شيراك.

وعلى غرار ساركوزي تولى شيراك سدة الرئاسة وهو يعد بمجموعة من المبادرات لكنه تخلى عن معظم جدول أعماله الاصلاحي بعد أن رضخ لاحتجاجات الشوارع بعد مرور بضعة اشهر على توليه منصبه عام 1995 . وقال جان توما ليزيور رئيس مؤسسة توماس مور البحثية في باريس quot;ساركوزي يشبه شيراك ربما بدرجة اكبر مما هو معتقد.quot; وأضاف quot;على غرار شيراك ليست لديه رؤية ايديولوجية شديدة الوضوح. انه ليس ثاتشر (اشارة الى مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا سابقا) فرنسيا. لا أظن أنه يحب الافكار الكبيرة. انه لا يثق بها. هو براجماتي لكنه ليس مفهوما بشكل جيد.quot;

ويؤكد مسؤولون حكوميون أن ساركوزي مستمر في برنامجه الخاص بالتجديد مجادلين بأن الاصلاحات يجري تعديلها بدلا من رفضها. كما أشاروا الى المشاريع التي أعلن عنها لعام 2009 مثل اجراء تغييرات كبيرة للنظام القضائي كدليل على أن ساركوزي لم يفقد حسه الاصلاحي. وقال وزير بالحكومة طلب عدم نشر اسمه quot;الرئيس لا يريد أن يتعجل الشعب الفرنسي. سيحاول المضي قدما حيث يعتقد أنه يستطيع احراز تقدم.quot;

لكن معارضين استغلوا بدايته المترددة لعام 2009 . وعلى الرغم من كشفه النقاب عن سياساته الجديدة التي يروج لها يقولون ان مسودات القوانين التي واجهت عقبات كثيرة عام 2008 ما زالت قابعة في البرلمان مثل مشروع لتشجيع التنمية المستديمة. وقال فرانسوا بايرو زعيم تيار الوسط quot;ما ان تم الاعلان عنها حتى طغت على اصلاحاته اصلاحات مترتبة عليها دون أن يبحث أحد ليرى ان كانت (الاصلاحات) السابقة قد طبقت او ان كانت تتمتع بأدنى احتمال للتطبيق.quot;

في الوقت نفسه يحافظ ساركوزي على أسلوبه الدائم الذي ينطوي على المزج بين المبادرات الدولية الكبرى مثل محاولته الاسبوع الماضي انهاء القتال في غزة والكثير من الكلمات التي يلقيها في أنحاء فرنسا ويحدد فيها الخطوط العريضة لبرنامجه الداخلي. ويقول وزراء انه يعتزم اعادة تشكيل البيروقراطيات الادارية المحلية وتغيير هياكل ادارة المستشفيات وطرح مجموعة جديدة من السياسات الصديقة للبيئة.

ويرجح الا تؤثر كل هذه الاصلاحات على الميزانية. اما خفض الانفاق الحكومي الهائل الذي يقول محللون ان على فرنسا المثقلة بالديون التعامل معه فيبدو من المؤكد أنه سيتم ارجاؤه. وقال ليزيور من معهد توماس مور quot;أشك أننا سنرى اصلاحا ذا مغزى طموحا او عالي الجودة خلال فترة (تشهد) أزمة اقتصادية وقيودا على الميزانية.quot;