حزمة اجراءات إنسانية لتسهيل عودة اللاجئين والمهجرين
بغداد في مواجهة حملات توطين الاوروبيين للعراقيين
أسامة مهدي من لندن :
في مواجهة حملة أوروبية تقودها السويد لتوطين عشرات الالاف من اللاجئين العراقيين اعلنت الحكومة العراقية عن حزمة إجراءات إنسانية وأمنية ومادية وحمائية من اجل تشجيع المهاجرين واللاجئين على العودة الى بلدهم ومناطق سكناهم وغلق ملفهم بشكل نهائي خلال العام الحالي في الوقت ذاته الذي أكدت فيه رفضها لدعوة حكومات تلك الدول الغربية للمسيحيين العراقيين بالهجرة الى الخارج وقالت انها غير مقبولة وتؤثرفي علاقات هذه الحكومات مع العراق .
فقد اعلنت وزارة المهجرين والمهاجرين العراقية عن افتتاح أول مكتب لها في بغداد للمباشرة بتنفيذ برنامج الأمن والاستقرار الانساني الخاص بالمهجرين العاطلين العائدين على ان يتبعه افتتاح مكاتب في محافظات اخرى .وقال مدير مكتب العلاقات والاعلام في الوزارة كريم الساعدي إن هذا البرنامج تم بالتعاون مع منظمة الهجرة الدولية موضحا انه يندرج ضمن المشاريع المدرة للدخل ومدته 18 شهرا وتبلغ كلفته الإجمالية خمسة ملايين دولار مقدمة من الحكومة الألمانية كمرحلة أولى مع وجود جهات راعية أخرى .
وأشار إلى أن أعداد المستفيدين من هذا البرنامج بلغ أكثر من 1750 شخصا لحد الان من العاطلين من العائدين حيث سيمنحون مساعدات توزعت إلى شقين الأول : التوظيف المباشر ويشمل منحة حددت من 2500 إلى 3000 دولار إلى العاطل منهم بالترافق مع تنظيم دورات تدريبية في المجالات الصناعية والزراعية وتوفير برامج لبناء القدرات الذاتية .. أما الثاني : فهو التوظيف غير المباشر ويشمل بناء قدرات المجتمع من خلال تقديم الخدمات الخاصة بالبلدية وتحسين وتبليط الطرق والشوارع أو من خلال المساعدة على فتح الاسواق وحسب الاحتياج إضافة إلى المساعدة من خلال المشاريع التطويرية التي تحتاجها المحافظات والتي يمكن تنفيذها من خلال برنامج الأمن الانساني حيث ستراقب الوزارة المشاريع المباشرة بينما ستراقب دائرة التخطيط والمتابعة المشاريع غير المباشرة .
إغلاق ملف المهجرين نهائيا هذا العام
ومن جانبه أكد مدير عام الدائرة الانسانية في وزارة المهجرين والمهاجرين سمير خلف الناهي السعي الى غلق ملف المهجرين خلال السنة الحالية . واوضح ان البرنامج الذي تعمل على استحداثه الوزارة تهدف الى تشجيع العائلات المهجرة على العودة الى منازلها من خلال تحسين وضعها المادي وايجاد فرص تعيين لافرادها العاطلين عن العمل. واشار الى ان هناك تنسيقا مع المنظمة الدولية للهجرة لتقديم منح للعائلات المهجرة التي لا تمتلك دخلاً فضلا عن مساعدتها في فتح محال تجارية تستطيع ان تزاول مهنا من خلالها.

واضافة الى ذلك فقد قررت الوزارة تشكيل لجان خاصة لتسليم منح العودة للعائدين بشكل مباشر من قبل مراكز العودة التابعة للوزارة بدلاً من المصارف كما هو معمول به الان وذلك لضمان تسليم المنحة بالسرعة الممكنة .
وقال وكيل الوزارة اصغر الموسوي quot;ان هذا القرار يأتي ضمن آليات جديدة تسهل تسجيل العائدين واستلامهم لمنحة العودة وتدعم فئات عناية الوزارة من النازحين والعائدين والكفاءات العراقية الراغبة في العودة إلى الوطن ضمن استراتيجيات الوزارة لعام 2009 quot;. واضاف quot;ان على رب الاسرة الراغبة في العودة ان يقدم طلبا الى الوزارة يوضح فيه رغبته في العودة مرفقاً مع كافة البيانات الخاصة بنزوح العائلة الى جانب توثيقها في قاعدة بيانات خاصة لدى الوزارة حفاظاً عليها في حال حصول خلل او اي طارئ في قاعدة بيانات الوزارةquot;.

وبالترافق مع ذلك اعلنت الوزارة عن تقديم امتيازات ومساعدات عديدة للعراقيين العائدين من الخارج الذين ينقسمون إلى شريحتين الأولى اللاجئين قبل سقوط النظام السابق والعائدين بعده .. والثانية النازحين بعد السقوط. وقال مدير عام الدائرة القانونية في الوزارة محمد صالح الحمداني إن الامتيازات لمواطني الشريحة الأولى تضمنت شمولهم بقطع اراض ومنحهم قروضا ميسرة والعمل على اعادتهم إلى وظائفهم السابقة إذا كان اللاجئ موظفا في إحدى وزارات ودوائر الدولة إضافة إلى تقديم المساعدات الغذائية وغيرها والتنسيق مع المنظمات الانسانية الدولية والمحلية لتقديم المساعدات المختلفة للعائد مع المساعدة أيضا في إعادة أملاك العائد إذا كانت مصادرة أو مغتصبة .

أما في ما يخص الشريحة الثانية فقد أشار الحمداني إلى أن الوزارة شملتهم بعدة امتيازات منها تحمل تكاليف وأجور نقل العائدين بواسطة الجو أو البر واستقبالهم وتوزيع مساعدات نقدية بواقع 150 ألف دينار لكل أسرة و 50 ألف دينار لكل فرد بالإضافة إلى مساعدات عينية ويتم ذلك عبر التنسيق مع المنظمات الدولية. واشار الى شمول العراقيين العائدين من الخارج بمنحة الحكومة البالغة مليون دينار للأسرة النازحة العائدة و550 الف دينار اخرى بعد إكمال إجراءات تثبيت العودة النهائية للوطن في أحد مراكز استقبال النازحين العائدين في بغداد أو فروع الوزارة في المحافظات. واضاف انه سيتم تزويدهم بكتب تأييد رسمية لغرض إعادة النازح العائد إلى وظيفته وإلغاء فترة غيابه إذا كان النازح موظفا والمساعدة على إعادة أولاد النازحين العائدين إلى المدارس والجامعات والتعويض عن الاضرار التي لحقت بأملاكهم كما نقل عنه مكتب الاعلام الوطني لمجلس الوزراء في بيان صحافي تسلمت quot;ايلافquot; نسخة منه .

إجراءات في مواجهة تشجيع أوروبي لهجرة العراقيين
وتأتي هذه الاجراءات الحكومية التشجيعية لمواجهة إقدام حكومات أوروبية على قبول توطين الاف اللاجئين العراقيين في بلدانها .
وقد اعلنت منظمات انسانية في برلين ان دفعة اولى من 400 لاجئ عراقي وافقت برلين بالاتفاق مع الاتحاد الاوروبي على استضافتهم ستصل الى المانيا الاسبوع المقبل .
واوضح quot;غونتر بوكهاردتquot; من منظمة quot;برو ازيلquot; للدفاع عن المهاجرين ان هؤلاء اللاجئين سيأتون من مخيمات للاجئين في سوريا والاردن وبينهم مسيحيون وآخرون من اقليات اخرى وسيقيمون في مرحلة اولى في مركز ايواء تمهيدا لتوزيعهم على سائر انحاء البلاد.

وكان الاتحاد الاوروبي تعهد في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي باستضافة عشرة آلاف لاجئ عراقي بينهم 2500 سيستقرون في المانيا . ودعا وزير الداخلية الالماني quot;فولفغانغ سكوبلquot; في نيسان (ابريل) عام 2008 دول الاتحاد الاوروبي الى استضافة اللاجئين العراقيين المسيحيين الا ان الاتحاد الاوروبي رفض هذا الاقتراح كونه لا يريد تفضيل مجموعة بعينها من اللاجئين على مجموعة اخرى.

كما حث مسؤول سويدي كبير الدول الاوروبية أمس على قبول مزيد من اللاجئين العراقيين وقال ان السويد ستطرح هذه المسألة في جدول الأعمال عندما تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الاوروبي في تموز (يوليو) المقبل .
وقال quot;دان الياسونquot; رئيس هيئة الهجرة السويدية الذي يقوم حاليا بزيارة لسوريا التي تستضيف مئات آلاف اللاجئين العراقيين quot;اننا نشعر ببعض خيبة الأمل إزاء دول أوروبية أخرى لأنها لا تتحمل قدرا أكبر من المسؤولية.quot; وما زالت السويد الوجهة الاوروبية الرئيسة للاجئين العراقيين حيث استقبلت نحو 40 في المئة من 100 الف من طالبي حق اللجوء الذين دخلوا اوروبا في السنوات الست الأخيرة. وقال الياسون إن السويد استقبلت 40 الفا من طالبي حق اللجوء العراقيين و40 الف لاجئ عراقي آخرين انضم كثيرون منهم الى أُسرهم هناك منذ تصاعد العنف الطائفي في العراق في عام 2006 لكنه توقع انخفاض عدد طالبي اللجوء هذا العام مع تراجع أعمال العنف. وقال quot;هدفنا الرئيس يجب ان يكون المساعدة في عودة اللاجئين لكن العراق عليه عمل يجب ان يقوم به من حيث البنية الاساسية الاجتماعية والامن لضمان عودتهم بسلام.quot; وأضاف ان الأزمة quot;لم تنته بعدquot; .

وتقول سوريا إنها استقبلت أكثر من مليون لاجئ عراقي منذ الحرب في بلدهم عام 2003 لكنها لا تسمح للاجئين بالعمل وتسمح لهم باستخدام الخدمات العامة وحيث قدم آلاف اللاجئين العراقيين طلبات لجوء الى الغرب. كما وسمحت الولايات المتحدة بدخول 1200 لاجئ فقط في السنة المالية 2007 ومنذ ذلك الحين سمحت بدخول أكثر 12 الف لاجئ بعد انتقادات من اوروبا ومنظمات دولية تعنى بشؤون اللاجئين. وقالت وكالة اللاجئين التابعة للامم المتحدة ان حوالي 19500 عراقي في انحاء العالم قدموا طلبات لجوء في دول غنية في النصف الاول من العام الماضي وهو ما يقل بنسبة عشرة بالمئة عن الفترة نفسها في عام 2007 .وقدم نحو 60 في المئة من المتقدمين طلبات في اربع دول فقط هي المانيا وهولندا وتركيا والسويد.
وقال الياسون ان السويد قبلت 174 لاجئا فلسطينيا كانوا يقيمون في بغداد وانتقلوا الى مخيم يقع بين سوريا والعراق لمدة ثلاث سنوات وتزمع قبول quot;أعدادا كبيرةquot; من بين 900 آخرين . واوضح ان quot;هؤلاء الاشخاص لم يجبروا فقط على الفرار من منازلهم داخل العراق وانما تركوا محصورين في صحراء قاحلة.quot;
رفض حملة تشجيع المسيحيين على الهجرة
وازاء ذلك اكدت الحكومة العراقية رفضها لدعوة الحكومات الغربية الى المسيحيين العراقيين بالهجرة الى الخارج وقالت انها غير مقبولة وتؤثرفي علاقات هذه الحكومات مع العراق .
وقال أصغر الموسوي وكيل وزارة المهجرين والمهاجرين العراقية في تصريح صحافي مكتوب تسلمت quot;ايلافquot; نسخة منه ان تشجيع بعض حكومات الغرب هجرة مسيحيي العراق إلى الخارج غير مقبولة. واضاف أن الوزارة تقف ضد ذلك لأن الوضع الأمني المستقر في العراق لايستدعي مثل هذه الدعوات. وأكد تأييده لمناشدة مجلس الكنائس العالمي الذي عقد في لبنان الاسبوع الماضي بحضور الكاردينال عمانوئيل الثالث دلي رئيس طائفة الكلدان في العراق والعالم وبمشاركة ممثلي الكنائس الكلدائية واللاتينية والسريان الأرثذوكس والسريان الكاثوليك والكنيسة الشرقية القديمة للحكومات الغرببة عدم تشجيع مسيحيي العراق على الهجرة.

واشار الموسوي الى أن تشجيع هجرة فئة أو طائفة معينة يؤثر في العلاقات الدولية كما إنه أمر مُنافٍ للقوانين المتعارف عليها بين دول العالم ويضر بالطائفة المنتقاة للهجرة أكثر مما ينفعها لافتا إلى ان الأحداث الأمنية السابقة طالت العراقيين دون استثناء ومن غير المعقول دعوة طائفة دون أخرى. واوضح أن مايقرب من 1300 أسرة مسيحية في مدينة الموصل الشمالية قد عادت إلى أماكن سكناها وأن 1100 أسرة مسيحية أخرى قد تم شمولها بالمنح المالية والباقي منها قيد الإنجاز إضافة إلى أن أكثر من 40 أسرة مسيحية في بغداد عادت إلى مساكنها بسبب استقرار الوضع الأمني .

يذكر أن أسرا مسيحية اضطرت إلى مغادرة العراق خوفا من الاغتيال او الخطف بعد مقتل الكردينال بولص فرج رحو في الموصل بعد أن خطفه إرهابيون مطلع عام 2007 عند مغادرته حيث فتحت فرنسا باب اللجوء الى 500 أسرة مسيحية عراقية هربت الى خارج العراق.

ومن جهته كشف الناطق الإعلامي لوزارة المهجرين والمهاجرين كريم الساعدي عن وجود جهات تعرقل عملية العودة للاستفادة من العراقيين المتواجدين كورقة سياسية ضاغطة على العراق . وقال ان معلومات مؤكدة وصلت إلى الوزارة تشير إلى أن بعض الدول حاولت جعل ملف النازحين لدولهم من العراقيين ورقة ضاغطة على العراق لتحقيق بعض المصالح السياسية . وأضاف quot;أن هذه الضغوطات كانت أحد الأسباب التي استدعتنا إلى تفعيل برنامج العودة للعراقيين من الخارجquot; . واشار الى ان هناك سياسة تتبعها بعض المنظمات الدولية العاملة في الخارج تحاول الاستفادة من العراقيين المتواجدين في الخارج وهي تعرقل عملية إعادتهم لأسباب تتعلق بالمنح المقدمة لهم بحجة هذا الملف . وأضاف أن نسبة كبيرة من العراقيين المتواجدين في الخارج عادوا لكن معلومات قامت جهات بإيصالها لهم أدت إلى عزوفهم أو تأخير عودتهم .

وحول أوضاع المسيحيين فقد ندد رئيس أساقفة مدينة كركوك العراقية الشمالية للمسيحيين الكلدان لويس ساكا بالتخلي عن المسيحيين العراقيين بعد تهجيرهم من مناطقهم مبديا خشيته إزاء احتمال توطينهم في مكان معزول ليدفعوا الثمن مرتين.
وقال ساكا في تصريح امس إن لدى المسيحيين قلقا كبيرا وشعورا بالخوف بسبب هجرهم، مؤكدا أن هاجسهم المخيف هو توطينهم في واحة معزولة عن باقي المكونات العراقية. وشدد على أن المسيحيين يأملون أن يكفل الدستور حقوقهم مع الأقليات الأخرى قبل الانسحاب الأميركي إلى جانب ضمان حقوقهم ضمن دستور إقليم كردستان وفي حال تشكيل أقاليم أخرى في الوسط والجنوب. وأوضح أن المسيحيين يجهلون مستقبلهم ولا يعلمون متى سيعودون إلى مناطقهم لاستعادة حقوقهم وأملاكهم ومشاركتهم في السلطة والمسؤولية في مؤسسات الدولة التي لا يلمسون أي ضمانات منها رغم ثقتهم بدورها وسعيها لاستتباب الأمن. وقال ساكا إن مختلف المواطنين يشعرون بالخوف مشيرا إلى عدم تجهيز الجيش والشرطة بالأسلحة المتطورة من اجل استتباب الأمن حيث لا يزال البعض منها يعاني من خروقات وانتماءات سياسية وطائفية وعرقية.

وأكد أن أكثر من 200 ألف مسيحي تشردوا ومهجرون خارج العراق نتيجة أعمال العنف والإرهاب والتطرف فضلا عن الآلاف المتواجدين في إقليم كردستان. ويشكل الكلدان غالبية المسيحيين العراقيين يليهم السريان والأشوريون.