عمان:اكد قانونيان دوليان ان السودان غير ملزم بتنفيذ اي قرار صادر عن محكمة الجنايات الدولية وان مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس السوداني عمر حسن البشير من قبلها بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية مع اسقاط تهمة الابادة الجماعية تعد الاولى من نوعها التي تصدر بحق رئيس دولة ما يزال في السلطة .

وقالا ان المتأمل في المذكرة الصادرة في الرابع من اذار الجاري يدرك أنها تعكس سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الازمات الدولية .

وبين استاذ القانون الدولي في الجامعة الاردنية الدكتور غسان الجندي انه من ناحية مبدئية فان السودان دولة ليست عضوا في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي وبالتالي فانه غير ملزم بتنفيذ اي قرار صادر عنها عملا بنص المادة 34 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات ,لكن اختصاص المحكمة مؤسس على احالة مجلس الامن لموضوع دارفور على محكمة الجنايات الدولية لعام 2008 .

واضاف انه توجد انتقادات للمدعي العام للمحكمة من ابرزها ان المحكمة انتقائية وهي تعبر عن عدالة الرجل الابيض في جميع القضايا التي طرحت عليها , وهي قضايا تخص القادة الافارقة وحدهم دون ان تستطيع هذه المحكمة ان تنظر بجرائم الحرب في غزة والعراق وافغانستان .

وبين ان هذه الانتقائية هي محل انتقاد في القانون الدولي حيث لا يحق لاحد في هذا القانون التمتع بمزايا ومنافع نتيجة اتباعه لمواقف متناقضة وهذه القاعدة اكد عليها القضاء الدولي في 155 حكم قضائي .

وقال انه من بين الانتقادات الموجهة للمدعي العام ان السفير الامريكي السابق في العراق زلمان خليل زاد اكد في ايلول الماضي ان الرئيس البشير سيلقى القبض عليه نتيجة ارتكابه جرائم حرب دون ان يتطرق الى جرائم الابادة الجماعية , وهذا ما جاء متطابقا مع قرار المدعي العام في الرابع من اذار الجاري ,هذا التطابق يشير الى تنسيق وثيق بين الولايات المتحدة الامريكية والتي ليست عضوا في محكمة الجنايات الدولية والمدعي العام ,وهو ما يخالف نص احدى فقرات المادة 42 من النظام الاساسي للمحكمة التي تقول ان المحكمة واعضاءها مستقلون عن الدول ولا يتلقون تعليمات منها .

وقال : يلاحظ ان هناك ما يعرف بالغزوة القضائية على العالم العربي ,فقبل يومين من صدور قرار المدعي العام ابتدأت محكمة (الحريري) , ويشار الى ان القضاء الجنائي الدولي يستخدم الان ضد العرب وحل محل مجلس الامن الدولي في اتخاذ قرارات مثيرة للجدل كما حدث مع العراق وليبيا كغزو الكويت واسلحة الدمار الشامل وقضية لوكربي .

واضاف ان هناك محاولة لدق اسفين بين العرب والقانون الدولي كما يلاحظ ذلك لدى دهاقنة السياسة الدولية مع العلم بأن العرب اكثر حاجة من غيرهم للقانون الدولي لمواجهة الاعتداءات التي ترتكب ضدهم .

وقال الدكتور الجندي ان النظام الاساسي لمحكمة الجنايات الدولية يعترف في المادة 28 بأن الحصانات لا يمكن ان تشكل عائقا امام تطبيق وانعقاد اختصاص المحكمة, لكن هذه النظرة تبدو انها معزولة ولا تتطابق مع احكام القانون الدولي لان محكمة العدل الدولية في مرسومها الصادر في شباط 2002 في نزاع بين بلجيكا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اشارت الى ان حصانات الدول هي قاعدة اساسية من قواعد القانون الدولي ولا يمكن ان تخالف , واعتبرت المحكمة ان قيام بلجيكا باصدار مذكرة اعتقال بحق وزير خارجية الكونغو هو تصرف غير مشروع, فما بالكم في الحصانات الممنوحة لرئيس دولة .

وفي سياق اخر قال ان محكمة العدل الدولية اشارت في حكمها الصادر في ايار 1980 في قضية الرهائن الامريكيين في طهران الى الحصانات الممنوحة للبعثات الدبلوماسية ,فاذا كان القانون الدولي يعترف بحصانات البعثات الدبلوماسية , اليس من المنطقي ان يعترف القانون الدولي بحصانات رؤساء الدول ؟ .

وقال :نلاحظ ان هناك تناقضا في مواقف الدول الغربية التي تدعو الى تسليم الرئيس البشير الى محكمة الجنايات الدولية ,فالدول ذاتها لا تسمح بتقديم مواطنيها الى محاكم اجنبية , فمثلا رفضت الولايات المتحدة بعد حرب الخليج 1990 - 1991 تسليم طيار امريكي الى بريطانيا للتحقيق معه بعد قتله سبعة جنود بريطانيين عن طريق الخطأ خلال حرب الخليج كما ان فرنسا رفضت تسليم عميلين لمخابراتها الى نيوزيلندا في قضية رامبو وريار اي ما تعرف بقضية السلام الاخضر في عام 87 - 88 .

واكد ان المواقف الغربية الداعية الى تسليم الرئيس البشير تتناقض مع تصرفاتها على الساحة الدولية .

كما اكد الدكتور الجندي انه لا يمكن التعرض لطائرة مدنية مسجلة او تحمل جنسية دولة ما في الاجواء الدولية لانه بموجب المادة 17 من اتفاقية شيكاغو للنقل الجوي تخضع الطائرة في الاجواء الدولية لقوانين دولتها ولا يمكن ان تعترض طريقها طائرات اخرى , وهذه القاعدة تم التأكيد عليها حين قامت الطائرات الفرنسية باعتراض طائرة مغربية كانت تقل الرئيس الجزائري الاسبق احمد بن بللا وعددا من رفاقه .

وقال : وجهت انتقادات شديدة لاسرائيل حين قامت باعتراض طائرة لبنانية عام 1973 , وانتقدت الولايات المتحدة حين قامت عام 1986 باعتراض طائرة مصرية في الاجواء الدولية كانت تقوم بنقل (ابو العباس ) من القاهرة الى تونس , لكن المخاوف تأتي من ان السودان يمكن ان يدخل في مخاض من العقوبات شبيهة بالعقوبات التي فرضت على ليبيا في قضية لوكربي .

وقال ان اكثر ما يخشاه القانونيون ان تؤدي هذه العقوبات التدريجية والمتصاعدة الى احلال الفوضى في السودان ,وحينئذ سيكون السودان مثل الصومال لا سمح الله في تصدير ازمته وفوضاه الى الخارج .

وقالت رئيسة قسم القانون العام في كلية الحقوق بالجامعة الاردنية الدكتورة محاسن الجاغوب انه بسبب الصراع القائم في اقليم دارفور اتهمت الحكومة السودانية بدعم ميليشيات قامت بارتكاب جرائم ابادة جماعية في الاقليم .

واضافت ان مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس السوداني عمر البشير من محكمة الجنايات الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية مع اسقاط تهمة الابادة الجماعية تعد الاولى من نوعها التي تصدر بحق رئيس دولة لا يزال في السلطة .

وقالت ان المادة 27 من نظام روما الاساسي تشير الى انه لا يعتد بالصفة الرسمية للاشخاص, وعليه فان نظام روما يطبق على جميع الاشخاص سواء اكانوا رؤساء لدول او لحكومات , لكن المتأمل في مذكرة التوقيف يدرك أنها تعكس سياسة الكيل بمكيالين في التعامل مع الازمات الدولية ,وهذه هي السياسة التي يتبعها مجلس الامن في حل المنازعات الدولية في المجتمع الدولي.

وبينت ان من شأن هذه المذكرة خلق تداعيات سلبية كبيرة على استقرار الاوضاع في السودان ولذلك يمكن لمجلس الامن استخدام الصلاحية الممنوحة له بموجب المادة 16 من نظام روما بطلب تأجيل المذكرة لمدة اثني عشر شهرا قابلة للتجديد للمحافظة على استقرار الاوضاع في السودان الا انه من المعروف ان طلب مجلس الامن الدولي من المحكمة تاجيل مذكرة التوقيف يجب ان يتضمن اصدار قرار للمجلس بموجب الباب السابع من ميثاق الامم المتحدة وهو ما يتيح لاي دولة دائمة العضوية حق استخدام الفيتو .

واضافت الدكتورة الجاغوب ان مذكرة التوقيف الصادرة بحق الرئيس البشير قد تصطدم بعدة صعوبات قانونية ,فمحكمة الجنايات الدولية لا تملك قوة شرطة خاصة بها لتنفيذ المذكرة مع التأكيد ان السودان ليس مصادقا على اتفاقية روما المنشئة للمحكمة .

وبينت انه بالرغم من ان المحكمة بموجب المادة 27 من نظامها الاساسي لا تعترف بحصانات رؤساء الدول, وبالتالي يمكن ان يتم تنفيذ المذكرة اذا ما قرر الرئيس البشير السفر في المجال الجوي الدولي لان هذا التنفيذ يتطلب التزاما من المجتمع الدولي وخصوصا الدول ال 108 الموقعة على اتفاقية روما .

وقالت انه يمكن للدول ايضا التذرع بالمادة 98 من اتفاقية روما ذاتها لعدم التدخل في حالة توجه الرئيس البشير الى اراضيها مستندة الى اتفاقيات ثنائية مع السودان تمنح الحصانة لرئيس الدولة حيث اشارت المادة 98 صراحة الى انه لا يجوز للمحكمة ان تطلب مساعدة من دولة بشكل يتنافى مع التزاماتها بموجب القانون الدولي فيما يتعلق بحصانات الدولة او الحصانة الدبلوماسية لشخص ما .