إعداد عبد الإله مجيد: يقف مستشارو الرئيس الأميركي باراك اوباما في السياسة الخارجية حائرين إزاء الفوضى التي تعيشها باكستان مهددة كيان واحدة من ثماني قوى نووية في العالم. وفي هذا الاطار قالت وزيرة الخارجية هيلاري كلنتون انها تجد صعوبة في فهم السبب وراء امتناع الجيش الباكستاني عن التحرك لضرب مسلحي طالبان الذين يزحفون صوب العاصمة اسلام آباد.
ويلاحظ الكاتب ارنو دي بورتشغريف Arnaud de Borchgrave في صحيفة quot;واشنطن تايمزquot; ان باكستان ، بعد ستة عقود على الاستقلال ـ نصفها في ظل دكتاتوريات عسكرية ـ ما زالت مجتمعا اقطاعيا حيث بدأ انصار طالبان المعدمون انتفاضة ضد الملاك الذين يدعمون حكومة الرئيس آصف علي زرداري الفاشلة. ومن الصعب ان نتصور انه يحظى بتأييد واسع في المواجهة الناشئة بين محرومي باكستان ومتخميها. ويقول زرداري ان باكستان في حالة حرب دون ان يحدِّد العدو. وبالنسبة لطالبان والملايين من معدمي باكستان فان العدو هو المؤسسة السياسية الباكستانية والمُلكيات الاقطاعية التي تتمتع بحماية الحكومة.
ويواصل ارنو دي بورتشغريف تحليله قائلا: تُعد باكستان نسخة من الثورة الاصولية الاسلامية في ايران التي اطاحت بنظام الشاه الموالي للغرب في عام 1979 واعدمت نحو سبعة آلاف quot;من اعداء الثورةquot; في غضون اشهر ، أو أكثر ممن قتلهم الشاه على امتداد اربعين عاما على عرش الطاووس.
ولفهم نقمة 170 مليون باكستاني يكفي ان ننظر الى عدد طالبان أو الطلاب الذين تخرجوا من 12500 مدرسة دينية في عموم باكستان توفر لهم ثلاث وجبات ومأوى خلال سنوات الدراسة. ومنها يتخرج نحو مليوني يافع كل عام. وهم ابناء مزارعين صغار أو فلاحين معدمين ، ليس بمقدورهم ان يتحملوا تكاليف المدارس النظامية (غالبية الباكستانيين يعيشون على دولارين في اليوم). والى جانب ما يحصل عليه الطلاب من وجبات وملابس وكتب ودفاتر توزع عليهم مجانا فان كثيرين يتلقون وعودا بتشغيلهم في الجوامع أو في مدارس دينية أخرى. انهم يتعلمون العربية ويحفظون القرآن في عملية تعتمد على الذاكرة الخالصة دون مهارات تحليلية. وعلى هذه الطريقة تربى ملايين الشبان الباكستانيين. وينخرط كثيرون في صفوف الجيش حيث يرون ان اطلاق النار على مسلحي طالبان كمن يقتل مجاهدين في سبيل الله.
وهنا يستدرك ارنو دي بورتشغريف موضحا بأن الجيش الباكستاني، بضغط هائل من الولايات المتحدة للتحرك ضد طالبان وتنظيم quot;القاعدةquot; تكبد 1400 قتيل و4000 جريح في 2007 ـ 2008. لم يكن الجنود يقاتلون عن قناعة وإيمان. وتوصل الجيش الباكستاني الى اتفاقات لوقف النار سرعان ما خُرقت وانطلق عدد غير محدَّد من مقاتلي طالبان كانوا منطقة القبائل متوجهين الى وادي سوات ، اشهر مناطق باكستان السياحية. وهناك ايضا زهق الجيش الباكستاني من قتل ابناء شعبه واعترفت حكومة زرداري بالهزيمة وسمحت لطالبان بتطبيق الشريعة الاسلامية كما تفهمها ، وعبرت طالبان عن فهمها بجلد فتاة في السابعة عشرة علنا بعدما شوهدت تتحدث مع رجل لا تربطها به صلة قربى. وسُجل صراخها على شريط فيديو عُرض في انحاء العالم.
ثم تمادى مقاتلو طالبان فدخلوا منطقة برونر المجاورة لوادي سوات. وهنا سارعت كلنتون والمبعوث الخاص الى افغانستان وباكستان ريتشارد هولبروك الى قرع ناقوس الانذار والضغط على زرداري وقائد الجيش للتحرك في مواجهة طالبان. ولكن كلنتون اعترفت بالقسط الذي تتحمله الولايات المتحدة من المسؤولية عن زرع بذور التطرف كوسيلة لمواجهة الاحتلال السوفيتي في افغانستان إبان الثمانينات. فان طالبان اليوم ابناء مجاهدي الأمس.
ردت الحكومة الباكستانية بارسال قوات لتعزيز سلطتها فتجاهلتها طالبان واستمرت في ترهيب سكان المنطقة البالغ عددهم نصف مليون. منعت الموسيقى وأغلقت محلات الحلاقة وأمرت الرجال بإطلاق لحاهم لتكون بالطول الموصوف مقاسا بقبضة يد تحت الحنك. وفُرض البرقع على البنات من سن السابعة فما فوق. ويجوب عناصر طالبان انحاء المنطقة للتوثق من الالتزام بتعاليمهم في آليات مسروقة.
في وسط اسلام آباد استعاد المتشددون من انصار طالبان سيطرتهم على المسجد الأحمر بعد الافراج عن زعيمهم مولانا عبد العزيز.
ان متشددي طالبان يقضمون كيان باكستان السياسي بطريقة تشبه الى حد بعيد ما فعله نظراؤهم في ايران قبل ان يطيح الملالي بحكم الشاه في عام 1979.