خبراء قانونيون يتحدثون عن 3 طرق لإعتقال الرئيس السوداني
الجنائية الدولية أمام أول اختبار لمدى فعاليتها في قضية البشير

نبيل شرف الدين من القاهرة: وسط جدل واسع حول مذكرتها باعتقال الرئيس السوداني عمر البشير، وجدت المحكمة الجنائية الدولية نفسها أمام أصعب اختبار لها، خاصة أنها لا تمتلك حتى الآن سلطة ضبط، وفعاليتها مرهونة بتعاون الدول الأعضاء في quot; معاهدة روما quot;، ومدى تعاون تلك الدول الموقعة على نظام المعاهدة التي أبرمت في 17 تموز ( يوليو ) من العام 1998 وأنشئت بموجبها تلك المحكمة، التي ظهرت إلى الوجود في العام 2002 . وأجرى الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى اتصالات هاتفية مكثفة مع بان كي مون وكبار المسؤولين السودانيين بشأن قرار المحكمة الجنائية، وأعلن هشام يوسف مدير مكتب الأمين العام أنه من المقرر أن يتوجه موسى اليوم السبت إلى السودان حيث يبحث مع الرئيس البشير سبل التعاطي قانونيا مع قرار المحكمة الجنائية .

وطالبت الجامعة العربية والاتحاد الافريقي مجلس الامن باستخدام السلطة المخولة له بموجب المادة 16 من لائحة المحكمة الجنائية الدولية لتعليق القضية ضد البشير، لتفادي تقويض عملية السلام الهشة في إقليم دارفور، واتفاق السلام المضطرب الذي وقع بين شمال السودان وجنوبه عام 2005 والذي أنهى عشرين عاما من الحرب الاهلية .

وبينما أكدت دول أفريقية وأخرى عربية أنها ستتجاهل أمر الاعتقال اذا زار البشير دولهم، فإن خبراء في القانون الدولي، يقولون إن هناك أمام المحكمة الجنائية الدولية ثلاث طرق لتنفيذ محاكمة الرئيس السوداني بالقوة، أما الأولى فهي توزيع مذكرة التوقيف في الدول الأعضاء، ما يعني أن البشير لن يزور نحو 106 دول أعضاء في تلك المحكمة، أما الطريقة الثانية فتبدو بعيدة المنال إذ تتمثل في اعتراض طائرة البشير بالقوة، حال تحركها خارج المجال الجوي السوداني .

وأخيراً تبقى الطريقة الثالثة التي تعتمد على التدخّل بالقوة الدولية، استناداً إلى قرار من مجلس الأمن، ويستبعد خبراء المحكمة الدولية إمكانية اللجوء إلى الطريقة الأخيرة على الأقل في الوقت الراهن .

لاهاي والخرطوم

وترجع فكرة إنشاء قضاء دولي يكون معنيا بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية إلى عهد بعيد، بدءاً من محاكمات نوربيرغ وطوكيو التي أعقبت الحرب العالمية الثانية والتي دفعت هذه الفكرة إلى الأمام، ففي خمسينات القرن الماضي سعت الأمم المتحدة إلى إنشاء محكمة من هذا النوع، لكن المشروع ظل حبيس الأدراج حتى بداية عقد التسعينات، حيث أحيت جرائم الحرب والتصفيات العرقية في يوغسلافيا ورواندا الفكرة مجدداً .

وبعد موافقة 120 دولة عضو في الأمم المتحدة على وضع اللبنات الأساسية للمحكمة الجنائية الدولية، في 14 تموز (يوليو) من العام 1998، كانت هذه المرة الأولى، التي تتفق فيها المجموعة الدولية على إنشاء جهة قضائية جنائية دولية مستقلة ومختصة. وبعد أن وصل عدد الدول التي صدقت على quot;نظام روماquot; النصاب المطلوب (60 دولة) عام 2002، ظهرت المحكمة الجنائية الدولية إلى الوجود، كأول محكمة تتمتع بسلطة محاكمة المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.

ووفقا لنظام روما تتعهد الدول الموقعة بإصدار قوانين تسمح بجلب منتهكي حقوق الإنسان بما فيهم كبار الساسة والقادة العسكريين أمام القضاء، أو تسليمهم لقضاء دولي مختص، في حالة ما إذا كانت أجهزة القضاء المحلي في وضع لا يسمح له بذلك. وهذا يعني أن المحكمة الجنائية الدولية هي جهة مكملة لدور السلطات القضائية الوطنية وليست بديلا منها، فإذا لم تستطع أداء دورها القضائي أو لم تبد استعدادا لذلك، تولى المهمة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ووصل الرئيس السوداني إلى السلطة بعد الانقلاب العسكري في 29 حزيران (يونيو) 1989 الذي خطط له حسن الترابي، وتحالف الرجلان في البداية، وارتبطا بعلاقة قوية، وسعيا إلى quot;أسلمةquot; السودان لدرجة اصطدم فيها هذا المشروع بأقرب وأهم جيرانه وهي مصر، حيث تدهورت علاقات البلدين بشكل غير مسبوق، وتبادلت القاهرة والخرطوم الاتهامات، ووصل الأمر إلى حد التلويح بمواجهة عسكرية، وخاصة بعد محاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك في أديس أبابا عام 1996 والتي اتهمت فيها القاهرة نظام البشير بالضلوع في التخطيط لها، واستضافة عناصر هاربة من مصر تنتمي إلى تنظيمات إسلامية راديكالية، وتقديم الدعم المالي واللوجيستي لهم .

وأجرى مجلس الأمن مشاورات بشأن السودان في اجتماع مغلق أمس الجمعة وصرح دبلوماسيون بأن أعضاء المجلس لم يتمكنوا من الاتفاق على بيان بسبب الخلافات بشأن ما اذا كان يتعين الاشارة الى أمر الاعتقال الصادر ضد البشير، ومن المقرر أن يناقش المجلس القضية مع وفود من الاتحاد الافريقي ووفود عربية في وقت لاحق هذا الشهر.