تصاعد دور الصناعات التكنولوجية في اسرائيل إلى الدور المحوري للجيش الإسرائيلي وتدريب شباب المجندين على استخدامها في العمليات العسكرية بما يفرز عددًا كبيرًا من المبتكرين والباحثين في مجالات التكنولوجيا المختلفة يستفيد منها بصورة مباشرة االجيش الإسرائيلي .
لم تكن إسرائيل مجرد دولة قومية تقليدية ذات خصائص مشابهة لغيرها من الدول، إنها حالة مختلفة تستحق الدراسة، بالنظر إلى نشأتها المصطنعة في بيئة عدائية وانخراط جميع مواطنيها في جيش الدفاع. فضلاً عن كونها بوتقة لصهر ملايين المهاجرين من جنسيات وعرقيات مختلفة وهو ما انعكس بطبيعة الحال على الاقتصاد الإسرائيليquot;، هذه هي المقولة المحورية التي انطلق منها كل من مستشار السياسة الخارجية السابق لدى الحكومة الأمريكية دانيل سنور والمحرر الصحفي الإسرائيلي ساول سينجر لتحليل السمات المميزة للاقتصاد الإسرائيلي التي جعلت منه اقتصادًا رائدًا في سنوات معدودة تقدر بحوالي 60 عامًا هي إجمالي عمر إسرائيل وبعدد سكان محدود لا يتجاوز السبعة ملايين نسمة .
اتجه سينور وسينجر في كتابهما المعنون: quot;أمة الابتكار : قصة معجزة إسرائيل الاقتصادية للربط بين النشأة التاريخية لإسرائيل والدور المجتمعي واسع النطاق لجيش الدفاع الإسرائيلي والخصائص الديمغرافية لمجتمع المهاجرين الإسرائيلي وما يرتبط بها من تعددية ثقافية وما حققه الاقتصاد الإسرائيلي من نجاح لاسيما في المجال التكنولوجي، بما جعل إسرائيل أحد أهم مراكز الصناعات التكنولوجية المتطورة على مستوى العالم، وجذب إليها فروع التطوير التكنولوجي لشركات عالمية كبرى مثل إنتل وجوجل ومايكروسوفت، وهو ما كان له أكبر الأثر في زيادة الاستثمارات في قطاع تكنولوجيا المعلومات في إسرائيل إلى حوالي تريليون دولار في فترة وجيزة للغاية منذ بداية الألفية الجديدة، ولذا فإن مؤلفي الكتاب قد آثروا أن يصفوا إسرائيل بأنها دولة للعقول وحالة تستحق الدراسة وليست مجرد دولة تقليدية .
الجيش الإسرائيلي جامعة للتكنولوجيا والإدارة
يشير الكتاب إلى أن الطالب الإسرائيلي الذي ينهي دراسته في المدارس العليا يختلف عن نظيره في جميع دول العالم تقريبًا، فهو لا يبحث عن الجامعة التي سيلتحق بها أو التخصص الجامعي الذي سيرتاده وإنما يبدأ الاستعداد للالتحاق بقوات الاحتياط في الجيش لمدة ثلاث سنوات للشباب وسنتين للفتيات، ويبذل قصارى جهده في مرحلة الاختبارات المبدئية ليتم اختياره في إحدى وحدات النخبة في الجيش التي عادة ما يتسم اختيارها للمجندين الجدد بانتقائية شديدة مماثلة لما تقوم به الجامعات العالمية مثل هارفارد وستانفورد وهو ما يعزز فرص التحاقهم بالشركات الكبرى بعد نهاية فترة خدمتهم العسكرية، حتى إذا لم يلتحق بعض الشباب بوحدات النخبة في الجيش فإن مجرد امتلاك الخبرة العسكرية يسهم في تعزيز فرصهم لشغل وظائف في مختلف قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي .
وتختلف رؤية المجتمع الإسرائيلي والأميركي للخدمة العسكرية، فبالنسبة للأميركيين فإن مجرد اعتبار الجيش مؤسسة للتدريب على العمل في قطاع التكنولوجيا ومجالات البحوث والتطوير يعد قبيل المقولات المثيرة للدهشة والاستغراب، في حين يمكن لقطاع الأعمال الإسرائيلي تقبل ذلك بسهولة لمعرفته بالطابع المميز للجيش الإسرائيلي الذي يجعله مختلفًا عن أي مؤسسة عسكرية في العالم، ومن أهم تلك الخصائص أن سلسلة القيادة في الجيش ليست هرمية هيراركية وإنما مسطحة بما يسمح بتطوير علاقات وثيقة بين قادة الوحدات والمجندين في تنفيذ التدريبات أو العمليات العسكرية، وهو ما يتوازي مع اتجاه القيادات لتفويض السلطات والصلاحيات للمستويات الأدنى بما يجعل كل مجند قادر على اتخاذ القرار الملائم للظروف المحيطة خلال العمليات العسكرية ويكون مجبرًا من ثَمَّ على الابتكار والارتجال كي يحقق الهدف المطلوب من جانب القيادات.
ولا يعني ذلك التقليل من دور مؤسسات التعليم الجامعي التي تقوم بدور محوري في عملية تأهيل الكوادر الجديدة لسوق العمل، حيث تقدر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نسبة الإسرائيليين الذين تلقوا تعليمًا جامعيًا بحوالي 45% وهي نسبة مرتفعة للغاية بالمقارنة بالمستويات العالمية. وتركز الجامعات الإسرائيلية على الشراكة مع نظيرتها الدولية في مجالات النانو تكنولوجي والتكنولوجيا الحيوية والطاقة المتجددة والهندسة الوراثية وتطبيقات الحاسب الآلي.
التعليقات