واشنطن: وقَّع الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الثلاثاء الماضي في مدينة دينفر خطة الدعم والإنقاذ التي أقرها الكونغرس، لتدخل بذلك الخطة حيز التنفيذ، ولتبدأ رسميًّا وفعليًّا جهود الرئيس الأميركي الجديد في quot;إبقاء الحلم الأميركي حيًّا على حد وصفه. وعلى الرغم من التوقيع على تلك الخطة العملاقة، إلا أن الجدل حول مدى جدوى هذه الجهود في حلِّ الأزمة الاقتصادية لم ينتهِ، وامتد الجدل للتداعيات المتحملة لهذه الأزمة العاصفة على الاستقرار العالمي. وفي هذا السياق ركزت وسائل الإعلام الأميركية هذا الأسبوع على الجدل حول الأحوال التي أحاطت بإقرار خطة الإنقاذ داخل الكونغرس الأميركي، وتداعيات هذه الخطة خارجيًّا.

الأزمة واستقرار العالم: مخاطر جمة في انتظار أميركا

حول المخاطر التي يمكن أن تتضمنها الأزمة الاقتصادية على الاستقرار العالمي، أعد توم غيلتن تقريرًا لبرنامج على راديو NPR، تضمن تحليلاً للتقييم الذي صدر عن وكالات الاستخبارات الأميركية الأسبوع الماضي، والذي كان جوهره يدور حول تداعيات الأزمة الاقتصادية على الاستقرار الدولي، حيث أكد دينيس بلير مدير أجهزة المخابرات القومية أن الأزمة الاقتصادية على المدى القصير تُمثل هاجسًا أمنيًّا للولايات المتحدة الأميركية، حيث من الممكن أن تتضمن مخاطر محتملة على الأمن القومي الأميركي.

ومن جانبه أكد غيلتن أن تدهور الاقتصاد العالمي بسبب الأزمة الحالية، من الممكن أن يؤدي لتغيير كبير في خريطة القوى حول العالم، فمن المحتمل أن تؤدي الأزمة إلى حالة من عدم الاستقرار في الدول التي تتمتع في الوقت الحالي باستقرار داخلي كبير. كما أن الخريطة الجيوسياسية للعالم يمكن أن تتغير بصورة دراماتيكية خطيرة، فتتمكن دول صغيرة من أن تصبح أكثر قوة، بينما تتدهور بعض القوى الدولية القائمة لتصبح أكثر ضعفًا، ويمكن أن يتحول حلفاء اليوم إلى خصوم في الغد، كل هذه الأمور تمثل ndash; على حد وصف غيلتن تهديدات كبيرة للاستقرار العالمي.

وفي إطار هذه التوقعات أورد التقرير بعض التأكيدات التي أشار إليها ديفيد غوردن، ضابط المخابرات الأسبق والذي يقود حاليًّا مجموعة البحث في مجموعة أوراسيا، والذي شغل في السابق منصب مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية، حيث لفت الانتباه إلى أن هناك حالة من الغموض، وعدم الوضوح في الرؤية فيما يتعلق بتداعيات هذه الأزمة على الاستقرار العالمي، الأمر الذي يُحتم على صناع القرار والمخططين السياسيين ضرورة توسيع أفقهم ومدركاتهم، من أجل ضمان الإلمام بكافة السيناريوهات التي يمكن أن تحدث في ظل هذه الحالة من الغموض. فعلى سبيل المثال يمكن أن يرتفع معدل البطالة في كثيرٍ من الدول بصورة كبيرة، مما سيؤدي إلى حالة من عدم الاستقرار الداخلي في هذه الدول.

وربط بلير - معد التقرير - بين حدوث هذه الحالة من عدم الاستقرار والمدة الزمنية التي يمكن أن تستغرقها التداعيات السلبية للأزمة الاقتصادية، حيث أكد أنه كلما طالت هذه المدة، زادت معها احتمالات حدوث حالات عدم استقرار، وهو الأمر الذي اتفق معه فيه غوردن ، والذي أشار إلى أن استمرار حالة الركود لفترة طويلة سوف يجعل من الصعوبة على قيادات هذه الدولة إدارة شئون دولهم.

ولفت بلير الانتباه إلى أن التاريخ يؤكد أن قيام أزمات اقتصادية حادة يتبعه قيام حروب كبرى. فعلى سبيل المثال قامت الحرب العالمية الثانية بعد حدوث الكساد الكبير، الذي ضرب العالم في بداية ثلاثينيات القرن العشرين. وفي هذا السياق أشار التقرير إلى الحلقة النقاشية التي نظمها ودعا إليها السيناتور الديمقراطي جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، تحت عنوان quot;تداعيات الأزمة الاقتصادية على السياسة الخارجيةquot;. واتفق المشاركون على مجموعة من الحلول والخطوات التي على الولايات المتحدة الأميركية اتخاذها من أجل مواجهة فاعلة لهذه الأزمة، تضمن وقف تداعياتها، سواء على المستوى الداخلي أو على مستوى الاستقرار الدولي. ولكنَّ معدَّ التقرير أكد على أن هذه الحلول صعبة التنفيذ خاصة من الناحية السياسية.

وأكد المشاركون على ضرورة أن تقوم الحكومة الأميركية بتأميم البنوك المتعثرة ولو بصورة مؤقتة غير دائمة، وهذا لا يمكن القيام به، فالولايات المتحدة - من وجهة نظر معد التقرير - يجب أن تقوم بكل الجهود الممكنة التي تحول دون تطبيق الإجراءات الحمائية في إدارة الاقتصاد، ولكن الحادث أن الإدارة الأمريكية قدمت خطة لإنقاذ الاقتصاد، يقوم جوهرها على زيادة دور الدولة في إدارة الاقتصاد، كما أن على دول وحكومات العالم أن تتعاون فيما بينها لمواجهة الأزمة، ولكن هذا لا يحدث على أرض الواقع، فليس هناك أدنى نوع من التنسيق بين هذه الحكومات، فيما يتعلق بالسياسات الاقتصادية المتبعة لمواجهة هذه الأزمة. وتوقع التقرير أن يشهد العالم فترة من التراجع عن اتجاهات العولمة التي تم اتباعها في مجال الاقتصاد خلال الفترة الماضية، وأدت إلى مرحلة متقدمة من الاندماج الاقتصادي، والاعتماد المتبادل على المستوى الدولي، مما قد يتسبب في حدوث توترات عنيفة على المستوى العالمي.

الوعود الانتخابية ستكون صعبة التحقيق

اعتبر بول غيغوت في برنامجه الذي يذاع على شبكة Fox News أن الخطة التي طرحتها الإدارة الأميركية تُعتبر من أكبر خطط الإنفاق الحكومي منذ الحرب العالمية الثانية، كما أنها تتضمن أكبر معدل إنفاق حكومي في سنة واحدة منذ أكثر من نصف قرن. واعتبر أيضًا أن هذا المستوى العالي من الإنفاق الحكومي سوف يؤدى إلى عجز غير مسبوق في الميزانية لم تشهده البلاد منذ ستين عامًا. وفى سياق تناوله للموضوع استضاف البرنامج عددًا من المحررين الاقتصاديين في عدد من الصحف الأميركية الكبرى.

بدأت كيم ستراسيل الخبيرة الاقتصادية التي استضافها البرنامج، مؤكدة على أن أحدًا لم يقرأ مشروع القرار الذي قُدِم للكونغرس من أجل إقرار هذه الخطة، وأن الخطة تتضمن كثيرًا من أوجه الإنفاق في مجالات مختلفة، خاصة تلك المتعلقة بمجالات البنية التحتية مثل التعليم والرعاية الصحية. إلا أنها أشارت إلى أن هناك كثيرًا يجب أن يتم إنجازه، فلا تكفي زيادة الإنفاق على هذه المجالات فقط، ولكن لابد أن يصحب ذلك المستوى العالي من الإنفاق، تغيير في السياسات المتبعة في كل مجال من هذه المجالات.

أما الخبير الاقتصادي البارز ستيف مور فقد أكد على أن مستوى الإنفاق الفيدرالي الذي تتضمنه هذه الخطة وصل إلى معدل 33% من الناتج القومي الإجمالي للولايات المتحدة الأمريكية، وهو أمر اعتبره المحرر أنه يقترب كثيرًا من مستويات الإنفاق العام الذي تقوم به الحكومة السويدية.

ومن ناحية أخرى أكد مور أن ما أثار سخط كثيرٍ من الجمهوريين وعدد من الديمقراطيين أنه لم يتح لهم الوقت الكافي لقراءة مشروع القرار قراءة متعمقة، خاصة وأن عدد صفحات الخطة التي قدمها الرئيس باراك أوباما وصل إلى حوالي سبعمائة صفحة، وكان من المفترض أن تستغرق النقاشات حوالي 48 ساعة، ولكن ما حدث أنه تم تمريرها في أقل من 24 ساعة.

وعلى نحو آخر وتعليقًا على العجز الكبير الذي ستصل إليه الميزانية الأميركية هذا العام والذي قدر مكتب الميزانية التابع للكونغرس أنه سيصل إلى 8%، بينما يقدره بعض آخر بأنه قد يصل إلى حوالي 13%. وهو الأمر الذي سيدفع الولايات المتحدة إلى مزيدٍ من الاقتراض مما سيدفع الدين الأميركي إلى مستويات قياسية غير مسبوقة في التاريخ الأميركي على الإطلاق. وإذا أضفنا إلى ذلك أعباء تمويل العجز الكبير في الموازنة الأميركية الذي خلفته إدارة الرئيس جورج دبليو بوش السابقة، فإن هذا الوضع سيجعل من الصعب أن يتم إقرار تخفيضات ضريبية لمدة ليست بالقصيرة، ولن تكون هناك قدرة لاتخاذ مجموعة من الإجراءات الاقتصادية، التي تعتبر حاسمة للوصول إلى مستوى نمو اقتصادي مرتفع في المستقبل.

أما دان هانينغر كبير المحررين الاقتصاديين في صحيفة وول ستريت جورنال فقد أكد على أن إقرار هذه الخطة يعتبر انتصارًا كبيرًا للإدارة الجديدة ولليبراليين الديمقراطيين خاصة على مستوى السياسات، فهناك مبالغ مخصصة للرعاية الصحية وللطاقة والتعليم وغيرها من مجالات البنية التحتية، وفى تفسيره أن هذا النجاح هو فقط نجاح على مستوى وضع السياسات العامة، لفت هانينغر الانتباه إلى أنه بالكاد لا يدرك الديمقراطيين من أين سيأتون بهذه الأموال الكثيرة لتمويل خطة الإنقاذ، لذلك امتلأت هذه الخطة بكثيرٍ من السياسات التي سيحاولون تحقيقها في الفترة المقبلة من أجل إنقاذ الاقتصاد الأميركي.

وعلى الصعيد ذاته أكد هانينغر أن تكلفة إنقاذ الاقتصاد الأميركي، وإخراجه من أزمته سوف يجعل من الصعب بالنسبة للرئيس أن يضع وعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه أثناء الحملة الانتخابية موضع التنفيذ.

مصير أوباما على المحك

على شبكة CNN قدم برنامج تقريرًا أعدته ساندي كرولي أكدت فيه أنه إذا كان الرئيس باراك أوباما يعتقد أنه بدخول خطة الإنقاذ حيز التنفيذ تبدأ نهاية المشاكل الاقتصادية الأميركية، قائلة: يجب أن يدرك أوباما أن مصيره السياسي ونجاحه كرئيس للولايات المتحدة مرتبط بمدى نجاح هذه الجهود، وما هو قادم ترتيبًا على هذه الجهود في المستقبل القريب. وأشارت إلى أن هذه المشاكل بدأت بمعارضة الجمهوريين للخطة، وقيام اللجنة القومية للحزب الجمهوري بإصدار بيان رفض للخطة، أكدت فيه أن الديمقراطيين مرَّروا قانونًا قاموا بصياغته خلف الأبواب المغلقة، ولم يراعوا فيه مطالب الجمهوريين المتعلقة بضرورة الحذر الشديد من وصول الدَّين الأميركي إلى مستويات عالية، وسلب حقوق الأجيال القادمة من المواطنين الأميركيين.