واشنطن: إن محاولة حسم القضايا المصيرية في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين مثل: القدس وعودة اللاجئين وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة، سيكون مصيرها الفشل ما لم يبدأ الطرفان ببحث الملف الأمني، الذي سيمنح الثقة لهما لاتخاذ إجراءات، وربما تقديم عدد من التنازلات من أجل التوصل لاتفاق سلام. هذه هي خلاصة دراسة نشرها معهد واشنطن لدراسة الشرق الأدنى.
الأمن أولية لنجاح عملية السلام
تطالب الدراسة التي حملت عنوان quot;الأمن أولاً: أولويات الولايات المتحدة في عملية السلام الفلسطينية ndash; الإسرائيلية، من واشنطن كوسيط في مفاوضات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين ضرورة إعطاء الأولوية للملف الأمني قبل مناقشة أية قضايا أخرى محل الصراع أو النزاع بين طرفي الصراع.
أثارت الدراسة التي أعدها كل من J. D. Crouch II, Montgomery C. Meigs, and Walter B. Slocombe، أن تحقيق الأمن لابد أن يسبق عملية السلام، فتقول: إن عملية السلام في الشرق الأوسط لا يمكن أن تنجح ما لم يكن لدى الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية الإرادة والقدرة على مكافحة ما تطلق عليه الدراسة quot;الإرهابquot; ndash; في إشارة إلى منظمات المقاومة الفلسطينية - بما يعطي إسرائيل الثقة للانسحاب من الضفة الغربية.
ولذلك تدعو الولايات المتحدة إلى استثمار جهودها للسلام في تجهيز وتدريب القوات الفلسطينية. لأن نشر قوات دولية تشمل قوات حلف شمال الأطلنطي quot;الناتوquot; ndash; من وجهة نظر معدي الدراسة - لن يكون بديلاً فعالاً للقوات الإسرائيلية أو الفلسطينية.
فالإدارة الأميركية في عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ركزت في دورها كوسيط لعملية السلام على مساعدة الفلسطينيين والإسرائيليين في التوصل لاتفاق سلام نهائي حتى أن وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس زارت المنطقة سبع مرات خلال الفترة ما بين شهري يناير وأغسطس من عام 2007. ومع قفز ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية فجأة إلى قمة إدارة بوش وخاصة قبل انتهاء ولايتها، لم يتم التطرق للقضايا الأمنية. وتربط الدراسة بين صعوبة حسم عدد من قضايا الصراع مثل: القدس واللاجئين والحدود تجاهل الملف الأمني وعدم إعطائه الأولية القصوى في البحث.
تصاعدت المخاوف الأمنية الإسرائيلية بصورة ملحوظة بعد فوز حركة المقاومة الإسلامية quot;حماسquot; ndash; التي لا تعترف بإسرائيل ولا تنبذ العنف ولا تعترف بالاتفاقيات السابقة مع إسرائيل - في الانتخابات التشريعية التي أجريت عام 2006، وهو ما زاد الشكوك الإسرائيلية بأن الفلسطينيين غير مستعدين للسلام وأنهم لن يتصدوا إلى ما تسميه الإرهاب.
ومن هذا المنطلق فإن وجود حماس في قطاع غزة، وحزب الله في لبنان، يدفعان إسرائيل كما تؤكد الدراسة إلى المطالبة بضمانات بأن حماس لن تسيطر على الضفة الغربية إذا ما قررت الانسحاب منها، كما أنه لا يمكن لأية حكومة إسرائيلية أن تقبل بأي اتفاق سلام يتعلق بالحدود والقدس واللاجئين لا يضمن أن يعود عليها بالأمن.
ومن جانب آخر فإن الجماعات المتطرفة والمسلحة تستفيد من ركود عملية السلام، كما أن فشل تلك العملية قد يؤدي إلى انهيار السلطة الوطنية الفلسطينية وهو ما سيؤدي بدوره إلى إشعال المنطقة، ويجعل من التوصل للسلام أمرًا مستحيلاً ولذا تطالب الدراسة واشنطن بأن تجعل السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين يحتل قمة أولوياتها.
أسباب أولوية الملف الأمني
وتحت عنوان quot;الأولوية للأمنquot; تقول الدراسة: quot;إن المحاولة الشهيرة لاختراقه السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في يناير عام 2000 والتي قادها الرئيس السابق بيل كلينتون جرت بمعزل عن الملف الأمني الأمر الذي أدى إلى انهيارها، وتبعها اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، والتي أودت ndash; حسب الدارسة ndash; إلى قتل ثلاثة آلاف فلسطيني وألف إسرائيلي، والتي ردت عليها إسرائيل باحتلال مزيدٍ من أراضي الضفة الغربية وإقامة الحواجز ونقاط التفتيش وإقامة الممرات الأمنيةquot;.
ورصدت الدراسة أربعة أسباب تجعل الملف الأمني هو الأولوية الأولى في المفاوضات الإسرائيلية- الفلسطينية.
أولاً: إن سيطرة حماس بالقوة على قطاع غزة عام 2007 أدى إلى إثارة سؤال وهو: هل الفلسطينيون المعتدلون في السلطة الفلسطينية، وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية يتمتعون بثقل سياسي يمكنهم من التفاوض للتوصل إلى اتفاق للسلام وتنفيذ بنوده؟. كما أن إسرائيل تتساءل بقوة: هل السلطة الفلسطينية المقسمة سياسيًّا وجغرافيًّا بين غزة والضفة قادرة على أن تكون شريكًا للسلام ؟.
ثانيًا: يتفق عديدٌ من المحللين السياسيين الأميركيين والإسرائيليين والأردنيين بأنه لو انسحبت القوات الإسرائيلية من الضفة فإن حماس ستسيطر عليها، وهو ما يمثل أكبر تهديد لإسرائيل بسبب الصواريخ قصيرة المدى لدى حماس والتي بإمكانها من الضفة أن تصل إلى عمق المدن الإسرائيلية، ولكن يكون بإمكان إسرائيل منع حماس من إطلاق صواريخ القسام عليها، وهذا ما حدث مع حزب الله الذي أمطر الأراضي الإسرائيلية بصواريخ الكاتيوشا التي انطلقت من جنوب لبنان الذي انسحبت منه إسرائيل سابقا.
ثالثًا: إن انهيار التنسيق الأمني بين أجهزة الأمن الفلسطينية التابعة للسلطة الفلسطينية والقوات الإسرائيلية الذي كان واضحًا خلال الانتفاضة الفلسطينية، وهو ما يخالف ما تم الاتفاق عليه في أوسلو الذي أشار إلى التنسيق الأمني بين الطرفين من خلال الدوريات المشتركة وتبادل المعلومات الأمنية.
رابعًا: إنه خلال مفاوضات عام 2000 لم يتطرق الفلسطينيون لأية عناصر أمنية وخاصة مثل هل الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح؟، ومن يسيطر على المجال الجوي لها؟.
تدعيم القوات الأمنية الفلسطينية
تطرقت الدراسة إلى مفهوم الأمن، وأشارت إلى أنه يختلف بشكل كامل بين الطرفين فالفلسطينيون يرون أنه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم وتحقيق السيادة والسيطرة على تلك الأرض، ويجادل الفلسطينيون أيضًا بأنه لن يمكنهم مكافحة ما يسمونه الإرهاب على أرضهم ما لم يكن لديهم دولتهم المستقلة.
وفيما يتعلق بموقف الولايات المتحدة كوسيط للسلام، تنصح الدراسة واشنطن بالتركيز على الملف الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتحثها في هذا السياق بالعمل المباشر مع السلطة الفلسطينية لمساعدتها في تدريب قواتها وأجهزتها الأمنية بالمعدات اللازمة.
وتشير الدراسة في هذا السياق إلي قيام الولايات المتحدة بتدريب الحرس الرئاسي الفلسطيني. وقد بدأ البرنامج التدريبي في عام 2005. ولكن الدراسة تقترح عددًا من العوامل حتى يتمتع البرنامج التدريبي بالكفاءة المطلوبة ويمكن الاعتماد عليه، وفي مقدمة هذه العوامل، تغيير القيادة حيث إن هذا البرنامج التدريبي يتبع حاليًّا وزارة الخارجية الأميركية، والمطلوب أن تكون القيادة تابعة لوزارة الدفاع quot;البنتاغونquot;، وكذلك زيادة أعداد المدربين حيث إن عددهم الحالي لا يتجاوز 160 فردًا. ومن بين تلك العوامل أيضًا زيادة الموارد المالية المخصصة لهذا البرنامج التدريبي الذي يكافح القائمين عليه للحصول على مصادر تمويله لاستكمال مهمتهم. وتطالب الدراسة أيضًا بضرورة تنسيق هذا البرنامج مع إسرائيل حتى يشكل هذا البرنامج نواة للتنسيق الأمني الفلسطيني المرتقب.
وفيما يتعلق بنشر قوات حفظ السلام في الضفة الغربية كأحد المعايير الأمنية المطروحة للسماح بانسحاب إسرائيلي من الضفة، ترى الدراسة أن الوضع الأمني القائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين يعتمد على مبدأ أن السلام لن يتحقق إلا عندما يكون الفلسطينيون قادريين على استعادة استقلالهم وتحمل مسئولياتهم الأمنية على أرضهم.
خيار القوات الدولية
تفرق الدراسة بين استقدام قوات حفظ سلام دولية وقوات فرض سلام دولية، فالأولى لن يتم استقدامها إلى الضفة إلا بعد توقيع اتفاق سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث ستكون مهمة قوات حفظ السلام هي مراقبة وتسهيل تطبيق هذا الاتفاق على الأرض.
وأما قوات فرض السلام فيسبق نشرها هذا الاتفاق، حيث ستكون مهمتها هي الإعداد للسلام، وقد قدمت عديد من الأطروحات لاستقدام قوات فرض سلام للضفة الغربية لتكون مهمتها الأساسية هي اقتلاع الخلايا الإرهابية في الضفة الغربية.
ولكن هذه القوات ستواجه عديد من التحديات في مقدمتها القوى الرافضة لها وتتمثل في حركتي الجهاد وحماس وفلول تنظيم القاعدة، بالإضافة إلى أن قوات السلطة الفلسطينية غير مهيأة الآن لتنسيق المهام الأمنية مع تلك القوات الدولية. وعلى الجانب الشعبي فإن الفلسطينيين سيعتبرون أن القوة الدولية قوة احتلال بديل للاحتلال الإسرائيلي، وهذا ما سيعرض تلك القوات الدولية التي ستتكون غالبًا من قوات حلف شمال الأطلنطي (الناتو) بقيادة الولايات المتحدة لأعمال عنف.
وعلى الجانب الآخر فإن معدي الدراسة يرون أن مواجهة حركة حماس في الضفة الغربية لا يقتصر فقط على الصعيد الأمني بمواجهة عناصرها وخلاياها، ولكنه يتطلب مواجهة على الصعيدين السياسي والاقتصادي وذلك بتجفيف منابع تمويلها وضرب قوتها الشعبية التي تحظى بها من خلال الاهتمامات الشعبية التي تقدمها في مجالي التعليم والرعاية الصحية.
وتتطرق الدراسة في ختامها لحل الدولتين، وتؤكد أن أفضل الطرق لإعادة بناء الثقة لدى الإسرائيليين هي قيام القوات الفلسطينية باقتلاع جذور الإرهاب ومواجهته، كما أن الوسيلة الفعالة لإقناع السلطة الفلسطينية للقيام بهذه المهمة هي تخفيف وطأة الاحتلال في الضفة وإزالة الحواجز ونقاط التفتيش الإسرائيلية والانسحاب من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتحسين الأفق السياسي المتوتر بين الجانبين حاليًّا.
وتطبيق هذا التصور لن يتم إلا عندما توجد قوات فلسطينية قادرة على التصدي للإرهاب، وفي حال فشل إعادة بناء القوات الفلسطينية فإن كل المؤشرات تشير إلى ضرورة استقدام قوات دولية، ولكن الدراسة تؤكد أن هذا الخيار غير مجدٍ لأنه سيؤدي لخلق مشاكل عديدة داخل إسرائيل وللسلطة الفلسطينية وكذلك على حدود الدول العربية المحيطة كما أنه سيؤدي لتدعيم نفوذ الفصائل الفلسطينية المعارضة للتسوية.
وبالتالي يكمن الحل في إنشاء قوة فلسطينية قادرة على مواجهة الإرهاب والمخاطر التي ستواجه الدولة الفلسطينية المرتقبة. وإذا تم إعادة إصلاح القطاع الأمني الفلسطيني وتحقيق تقدم في العملية السياسية، فإنه يجب أن تبقى سياسة عزل حركة حماس قائمة ما لم يحدث تغير حقيقي في رؤيتها وتوجهاتها للعملية السياسية حيث إن التعامل مع حماس دون تحقق ذلك يعطي إشارة خاطئة للميليشيات المسلحة بأن الإرهاب يحقق مكاسب سياسية بحسب الدراسة.
التعليقات