واشنطن: يعد نظام التعليم فيالولايات المتحدةمن السنة الأولى لدخول المدارس وحتى السنة الثانية عشرة، والذي يعرف بمرحلة k-12، أي من الحضانة وحتى نهاية التعليم الثانوي، أحد محاور الجدل السياسي والاجتماعي في المجتمع الأميركي بالنظر إلى أن الولايات المتحدة تُعد أعلى دول العالم من حيث الإنفاق على التعليم في هذه المرحلة، ولكنها لا تأتي في المكانة المتقدمة ذاتها من حيث مستوى الطالب، خاصة في مجالي الرياضة والعلوم، وذلك استنادًا على المقارنات الدولية التي تتم على أساس نتائج الطلاب في امتحانات قياسية. ومن ثم كان طبيعيًّا أن يكون إصلاح النظام التعليمي أحد المحاور الرئيسة في البرنامج الانتخابي للرئيس أوباما.

وقد عمل أوباما منذ حملته الانتخابية على الموازنة بين الخط السياسي لحزبه الديمقراطي الذي يطالب بزيادة الإنفاق على التعليم من جهة، والخط السياسي للحزب الجمهوري الذي يركز على المساءلة وربط الإنفاق بالنتائج من جهة أخرى. وقد جاء خطاب الرئيس الأميركي يوم العاشر من مارس في الغرفة اللاتينية للتجارة ليحدد مبادئ الإدارة في مجال إصلاح التعليم، ويعكس التوجه الذي يرى إمكانية التعاون بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري في هذا المجال. كما جاء الخطاب ليعكس فكر أوباما فيما يتعلق بالتعليم باعتباره أداةً للإصلاح الاقتصادي وتحقيقًا للعدالة الاجتماعية.

التعليم في خطة الإنعاش الاقتصادي

احتلت قضية التعليم مكانة محورية في خطة الحوافز الاقتصادية التي صدق عليها الرئيس أوباما في السابع عشر من فبراير الماضي، حيث بلغت مخصصات وزارة التعليم قرابة 150 مليون دولار، أي حوالي ضعف مخصصات الوزارة في عام 2008. وتتركز أوجه الإنفاق في 4 محاور هي: تعليم الأطفال وتثبيت الأوضاع في الولايات، قانون تعليم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة لعام 1975 وتعديلاته حتى عام 2004، وتعليم الأشخاص المحرومين اقتصاديًّا، مخصصات لدعم الالتحاق بالجامعة، ومخصصات تحديث المدارس. وفي هذا الإطار حددت الوزارة أوجه الصرف التالية لمخصصات الحوافز الاقتصادية:

أولاً: 77 مليار دولار دعمًا مباشرًا للتعليم، تقسم على النحو التالي:

40 مليار دولار توجه لتثبيت الأوضاع في الولايات لمنع تقلص ميزانيات التعليم، وستقدم هذه الموارد على أساس التزام الولايات بإصلاح التعليم.

13 مليار دولار لتعليم المحرومين اقتصاديًّا بما في ذلك تحديث المدارس.

12 مليار دولار لتطبيق قانون تعليم الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة وتعديلاته.

5 مليار دولار منح تحفيزية تتنافس عليها الولايات على أساس قدرتها على رفع مستوى نظامها التعليمي.

5 مليار دولار للتعليم ما قبل المدرسي.

2 مليار دولار للاستثمارات التعليمية الأخرى مثل نظم المعلومات وتطوير أداء المدرسين.

ثانيًا: 30.8 مليار دولار للالتحاق بالتعليم الجامعي، تقسم على النحو التالي:

17 مليار دولار لزيادة المنح المقدمة من خلال برنامج منح بل وهو برنامج يقدم منحًا لمحدودي الدخل لمساعدتهم على المصروفات الجامعية، والهدف هو زيادة قيمة المنحة بمقدار 500 دولارٍ لتصبح 5350 دولارًا خلال العام الأول من الإنفاق، وزيادتها بعد ذلك

13,8 مليار دولار لزيادة الإعفاءات الضريبية للأسر التي لديها أبناء في الجامعة ويقل دخلها السنوي عن 180 ألف دولار، وذلك من 1800 إلى 2500 دولار.

ثالثًا: 33,6 مليار دولار لتحديث المدارس.

ويلاحظ على هذه الأرقام أن نسبة كبيرة منها، حوالي 60%، تتجه إلى أوجه إنفاق تشتمل على الإصلاح ورفع مستويات الأداء. وهو ما يتفق مع التوجه العام لسياسات الرئيس أوباما، الذي يسعى لزيادة الإنفاق وربطه بالأداء. وقد حدد أوباما مبادئه لإصلاح التعليم في خطابه أمام الغرفة اللاتينية للتجارة والتي يمكن إيجازها في النقاط التالية:

التوسع في برامج التعليم ما قبل المدرسي، مثل برنامج البداية المبكرة الذي يقدم خدماته للأسر الفقيرة وأبنائها.

تشجيع الولايات على وضع معايير عالية للتعليم وأساليب التقييم، مع التركيز على المهارات اللازمة للتعامل مع القرن الحادي والعشرين مثل حل المشكلات والإبداع والتفكير النقدي والمبادرة.

العمل على رفع مستوى المدرسين عن طريق:

ربط الرواتب بالأداء، وتوفير رواتب أعلى للمدرسين في المجالات المهمة مثل الرياضيات والعلوم.

إعفاء المدرسين الذين يثبت أنهم دون المستوى.

استخدام أساليب غير تقليدية في التدريس.

تقديم برامج تدريبية للمدرسين الجدد.

التوسع في المدارس التعاقدية وهي مدارس تمولها الحكومة ويتولى مسؤوليتها أولياء الأمور، وزيادة ساعات اليوم الدراسي وأيام السنة الدراسية.

العمل على خفض معدلات التسرب، والتشجيع على الالتحاق بالتعليم الجامعي ولو لسنة واحدة.

خطة تجمع ملامح سياسات المحافظين والليبراليين

كانت أهم أوجه الانتقادات التي وجهت لهذه المبادئ وأوجه الإنفاق من جانب المحافظين هو أنها لا تسهم بشكل مباشر في التعامل مع الأزمة الاقتصادية الراهنة، وتعد تشتيتًا للجهود في وقت تحتاج فيه الإدارة للتركيز على مواجهة الوضع الاقتصادي الحرج. ومن هنا صرح وزير التعليم آرن دانكان أنه سيتم صرف 44% من هذه المبالغ خلال 30 إلى 45 يوم من تاريخ التصديق على الخطة، وهو ما يمكن أن يسهم في إعطاء دفعة للاقتصاد.

كما حرص الرئيس أوباما على ربط التعليم بالأداء الاقتصادي، وأكد أن كل دولار يتم صرفه على التعليم يعود بمقابل عشرة أضعاف في شكل تقليص نفقات إعانة الفقراء والمصروفات الصحية وتخفيض معدلات الجريمة.

ومن جانب آخر يعد الاتجاه نحو ربط مرتبات المدرسين بالأداء أحد النقاط التي يمكن أن تكون محل خلاف داخل الحزب الديمقراطي. فنقابات المعلمين، التي تعد من أهم المؤيدين للحزب الديمقراطي، تتخوف من أن هذه السياسات قد توقع الظلم على المدرسين، خاصة أن المعايير التي سيتم الاستناد إليها في تقييم الأداء لم تحدد بعد، وإن كان الواضح أنه لا يمكن إيجاد معايير حيادية. وحتى الآن بدت مواقف نقابات المعلمين متحفظة على مبدأ الجودة كأساس للراتب. وقد صرحت راندي وينغارتن رئيسة جمعية المعلمين، التي تضم في عضويتها 1.4 مليون عضو، أن الرئيس أوباما quot;يحترم المدرسين، وسوف يكون بإمكاننا التعامل مع هذه المسائل.quot; بينما صرح دينيس فان رويكل رئيس الاتحاد الوطني للتعليم، الذي يضم في عضويته 3.3 مليون عضو، أنه ينبغي التفاوض حول كيفية ربط الأجر بالأداء للتأكد من عدم استخدام هذا المبدأ بشكل عشوائي. كما تعترض نقابات المعلمين على توسيع نطاق المدارس التعاقدية لأنها تحول الموارد عن المدارس العامة ولا تخضع لرقابة مباشرة من حكومة الولاية.

و قد اعترف أوباما أن خطته لا ترضي جميع الأطراف، وتلقى معارضة من أعضاء الحزب الديمقراطي والمحافظين لكنها ضرورية في ظل فقدان ريادة الولايات المتحدة في مجال التعليم عالميًّا. وقال في هذا الصدد:quot; إن هناك عديدًا من المؤيدين لي في الحزب الديمقراطي يعارضون مكافأة التميز في التدريس عن طريق زيادة الأجر، على الرغم من أننا نعلم أن من شأن هذا إحداث فارق في العملية التعليمية، كما أن كثيرين من المحافظين عارضوا زيادة الاستثمارات في مرحلة التعليم قبل المدرسي، رغم وجود أدلة واضحة على أهميته.quot;

أوباما والسعي لتوحيد الجهود لإصلاح التعليم

اتخذت خطة أوباما لإصلاح التعليم خطًّا ديمقراطيًّا واضحًا من خلال زيادة الاستثمارات والحرص على أن تسهم سياسات التعليم في تحقيق العدالة الاجتماعية. ولكنه في الوقت ذاته اتخذ خطًّا أميل ليمين الوسط من حيث تشجيع الولايات على رفع معايير التعليم ونظم المحاسبة، إضافة إلى تشجيع الاختيار العام خاصة من خلال المدارس التعاقدية وربط أجر المدرسين بالأداء.

وهو في هذا يقترب من قانون لا طفل يترك وحيدًا الذي صدر عام 2001 وكان أحد أهم القوانين التي صدرت في عهد الرئيس السابق جورج بوش، وحظي بتأييد واسع نظرًا لأنه جاء عقب أحداث 11 من سبتمبر في وقت اتجه في الحزبان الديمقراطي والجمهوري لتأكيد الوحدة الوطنية في مواجهة التهديد الخارجي. وقد وضع هذا القانون معايير لأداء المدارس على المستوى الفيدرالي وربط التمويل بأداء المدارس مَقِيسًا بأداء الطلاب في الامتحانات القياسية. ولم تمس خطة أوباما حتى الآن هذا القانون على الرغم من اعتراض عديدٍ من الولايات عليه بالنظر لأنه يوسع دور الحكومة الفيدرالية في التعليم رغم كونه شأنًا خاصًّا بالولايات وفقًا للدستور. وربما يرجع هذا إلى أن إدارة أوباما ترغب في وضع معايير قومية للأداء تحاسب المدارس والمدرسين على أساسها. وحتى الآن اكتفت الإدارة بالتأكيد على أن خططها تقتصر على حثِّ الولايات على رفع معايير الأداء بها.

لقد لقيت خطة أوباما لإصلاح التعليم معارضة من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ولكنها في الوقت ذاته اشتملت على نقاط جمعت بين توجهات الحزبين، في إطار خطة طموحة يرى أوباما أنها تستعيد دور التعليم ليس فقط كضرورة اقتصادية، وإنما أيضًا كجزء من الحلم الأميركي. وتتجه عدد من التحليلات إلى أن التعليم سيكون أحد المجالات التي يمكن أن يتعاون فيها المحافظون مع الليبراليين حيث لا توجد خلافات جوهرية متعلقة به، مقارنة بالسياسات الاقتصادية على سبيل المثال. وسوف يحتاج المحافظون للتعاون مع إدارة أوباما بالنظر للتأييد الواسع الذي يتمتع به الرئيس واتجاه الرأي العام الأميركي لتفضيل التعاون بين الحزبين من أجل تطوير السياسة التعليمية، هذا بالإضافة إلى وجود أغلبية ديمقراطية في الكونغرس تعطي للرئيس حرية في الحركة.