إعداد عبد الإله مجيد: قال الرئيس الاميركي باراك اوباما في المؤتمر الصحفي الذي عقده بمناسبة اليوم المئة من ادارته انه يشعر بقلق بالغ على الوضع في باكستان ولكنه واثق من ان ترسانتها النووية ستبقى بعيدة عن أيدي المتطرفين. ولكن مراقبين ابدوا شكوكا في جدوى هذه العبارات التطمينية إزاء المكاسب العسكرية والسياسية التي تحققها طالبان باكستان في انحاء البلاد. ويؤكد هؤلاء المراقبون ان أمن الولايات المتحدة وامن اصدقائها وحلفائها يتوقف بدرجة كبيرة على منع مزيد من الخصوم ، لا سيما اولئك الذين يحملون ايديولوجيات عدمية ، من امتلاك اسلحة نووية. وفي هذا السياق حذر الكاتب جون بولتن في صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; من ان باكستان تواجه احتمالين احلاهما مر إذا لم يكن هناك تحرك حاسم ضد المتطرفين الاسلاميين هناك.
الاحتمال الأول هو تفاقم انعدام الاستقرار ونجاح المتطرفين في تقويض مؤسسات باكستان الديمقراطية الهشة وجيشها. فالجيش الذي كثيرا ما يوصف بأنه quot;هيكل باكستان الفولاذيquot; لتمكنه من الحفاظ على وحدة البلاد رغم تعاقب الحكومات المدنية الفاسدة أو غير الكفء ، هو نفسه مهدد الآن من داخله باتساع مشاعر التأييد لطالبان في صفوفه. وفي هذا الوضع هناك خطر حقيقي من ان تفلت اسلحة فتاكة من رقابة الجيش وسيطرته لا سيما إذا كانت الترسانة النووية موزعة ومتناثرة في انحاء البلاد ، كما قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلنتون مؤخرا في شهادة امام الكونغرس. وفي هذه الحالة يمكن لأسلحة كهذه ان تجد طريقها الى تنظيم quot;القاعدةquot; أو جماعات ارهابية أخرى ، بما ينطوي عليه ذلك من تداعيات دولية غنية عن الشرح.
الاحتمال الثاني حتى اشد خطرا. فانعدام الاستقرار يمكن ان يؤدي بالحكومة الدستورية الى الانهيار تماما وبالجيش الى التفكك. ومن شأن هذا ان يتيح لمجموعة حسنة التنظيم وذات انضباط حديدي ان تنتزع مقاليد الحكم في باكستان. وفي حين ان متطرفين من رهط طالبان قد لا تكون لديهم فرصة ولا حتى ضئيلة للفوز في انتخابات حرة ونزيهة فان من الجائز ان يستغلوا اجواء الفوضى للاستيلاء على السلطة. وإذا حدث ذلك ، يمكن ان تقع قدرات نووية كبيرة تحت سيطرة نظام حكم اسلاموي متطرف.
هذا الاحتمال الثاني لن يضع قدرات باكستان النووية في متناول جماعات ارهابية دولية فحسب بل ان خطر المواجهة النووية مع الهند ايضا سيزداد بحدة. يضاف الى ذلك ان ايران ستعمل بكل تأكيد على تسريع برنامجها التسلحي الخاص بها تليها على نحو لا مرد منه دول اخرى في المنطقة (مثل العربية السعودية ومصر وتركيا) لامتلاك اسلحة نووية ربما بشرائها مباشرة من نظام الحكم الجديد في اسلام آباد.
للحيلولة دون حدوث اي من الاحتمالين يتعين اعلاء باكستان لتكون على رأس الاجندة الاستراتيجية الاميركية وإن كانت ترتبط ارتباطا وثيقا بالوضع في افغانستان (الباشتون على جانبي الحدود يشكلون مصدرا كبيرا لرفد طالبان بالقوى البشرية رغم ان هذه المنطقة ليست وحدها التي تمد المتطرفين بالدعم والتأييد). وعلى الضد من الحسابات الدولية الغربية فان القوى الرئيسية المحركة للنزاع في البلدين تتمثل بالولاءات الاثنية والقبلية والتعصب الديني والانتهازية البحتة. ولا يتعلق الأمر بثورة محرومين على مرفهين. وبالتالي لا زيادة المساعدات الاقتصادية ولا الدفع بمستشارين مدنيين الى العمق ولا تعزيز المؤسسات الديمقراطية كفيل بإزالة الخطر الاستراتيجي في وقت قريب.
هذا الوضع ليس وليد البارحة. والولايات المتحدة تدفع ثمن سياساتها الفاشلة في منع الانتشار النووي ، التي عاقبت باكستان على برنامجها النووي بقطع المساعدات العسكرية وتقليص برنامج الاعداد والتدريب العسكري الدولي الذي كان مئات الضباط الباكستانيين يدرسون في الولايات المتحدة على اساسه. ولعل من المحتوم ان يتعرض الضباط الباكستانيون الذين لم يشاركوا في دورات البرنامج الى تأثيرات راديكالية بصورة متزايدة.
يضاف الى ذلك ان ادارة بوش بدفعها الرئيس السابق برويز مشرف الى انتخابات ليست مواتية وبذلك عزله عن الحكم ، تسببت عمليا في تفاقم عدم الاستقرار في النظام الباكستاني المعتل اصلا.
ويقول الكاتب في الختام ان تفادي وقوع كارثة يتطلب مجهودا اميركيا كبيرا لا بد ان يستثير مقاومة من باكستانيين كثر لأسباب مختلفة في غالب الأحيان. فعلى الولايات المتحدة ان تقوي العناصر المؤيدة لها داخل الجيش ليتمكنوا من تطهير صفوفه من المتشددين ، ورد طالبان على اعقابها ، وبالتضافر مع الجهود الغربية في افغانستان ، دحر المتطرفين على جانبي الحدود. وقد يعني هذا التسليم بسيطرة الجيش على الحكم إذا انهارت الحكومة المدنية تحت ضغط المتطرفين.