واشنطن: خيارات السياسة الأميركية تجاه إيران وبرنامجها النووي هو موضوع جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة العلاقات الخارجية داخل مجلس الشيوخ بالكونغرس الأميركي، والتي تحدث بها ريتشارد هاس رئيس مجلس العلاقات الخارجية، وفرانك وايزنر والذي عمل سابقًا سفيرًا للولايات المتحدة الأميركية في مصر والهند والفلبين وزامبيا، ومارك فيتزباتريك كبير الباحثين بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية وكريم سجدبور الباحث بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي.
تناولت الجلسة السياسة الأميركية تجاه إيران فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني وكذلك إمكانية التعاون في قضايا الشرق الأوسط وعلى رأسها أفغانستان والعراق. وقد توافقت توصيات المتحدثين حول ضرورة سعي الولايات المتحدة لصياغة سياسة جديدة شاملة تجاه إيران قائمة على الحوار والتعاون.
إيران وإمكانية تطوير سلاح نووي
أبدى المتحدثون بالجلسة تخوفهم من البرنامج النووي الإيراني، فبالرغم من أن إيران لم تصل بعد لتطوير تكنولوجيا السلاح النووي إلا أنها قد تتمكن من ذلك في المستقبل القريب. وقال فيتزباتريك: إنه بالرغم من أن إيران لم تحسم بعد قرار تطوير أسلحة نووية إلا أن سعيها لتخصيب اليورانيوم يعني رغبتها في الحفاظ على خيار تطوير السلاح النووي في المستقبل خاصة مع الأجواء السرية التي أحاطت بالبرنامج النووي وارتباطه بالمؤسسة العسكرية، وقيام إيران باستثمارات بالغة في هذا البرنامج في الوقت الذي لا تملك فيه محطات نووية لاستخدام اليورانيوم المخصب.
وأكد فيتزباتريك أيضًا أن استمرار البرنامج النووي الإيراني ربما يؤدي إلى امتلاك إيران تكنولوجيا تصنيع الأسلحة النووية قد يؤدي بالتبعية إلى قيام دول المنطقة بالسعي لامتلاك تكنولوجيا نووية خاصة دول الخليج التي يشكل البرنامج النووي الإيراني تهديدًا مباشرًا لها وكذلك دول إقليمية مثل تركيا ومصر والتي تتخوف من تهديد مصالحها في المنطقة واختلال ميزان القوى لصالح إيران.
وعلى الرغم من ذلك أجمع المتحدثون داخل جلسة الاستماع على ضرورة الحوار مع إيران رغم تخوفهم من مساعيها لامتلاك أسلحة نووية وأكدوا على ضرورة إسقاط خياري التعامل العسكري أو تغيير النظام الإيراني.
الدبلوماسية والحوار أساس السياسة الأميركية تجاه إيران
اجتمعت آراء المتحدثين حول أولوية صياغة سياسة أميركية جديدة تجاه إيران قائمة على الدبلوماسية والحوار والتعاون في كافة القضايا التي تمس مصالح الطرفين والحروب والصراعات في منطقة الشرق الأوسط؛ فقد أكد فرانك وايزنر أنه quot; بدون إيران ليس هناك سبيلٌ للتعامل مع القضايا الهامة التي تواجه الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط. باعتبارها أكبر دولة في المنطقة، تلعب إيران دورًا محوريًّا في العراق وأفغانستان وأسواق الطاقة في المنطقة وأمن الخليج وقضية منع الانتشار النووي وأيضًا في المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين.quot;
وقد أوصوا جميعًا بضرورة إسقاط الولايات المتحدة الخيار العسكري أو الترتيب لضرب المنشآت النووية الإيرانية محذرين من عواقب ذلك؛ فيرى ريتشارد هاس أن القيام بأي عمل عسكري ضد إيران قد يدفع إيران إلى الإضرار بالمصالح الأميركية والموظفين الأميركيين والقوات الأميركية بالعراق وأفغانستان، كما يمكن لإيران أن تخفض من إنتاج النفط والغاز مما يؤدى لارتفاع الأسعار ويسهم في زيادة الكساد والأزمة الاقتصادية العالمية ناهيك عن أن ذلك قد يؤدي إلى ازدياد التشدد الإيراني ـ من وجهة نظره ـ، وتمسك إيران ببرنامجها النووي. وقال سجدبور: إن التهديدات الأميركية بعمليات عسكرية يعلي من أسهم المتشددين داخل إيران كما يحسن صورة إيران لدى الشعوب الإسلامية خاصة في القاهرة وجاكرتا ورام الله, وكذلك يؤدي إلى زيادة أسعار النفط والذي يؤدي بالتبعية إلى توفير الأموال اللازمة لإيران لاستكمال برنامجها النووي ودعم حماس وحزب الله.
وأكد هاس على صعوبة إقناع إيران بالتخلي عن برنامجها النووي كليةً سواء بالتهديد باستخدام القوى العسكرية والعقوبات الاقتصادية أو حتى بالحوافز السياسية والاقتصادية. وأوصى بأن تسعى الولايات المتحدة، في حال فشلها في إقناع إيران بتعليق أو التخلي عن تخصيب اليورانيوم، إلى وضع القيود عليها في مقابل رفع بعض العقوبات وتطبيع العلاقات مع إيران.
وأكد المتحدثون أن المرحلة المقبلة تتطلب بناء الثقة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران حتى تثمر سياسات الحوار والتعاون على تحقيق نتائج إيجابية في قضايا المنطقة والملف النووي الإيراني. فقد أكد هاس أنه على الولايات المتحدة أن تتخلى عن سياساتها القائمة على تغيير النظام الإيراني والتي تشكل في رأيه محور السياسة الأميركية تجاه إيران وأن تعمل بدلاً من ذلك على التأثير على السياسات والتوجهات الإيرانية والتوصل إلى اتفاقات حول الملف النووي والعراق وأفغانستان. وأوصى كريم سجدبور بأن تبدأ عملية بناء الثقة بالتركيز على القضايا التي تتوافر فيها درجة من التوافق بين المصالح الأميركية والإيرانية مثل العراق وأفغانستان بدلاً من القضايا التي يحتدم بها الخلاف بين البلدين كالصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي والملف النووي.
وأوصى وايزنر بأن توضح الولايات المتحدة بأنها غير راغبة في تواجد دائم أو بناء قواعد عسكرية دائمة في العراق وأفغانستان. كما أكد أن التعاون بين الولايات المتحدة وإيران يجب أن يكون مبنياً على إدراك متبادل بالمصالح الأميركية في المنطقة وبأن إيران قوة إقليمية لها مصالحها القومية التي تسعى لتحقيقها.
الحوار مع إيران في إطار متعدد الأطراف
أوصى كل من هاس وسجدبور بألا تكون السياسات الأميركية تجاه إيران أحادية، خاصة فيما يتعلق بالملف النووي وأكدا على ضرورة أن تكون السياسات الأميركية تجاه إيران في إطار متعدد الأطراف تضم الاتحاد الأوروبي والصين وروسيا والوكالة الدولية للطاقة الذرية وكذلك استشارة دول المنطقة، إسرائيل والدول العربية وتركيا. أما فيما يتعلق بباقي القضايا، أفغانستان والعراق والترتيبات الأمنية في المنطقة وquot;الإرهابquot; ودعم حماس وحزب الله، فقد أوصى هاس باتباع سياسة تفاوض ثنائية بين إيران والولايات المتحدة بعيدًا عن الأطراف الإقليمية.
وعلى خلاف ذلك أوصى وايزنر بتعاون متعدد الأطراف في كافة القضايا والمفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران وأن تحرص الولايات المتحدة على الحفاظ على الدعم الدولي لسياساتها تجاه إيران وأكد أنه لا ينبغي أن تؤدي سياسة الحوار مع إيران إلى اعتقاد إسرائيل والدول العربية أن الولايات المتحدة مستعدة للتعاون والتفاوض مع إيران دون علمهم.
الانتخابات الإيرانية وتوقيت بداية الحوار مع إيران
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية يثور التساؤل حول التوقيت المناسب لبدء الحوار مع إيران. في هذا الإطار أوصى كلٌّ من هاس وسجدبور بتأجيل الحوار مع إيران إلى ما بعد انتخابات الرئاسة الإيرانية المقرر لها في يونيو القادم، حيث يعتقد هاس أن بدء التفاوض مع إيران في الوقت الحالي حول ملفها النووي يضع المفاوضات في قلب العملية الانتخابية وخطابات المشرحين ويبعد الأنظار عن القضايا الاقتصادية والتي تشكل نقطة الضعف لمن في السلطة كما أن فتح الملف النووي الإيراني قد يدفع المرشحين لاتخاذ مواقف أكثر تشددًا. رغم ذلك فإن انتظار نتيجة لانتخابات، من وجهة نظر هاس، تعطي إيران مزيدًا من الوقت للاستمرار في تخصيب اليورانيوم لكنه مع ذلك يؤيد الانتظار ولكن مع استثمار الوقت في تطوير مبادرة جديدة بتأييد من أوروبا وروسيا والصين. وأكد سجدبور أيضًا على تفضيله انتظار نتيجة الانتخابات الإيرانية، ولكنه أكد على ضرورة أن تحرص الولايات المتحدة على ألا يُفهم ذلك من قبل إيران على أنه محاولة أميركية للتلاعب بالانتخابات الإيرانية، كما دعا إلى امتناع الولايات عن التعليق على الحملات الانتخابية أو إعلان تفضيلها لأي من المرشحين.
وانتقد وايزنر سياسة انتظار نتائج الانتخابات الإيرانية قائلاً: إن هذا يُوحي بأن الولايات المتحدة تفضل قدوم أشخاص بعينهم للسلطة وأوصى بضرورة البدء فورًا بالتعاون مع إيران دون الاهتمام بموعد لانتخابات، غير أنه عاد ليقول بأنه مع الانتهاء من الأعمال التحضيرية لصياغة سياسة جديدة تجاه إيران سوف تكون الانتخابات الإيرانية قد انتهت.
وقد أجمع المتحدثون على أن سياسة الحوار مع إيران لن تؤدي إلى نتائج سريعة وسهلة خاصة فيما يتعلق بالملف النووي وأنه من المتوقع أن تواجه الولايات المتحدة بعض العقبات خاصة وأن بعض الأطراف داخل إيران وخارجها، من وجهة نظر سجدبور، قد تعمل على تعطيل التعاون الأميركي ـ الإيراني من خلال استهداف القوات الأميركية في العراق وأفغانستان أو انتهاكات حقوق الإنسان واستخدام خطاب عدائي للولايات المتحدة، مؤكداً أن ذلك لا ينبغي أن يؤثر على توجهات الولايات المتحدة وسعيها إلى التنسيق والتعاون مع إيران في الترتيبات الخاصة بالمنطقة والمفاوضات بشأن برنامجها النووي.
التعليقات