واشنطن: أكثر من ستين يومًا مرت على الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما منذ دخوله البيت الأبيض في الحادي والعشرين من يناير الماضي، كأول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، في وقت تعاني فيه واشنطن من كثير من الأزمات على الصعيدين الداخلي والخارجي. فعلى الصعيد الداخلي يئن الاقتصاد الأميركي من أزمة مالية كبرى لم تشهد الولايات المتحدة مثيلاً لها، منذ الكساد العظيم في ثلاثينيات القرن الماضي، والتي انتقلت آثارها السلبية بسرعة كبيرة لتشل حركة الاقتصاد الأميركي في كل مجالاته، وأدخلته في نفق الركود المظلم، الذي أدى إلى خسارة ملايين الأميركيين لوظائفهم.
وعلى المستوى الخارجي تُواجه أجندة السياسة الخارجية الأميركية كثيرًا من المعضلات الكبرى، التي تسببت فيها سياسات الإدارة الأميركية السابقة على مدار ثماني سنوات عجاف، لم تجن خلالها الولايات المتحدة سوى كراهية متزايدة من غالبية شعوب العالم، للسياسات المخفقة التي تبنتها إدارة جورج دبليو بوش. وتتمحور هذه السياسات حول الحرب الأمريكية على ما تسميه قوى الإرهاب والتطرف في العالم، والتي بسببها دخلت في حربين في أفغانستان والعراق، سبَّبا لها كثيرًا من الخسائر خاصة على المستوى الاستراتيجي.
في هذه الأحوال الصعبة جاء الرئيس الأميركي الجديد باراك أوباما حاملاً شعار التغيير، في محاولة لانتشال الولايات المتحدة من هذا المأزق، التي وُضعت فيه بفعل سياسات يرى أوباما أنها هي السبب الرئيس في الوضع التي وصلت إليه في الوقت الراهن.
كيف يرى أوباما منصب الرئاسة؟
وفى هذا السياق أعد برنامج (ستون دقيقة )60 Minutes الذي يذاع على شبكة CBS حلقة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما قدمها ستيف كروفت، تحدث فيها أوباما عن التحديات التي واجهها ndash; وما يزال ndash; منذ دخوله البيت الأبيض إلى الآن.
في البداية تحدث أوباما عن الكيفية التي يبدأ بها يومه في البيت الأبيض، حيث أشار إلى أن يومه يبدأ في حوالي السابعة والربع صباحًا، حيث يتناول الإفطار ويتصفح الجرائد اليومية، ثم بعد ذلك يطَّلع على التقارير التي يُعدها فريق مجلس الأمن القومي يوميًّا، ثم يعقد اجتماعًا مع فريق الأمن القومي والفريق الاقتصادي، يليه بعد ذلك تنفيذ أجندة المواعيد الخاصة بكل يوم.
وردًّا على إدراكه لمهام وظيفته الجديدة كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، أكد أوباما أنها بالفعل وظيفة رائعة، ولكنها في الوقت ذاته مليئة بالتحديات والصعوبات، فهي وظيفة متعددة الجوانب، فإدارة شئون البلاد والحكم جزء منها، وصناعة القرار جزء آخر. واعتبر أن الجزء الأكثر صعوبة ومشقة في وظيفته الجديدة أن هذا المنصب يتطلب من القائم عليه أن يكون في حالة يقظة دائمة؛ لأن هناك كثيرًا من المتطلبات والقرارات التي تضع الرئيس تحت ضغط مستمر.
ولفت أوباما الانتباه إلى أن هناك عدد من الأشياء الأخرى التي لا تتطلب من الرئيس مثل هذا المستوى العالي من التركيز للتفكير في الخيارات المتاحة بشأنها. وهذه الأمور يمكن تفويض الآخرين في القيام بها، والوفاء بما تتطلبه من قرارات وسياسات لإتمامها على أكمل وجه.
وأضاف أن هناك أشياء أخرى متعلقة بكون الشخص رئيسًا، وهى أن مهام الرئاسة لا يمكن تعلمها، فالإلمام بالأمور المتعلقة بهذه المهام الرئاسية يأتي عن طريق اكتساب مزيدٍ من الخبرات أثناء إنجاز هذه المهام، وكونك محتك بعملية صنع القرار في مؤسسة الرئاسة. وضرب مثلاً بحالة اتخاذ الرئيس قرارًا بإرسال سبعة عشر ألف جندي أميركي إضافي إلى أفغانستان، فإنه يمكن أن يفهم هذا القرار وتبعاته فقط على المستوى النظري وهو جالس على مكتبه يوقع القرار، ولكن إدراك ماذا يعني هذا القرار بالنسبة لعائلات وأسر الجنود الذين سيذهبون إلى هناك أمر مختلف كليةً. فعندما تجلس على مكتبك لتكتب خطاب عزاء، ترثي فيه أحد هؤلاء الجنود الذين سقطوا في المعركة لترسله إلى عائلته لمواساتهم في فجيعتهم، فإنك بهذا تعرف جيدًا أن القرارات التي تتخذها دائمًا ما يكون لها نتائج يجب أن تؤخذ في الحسبان.
مهمات كثيرة يُواجهها أوباما
وعن أكثر الأشياء المحبطة له في وظيفته كرئيس، أكد أوباما أن أكثر الأشياء إحباطًا في مهمته أن الرئيس دائما ما يكون ملزمًا بعدد من الخيارات السيئة في الوقت ذاته وعليه الاختيار من بينها. فهو عندما يجلس على مكتبه يجد نفسه أمام اختيار سيء وآخر أسوأ منه، وعليه أن يختار البديل المناسب من بينها. هذا البديل المناسب كان متاحًا من قبل عندما لم تكن الولايات المتحدة في أحوال الأزمة التي تمر بها الآن. تلك الأحوال المناسبة في الماضي لم يكن ليقبل على الاختيار من بين هذه الاختيارات السيئة.
وعلى الصعيد ذاته لفت أوباما الانتباه إلى أنه يأخذ كثيرًا من القرارات لمواجهة الأحوال السيئة التي تعيشها الولايات المتحدة على المستويين الداخلي والخارجي، ولكنه قبل ذلك يستمع إلى كثيرٍ من الآراء ويقرأ كثيرًا من التقارير التي ترد إليه، حتى يمكن التوصل إلى الخيار الأفضل من بين الخيارات المتاحة، خاصة وإن هذه الأمور ـ مثل الوضع الاقتصادي السيئ والمأزق في أفغانستان ـ دائمًا ما تشهد تطورات مستمرة تزيد الأمور تعقيدًا وصعوبة. ويضيف مهما كانت خبرة الشخص لا يمكنه بأي حال من الأحوال الإلمام بكل هذه الأحوال المعقدة والمتطورة باستمرار. ومن أجل الوصول إلى القرار السليم لابد للفرد من رؤية متعمقة للغاية، تسمح له بمعرفة جوهر الموضوع الأساسي، والأسئلة الأساسية المرتبطة به، وما الإجراء المناسب اللازم اتباعه لمواجهة تداعياته.
الأزمة الاقتصادية الأهم
ومن جانبه لفت كروفت الانتباه إلى أن هناك عددًا من الوظائف التي ما تزال شاغرة في وزارة المالية. وعنها أكد أوباما أن السبب في هذا الأمر أن مثل هذه الوظائف تحتاج إلى خبرات من نوع خاص، وإلى الكفاءة والقدرة على التعامل مع الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الولايات المتحدة الأميركية؛ ولذلك لابد من اختيار الأشخاص المناسبين لشغل هذه الوظائف؛ لأن الاقتصاد ما يزال يُعاني كثيرًا من المشاكل البنيوية في النظام المالي، هذه المشاكل إذا لم يتم التعامل معها بشكل مناسب، فإنها ستؤدي إلى كارثة اقتصادية، لأن هناك كثيرًا من المؤسسات الكبرى التي لا يجب أن تُترك فريسة للانهيار، ولأن عواقب مثل هذا الأمر ستكون وخيمة.
ولكن أوباما أكد على أنه متفائل حيال الأوضاع الراهنة، لأن الولايات المتحدة وصناع القرار في الوقت الراهن تعلموا من أخطاء الماضي، والتي حدثت إبان أزمة الكساد العظيم في القرن الماضي. فقد لفتت الانتباه إلى أن هناك شيئًا لم يدركه كثير من الأفراد حتى الآن، وهو أن عمليات التدخل الحكومي التي تمت ـ وما تزال ـ على مدار الفترة الماضية، لم تكن فقط بواسطة الحكومة الفيدرالية، ومن خلال خطط الدعم والإنقاذ التي مررتها من الكونغرس، وإنما أيضًا عن طريق بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي لعب دورًا مهمًّا في مواجهة الأزمة والتدخل في الأسواق المالية من خلال الأدوات المالية التي يمتلكها، حيث تضافرت هذه الجهود من أجل إعادة الاستقرار المفقود إلى سوق العقارات، بالإضافة إلى مساعدة المشروعات الصغيرة من أجل أن تلعب دورًا أكبر في مواجهة تداعيات الأزمة الاقتصادية.
أوباما ومعضلة التعامل مع أفغانستان
وبالنسبة للتحديات الخارجية أكد أوباما أن مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان أكثر صعوبة من مهمتها في العراق؛ لأن حقائق التاريخ تُؤكد أن أفغانستان بلدٌ يصعب السيطرة عليه، فهو كما يقول البعض: مقبرة الإمبراطوريات الكبرى. وترتكز مهمة القوات الأميركية في أفغانستان على ضمان عدم قيام تنظيم القاعدة بشن هجمات جديدة ضد الأراضي الأميركية ومصالحها ومصالح حلفائها حول العالم.
وعن أكثر المواقف صعوبة والتي واجهت أوباما خلال الشهرين المنصرمين من فترة رئاسته، وكان عليه أن يأخذ قرارًا بشأنها، شدد الرئيس الأميركي على أن قرار زيادة القوات الأميركية العاملة في أفغانستان كان الأصعب منذ تنصيبه رئيسًا، حيث يرى أنه فعل الصواب فيما يتعلق بهذا الأمر، ولفت الانتباه إلى أن مصدر الصعوبة والتحدي في مثل هذا القرار أنه كان عليه أن يتخذ القرار بالرغم من عدم الانتهاء من عملية المراجعة الاستراتيجية للخطة الأميركية في أفغانستان، التي ما تزال الأجهزة المعنية في طور إعدادها في الوقت الحالي. ولفت الانتباه إلى أن هذا القرار كان ضروريًّا للغاية من أجل استعادة الاستقرار في هذا البلد، والعمل على استقرار الأمور هناك، خاصةً وأن أفغانستان مقبلة على انتخابات في أغسطس القادم. ونظرًا لصعوبة المعضلة الأفغانية أكد أوباما أنه كان يتمنى أن يكون لديه مزيدًا من الوقت لاتخاذ هذا القرار، ولكن هذا الوقت لم يكن متاحًا له في هذه الحالة.
ومن أجل إنجاز المهمة الأميركية في أفغانستان، أكد أوباما أن الولايات المتحدة في حاجة إلى صياغة استراتيجية شاملة، لا تعتمد فقط على البعد العسكري في التعامل مع المعضلة الأفغانية، لأن هناك عددًا من الأشياء التي لابد من القيام بها، أولها بناء القاعدة الاقتصادية للمجتمع الباكستاني، من أجل تحسين الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للشعب الأفغاني. فضلاً عن تحسين العلاقات الدبلوماسية مع باكستان الجارة الأقرب لأفغانستان، وأكثر المتضررين من تردي الأوضاع في الأخيرة. فالولايات المتحدة في حاجة إلى مقاربة دبلوماسية جديدة، تمكنها من التنسيق الفعال مع حلفائها الإقليميين. وبالإضافة إلى ذلك فلابد من استراتيجية خروج واضحة المعالم، لأن الولايات المتحدة لا يمكنها أن تبقى هناك للأبد.
أما بالنسبة للأوضاع في العراق فقد أكد الرئيس الأميركي أنها أكثر سهولة هناك، لأن العراق به نسبة كبيرة من السكان الذين هم على درجة جيدة من التعليم، كما أن هناك بنية تحتية يمكن الاعتماد عليها هناك، وحدوده ليست بحالة الاضطراب الكبير ذاته الذي تشهده الحدود الأفغانية خاصة مع جارتها باكستان.
التعليقات