محمد حميدة من القاهرة: عندما يظهر على شاشات التليفزيون يبدو موجزا، لا يتكلم كثيرا، وعادة لا يقل شيئا على الإطلاق . فى وقت الأزمات يتوارى بعيدا عن الأنظار ،ولا يشعر احد به إلا بعد ان تنقلب الأوضاع.. انه الوزير عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة الذي يتولى تقريبا كل جهود الوساطة بين إسرائيل وحماس لنزع فتيل العنف فى قطاع غزة ومهمة توحيد الفصائل الفلسطينية.

هذا الرجل غارق فى مفاوضات صعبة مع وفود حماس وإسرائيل منذ بدء العدوان ، في محاولة لإيجاد حل وسط يمكن ان يحمل إسرائيل على وقف هجماتها على الشعب الفلسطيني ،ويستضيف هذه الايام عاموس جلعاد المفاوض الاسرائيلى ووفود من حماس فيما يوصف بانه اخر جولة للمحادثات التى ستقود الى وقف نهائى لاطلاق النار واى تطورات ايجابية يشهدها هذا الملف، وخصوصا ان محادثاته مع وفود حماس تتم هذه المرة فى أجواء أكثر صعوبة بسبب الشكوك بين مصر وحماس ، حيث تنظر القاهرة الى الإسلاميين بأنهم يشكلون عقبة أمام السلام وتكره علاقاتهم الوثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين ، وتعتقد حماس على الجانب الأخر ان القاهرة تبحث فقط عن مصالحها الخاصة .
لكن سليمان كما يصفه دبلوماسيين غربيون يمتلك quot; موهبة الهام الثقةquot; ، وليس ذلك فحسب ، بلquot;لديه القدرة على احتواء والتأثير على اى أشخاص حتى لو كانوا حماس ، وقد نجح فى الحفاظ على مصداقيته معهم بل حتى القدرة على جعلهم يفعلون ما يريدهquot;.مستطردين فى وصفه quot; انه رجل استراتيجي من المقام الرفيع ، رجل القضية الفلسطينية فى مصر ، بل وكل الملفات الإقليمية التي لها علاقة بالأمن القومي المصري مثل إيران والعلاقات مع السودان الجار الجنوبي المضطرب، ويعد ثاني اقوي رجل في مصر بعد الرئيس مبارك quot;.
يعرف عنه بان انجز عدد كبير من اتفاقيات التهدئة بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مدار العشرة سنوات الماضية ، حتى لو كانت هذه التهدئة لم تعش طويلا . فمنذ اندلاع الانتفاضة الثانية ونجح سليمان فى هندسة فترات تهدئة فى اعوام 2001 و2003 و2005 وأخرها التى انتهت فى ديسمبر الماضي بعد سته أشهر، وتبعتها اسرائيل بعدوانها على غزة. وتلوح فى الأفق التهدئة القادمة التي تعتبر الأهم والأخطر .
يقول دبلوماسى مقرب منه انه مخلص دائما لمبارك ، لا يفارقه أبدا ، دائما بجواره ، فى اوقات الانتصارات والأزمات . وقد كان إخلاصه وولائه للرئيس مبارك منذ توليه السلطة عام 1981 عاملا وسببا رئيسيا فى علو شأنه وارتفاع مكانته حتى بات اسمه يتردد بين المصريين كخليفة محتمل للسلطة ، وإن كان لا يمكن لأحد أن يشير إلى دليل على أنه يتوق الى هذا المنصب.
وتقول صحيفة لوس انجلوس تايمز الأمريكية انه quot;على الرغم من انه يفضل البدل quot;الشيكquot; والكرافتات الذكية ، لكنه يعد واحدا من الاستراتيجيين العسكريين الموهوبين فى العالم ، خبيرا فى العلاقات الدبلوماسية سواء مع الولايات المتحدة اواسرائيل ودول العالم العربي، كما انه مؤمنا بفلسفةquot; البراجماتيةquot; التى تتخذ من النتائج العملية مقياسا لتحديد قيمة الأفكار الفلسفية وصدقها ، كما انه قادرا على مواصلة برنامج الخصخصة المصري والإصلاح الاقتصادي. وهذا التوازن هام جدا بالنسبة للعالم الغربي فى رئيس مصر القادمquot;.

ويصفه روبرت سبرنجبورج مدير معهد الشرق الاوسط بلندن انه quot; الجسر بين العسكرية المصرية والاجهزه الامنية ، يسيطر بيديه على السياسة المصرية الخارجية دون ان ان يشعر به احد ه، ولا يستطيع اى احد آخر سواه في مصر ان يقوم بهذا الدورquot;.
عمر سليمان تولى منصب رئيس جهاز المخابرات منذ أوائل 1990 ، لكن اسمه عرف النور في عام 2000 بعد بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية ، كثيرا ما يلمح في الصف الأول في المؤتمرات الصحفية للرئيس مبارك وخاصة فى اى مناسبة تجمع قائد اسرائيلي . quot;تكن له اسرائيل كل الاحترام وكذلك المحاورين الغربيين ، ولهذا السبب يقوم بدور رئيسي في العلاقات المصرية المعقدة مع الدولة العبريةquot; كما تقول صحيفة الفاينينشال عنه وتضيف quot;و نظرا لعدم وجود وسطاء موثوق فيهم آخرين يستطيعون التحدث الى كل من حماس وإسرائيل تبقى مهمة حسم التهدئة فى ايدى عمر سليمانquot;.
وتعتبر صحيفة لوس انجلوس تايمز جمال مبارك البالغ من العمر 44 عاما اكبرعقبة امام سليمان نحو تقلد السلطة ،quot; لكن نجل الرئيس ليس لديه اي وثائق تفويض عسكرية، ويفتقر الى الخبرة في السياسة الخارجية بل يجلس في قيادة الحزب الوطني الديموقراطي الحاكم، الذى ينظر اليه الى حد كبير انه حزب المصالح الخاصة ، غير قادرا على كبح التضخم لتحسين حياة 45 ٪ من المصريين يعيشون على اقل من 2 دولار في اليومquot;.
يذكر ان سليمان من مواليد محافظة قنا فى صعيد مصر. التحق بالاكاديميه العسكرية وتميز في الحروب العربية - الاسرائيلية في 1967 و 1973، ورأس الاستخبارات في عام 1995 وكان له الفضل في إنقاذ حياة الرئيس مبارك عندما اصر على ان يركب الرئيس سيارة ليموزين مضادة للرصاص اثناء زيارة مبارك الى اثيوبيا.. وقد كان مبارك وسليمان في السيارة اثناء مغادرة مطار أديس أبابا عندما أطلق الإرهابيين النيران على الموكب لكن لم يخترق الرصاص السيارة وكتب لهما النجاة .

يقول الخبيرquot;عمرو الشوبكىquot; بمركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية انه quot;يقدر جيدا حجم تهديدات الجماعات الإسلامية التي قتلت المئات من المصريين والأجانب فى مصر في التسعينات من القرن الماضي وكيفية التعامل معهم ، مضيفا انه quot; نموذج لرجل يحترم القانون والنظام ويمثل الاستقرار في وقت يتصاعد فيه التوتر الاجتماعيquot;.