واشنطن: مع تعدد الأطراف والفواعل الإقليمية المختلفة المنخرطة بصورة أو بأخرى في الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، تعددت رؤى الإعلام الأميركي لهذه القوى ودورها في الصراع الدائر الآن، وهى رؤى لا تنفصل في كثير من الأحوال عن الرؤى الرسمية التي تطرحها النخب الرسمية في الإدارة الأميركية الحالية. وفى هذا السياق جاءت متابعات الإعلام الأميركي هذا الأسبوع راصدة دور ما يسمى بقوى التشدد الرافضة لسياسات الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة.
سوريا وتجنب استعداء الإدارة الأميركية الجديدة
أكد تقرير نقلته شبكة ABC أن سوريا ردت على الاجتياح الإسرائيلي لغزة بكلمات حادة للغاية، معبرة عن رفضها القاطع لما تقوم بها إسرائيل. بالإضافة إلى إظهارها الدعم الكامل لحركة حماس في مواجهتها quot;المصيريةquot; مع إسرائيل، ولكنها كما يقول التقرير لم تُقدم أكثر من الدعم اللفظي، الذي لم يتحول إلى اتخاذ إجراءات ملموسة على أرض الواقع.
ولفت التقرير الانتباه إلى أن دمشق لا تريد أن تتخذ موقفًَا متشددًا في ظل الأحوال الحالية، مع انتهاء فترة حكم الرئيس الأميركي جورج بوش ، فهي لا تريد أن تتخذ إجراءات من شأنها زيادة وتعميق عزلتها الدولية التي تفرضها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عليها منذ فترة ليست بالقصيرة، علاوة على الخوف من أن تثير هذه الإجراءات ndash; التي كان من الممكن أن تتخذها ndash; حفيظة الرئيس المنتخب باراك أوباما ضدها، خاصة وأنه يبدى قدرًا كبيرًا من الانفتاح على بعض القوى مثل إيران سوريا، طبقًا لما طرحه في برنامجه الانتخابي وتصريحاته المختلفة، مما أعطى انطباعا لدى الطرفين ndash; الولايات المتحدة وسوريا - أن العلاقات بين الطرفين يمكن أن تشهد تحسنًا كبيرًا إذا ما نفذت دمشق المطلوب منها أمريكيًّا. وأكد التقرير أن الرؤية السورية في هذا الإطار تنطلق من رؤية استراتيجية طويلة المدى، غير مرتبطة بوقوع أحداث معينة، ولذلك فإن ما يحدث في غزة لن يغير المعادلة الإقليمية بصورة جوهرية.
وأشار التقرير إلى أن الإجراءات التي اتخذتها سوريا كرد فعل على الهجوم الإسرائيلي والتي على رأسها تجميد مفاوضات السلام غير المباشرة مع إسرائيل برعاية تركية، لم تكن بالقوة التي كانت متوقعة. فهي على سبيل المثال لم تدفع حزب الله اللبناني والجماعات الفلسطينية الموجودة في لبنان إلى الانخراط بقوة وبصورة مباشرة في هذا الصراع. فيما يمكن اعتباره محاولة من القيادة السورية لتشجيع الإدارة الأميركية الجديدة على إبداء مزيدٍ من الانفتاح عليها، ومن ثم تتدخل الولايات المتحدة بصورة أكبر في عملية السلام السورية - الإسرائيلية.
وفى السياق نفسه أكد التقرير أن سوريا أعلنت في أكثر من مناسبة عن تفاؤلها حيال الإدارة الأميركية الجديدة، وما يمكن أن تحدثه من تغييرات في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، ولكنها في الوقت ذاته شددت على أن إدارة الرئيس بوش تترك خلفها ميراثًا مثقلاً بكثيرٍ من الأعباء والمشاكل، التي تحتاج إلى كثير من التعامل لمعالجة آثارها، ولذلك جاء الرد السوري على الهجوميين اللَّذين تعرضت لهما الأراضي السورية ليس كما كان متوقعًا.
ففي عام 2007 تعرضت الأراضي السورية لقصف من جانب سلاح الجو الإسرائيلي، حيث قامت خلاله القوات الإسرائيلية بتدمير موقعٍ داخل الأراضي السورية، أفادت تقارير أنها كانت تعتزم جعله نواة لبرنامج نووي سوري. وهناك أيضًا الهجوم الذي شنته القوات الخاصة الأميركية في أكتوبر من العام الماضي في منطقة البوكمال، وقتلت فيه أحد الأشخاص الذي تتهمه أجهزة المخابرات الأميركية بأنه احد الأدوات الهامة في تهريب المقاتلين الأجانب إلى الأراضي العراقية.
وفى النهاية لفت التقرير الانتباه إلى نقاط التوتر في العلاقة بين دمشق وواشنطن، والتي كانت السبب الأساسي في العزلة التي فرضتها الإدارة الأميركية على النظام السوري، فهناك الدعم الكبير الذي تقدمه سوريا إلى حركة حماس أحد قوى الممانعة والرفض للوجود الإسرائيلي في المنطقة، هذا الدعم الذي يجعل من حضور حماس في أي خطة لتسوية الصراع عاملاً حاسمًا في مدى نجاح أو فشل هذه الخطة. كما أن هناك العلاقات السياسية والعسكرية الوثيقة بين النظام السوري ونظيره الإيراني ، هذا إلى جانب الدور السلبي ndash; من وجهة النظر الأميركية ndash; في كل من العراق ولبنان.
إيران في مرمى هجوم جديد
ومن جانبه اهتم راديو NPR بأحد القوى الإقليمية الأخرى التي تُوجه لها اتهامات بدعم حركة حماس، وأعد برنامج Weekend Edition تقريرًا تناول فيه الادعاءات الإسرائيلية بقيام إيران بتسليح الحركة، واستضاف سكوت سيمون ndash; معد التقرير ndash; اثنين من الخبراء اللذين لهما بعض الأفكار المختلفة حول مدى عمق وأهمية الروابط بين حركة حماس والجمهورية الإيرانية.
فمن جانبه أكد ماثيو ليفت الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أن العلاقة بين الجانبين ليست فقط مجرد مشاركة في الأفكار والمعتقدات والتعاطف، ولكنها أبعد من ذلك بكثير. فإيران تزود حركة حماس بغالبية الدعم المادي الذي يقدم لها، وتزودها أيضًا بالسلاح، فضلاًً عن التدريب والدعم المخابراتى من أجل تنفيذ مخططاتها بتوجيه ضربات لأهداف إسرائيلية، ويؤكد ليفت أنه بدون هذا الدعم من إيران ما كان لحماس أن تفعل ما تقوم به اليوم.
وأشار إلى أن تأكده من هذا الأمر ليس من فراغ، وإنما قائم على حقائق ومعلومات قدمتها أجهزة الاستخبارات في الولايات المتحدة وكندا، حيث قدرت المخابرات الكندية الدعم المادي الذي تحصل عليه حماس من إيران بمبلغ يتراوح بين 3 و18 مليون دولار سنويًّا، في حين أن بعض التقديرات تصل بهذا الدعم المادي إلى مبلغ يتراوح من 25 إلى 50 مليون دولار.
وعن كيفية التحقق من هذا الأمر أشار ليفت إلى أن هناك طرقًا مختلفة للتحقق من هذا الأمر، من بينها الأساليب المخابراتية التي يمكن أن ترصد الاتصالات التي تتم بين الجانبين. وهناك أيضًا أساليب مخابراتية لتتبع حركة الأموال التي تنقل من مكان إلى آخر وبين الأشخاص وبعضهم البعض، وهناك من ناحية ثالثة الأسلحة التي تقدمها إيران إلى حماس تكون مدموغة برقم مسلسل معين، ومن يتتبعْ هذه الأسلحة يجدْ أن هذه الأسلحة تابعة لإيران. وهناك أخيرًا ما حصلت عليه إسرائيل ndash; حين هاجمت الضفة الغربية منذ عدة سنوات - من وثائق سرية عن اجتماعات ومراسلات سرية بين قادة حماس وإيران تمت في العاصمة السورية دمشق، هذه الوثائق كانت تتحدث عن الأموال والأسلحة المقدمة للحركة من جانب إيران، فضلاً عن ذلك فإن إيران تتحدث علانية عن هذا الدعم لحماس، على اعتبار أنها ممثلة الشعب الفلسطيني من وجهة النظر الإيرانية.
ومن ناحية أخرى استضاف البرنامج المسئولة السابقة في الخارجية الأميركية هيلارى مان لفريت، وجدير بالذكر أن لفريت قضت عشرة أعوام تعمل في وزارة الخارجية الأمريكية وفى مجلس الأمن القومي، وكانت من المسئولين القلائل الذين سمح لهم بإجراء مفاوضات مع الجانب الإيراني حول تنظيم القاعدة وأفغانستان خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، ومن ثم فقد تعاملت بصورة مباشرة مع الجانب الإيراني، وتعرفت عليه عن قرب.
وقد أكدت أنه من الصعب إثبات العلاقة بين حماس وإيران، فليست هناك دلائل كثيرة على مثل هذا الأمر، وأكدت أن خبرتها في التعامل مع الإيرانيين جعلتها على دراية كبيرة بالكيفية التي يقيموا بها علاقات من قبيل التسليح والتمويل لمجموعات وأطراف موجودة في الشرق الأوسط ووسط آسيا، وهى الموضوعات التي كانت محل اهتمام من الجانب الأمريكي في المحادثات مع إيران.
وانتقدت لفريت التركيز الأميركي فقط على إيران باعتبارها الداعم الرئيس لحركة حماس، وأكدت أن هناك مصادر أخرى لا تركز عليها الولايات المتحدة، وتعتبر مصادر دعم أساسية للحركة، فقد أشارت إلى سيناء في الأراضي المصرية حيث مدن مثل شرم الشيخ ودهب والعريش وطابا التي كانت مصدرًا أساسيًّا للذين قاموا بالتفجيرات التي نفذها تنظيم القاعدة في المنطقة على مدار الفترة الماضية، وفى هذه التفجيرات لم تتم الإشارة إلى أي دور إيراني في الضلوع في تنفيذها، بل إن الدلائل تشير إلى أن منفذي هذه الهجمات ينتمون إلى مجموعات سنية مرتبطة بتنظيم القاعدة، هذه الجماعات التي يعتقد أن حماس لها علاقات وروابط قوية معها.
ولفتت الانتباه إلى أن فكرة قيام إيران - عن طريق الجو أو البر أو البحر - بنقل أسلحة إلى حماس باستخدام الأراضي المصرية هي فكرة غير ممكنة، ولكن ما حدث من تفجيرات في المنطقة يشير إلى استطاعة تنظيم القاعدة نقل أسلحة إلى الأراضي المصرية والقيام بهجمات إرهابية عديدة، ومن ثم فمن الممكن أن تستخدم حماس الطريقة ذاتها في التزود بالسلاح.
أما عن المعلومات التي أوردها البعض بخصوص تقديم إيران لدعم مالي لحماس، أشارت لفريت إلى أن الإيرانيين قد يرغبون في تقديم أموال إلى الحركة، ولكنهم لا يملكون الوسيلة التي يمكن بها إرسال هذه الأموال، فالنظام المالي الإيراني، مراقب بصورة صارمة إلى حد كبير، كما أن قطاع غزة أو حماس نفسها لا تمتلك النظام البنكي القادر على تلقى مثل هذه الأموال إن تم إرسالها حقًّا، لذلك كانت الطريقة الوحيدة التي حاولت حماس بالاعتماد عليها الحصول على الأموال من الجانب الإيراني، حينما ذهب عدد من قيادات حماس إلى طهران عقب الانتخابات التشريعية الفلسطينية في عام 2006 وفازت فيها الحركة، من أجل الحصول على الدعم السياسي فضلاً عن الدعم المالي، حمل هذه الأموال نقدًا في حقائب صغيرة.
ومن ثم أكدت أنه إذا كانت هناك مواقف شعبية تطالب بتقديم كل أشكال الدعم للفلسطينيين، بل والمطالبة بالسماح لهم بالذهاب إلى هناك من أجل محاربة إسرائيل، سواء في إيران أو في مصر أو في غيرها من عواصم الدول العربية، إلا أن الحكومة الإيرانية اتخذت قرارًا ndash; سواء كان ذلك لأسباب تتعلق بعدم القدرة أو لأسباب سياسية ndash; بعدم السماح للأفراد بالذهاب إلى فلسطين أو حتى تقديم الدعم المادي والأسلحة للحركة، فهذه الحكومات ضمنيًّا لا تريد استعداء الرئيس الأميركي القادم باراك أوباما.
التعليقات