عبد الخالق همدرد من إسلام آباد: مضى أكثر من أسبوع واحد على مغادرة السفير السعودي السابق لدى باكستان علي بن سعيد بن عواض عسيري. وقد تولى مهام عمله في بيروت؛ إلا أنه لا يزال quot; الحاضر الغائب quot; في الصحافة الباكستانية.

ويعود أسباب ذلك إلى الميزات التي تميز بها السفير عسيري والأمور التي قامت بها الحكومة الحالية. يقول المحللون إن عسيري قضى الأيام quot;العسيرةquot; في التاريخ الباكستاني في هذه المنطقة؛ لأن باكستان دخلت مرحلة أخرى من تاريخها بعد تحالفها مع الولايات المتحدة تحت quot; بند quot; الحرب على الإرهاب. وبذلك بدأ التاريخ الدموي لباكستان والذي لم يتم كتابة الباب الأخير منه.

ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية هي الدولة التي وقفت إلى جانب باكستان في كل محنة منذ استقلال باكستان؛ إلا أن المساعدات المالية التي قدمتها السعودية بعد قيام باكستان بالتجارب النووية عام 1998م وإثر الزلزال المدمر لعام 2005م، أمر لن ينساه الشعب الباكستاني. كما وأن المساعدات السعودية لإغاثة المتشردين من سوات والمناطق المتضررة الأخرى تجاوزت 600 طن من المواد التموينية والإغاثية.

وإلى جانب المدح والإشادة بدور عسيري في تعزيز العلاقات بين البلدين ورفعها إلى آفاق جديدة، يشير بعض التقارير إلى أمور سلبية على جانب الحكومة الباكستانية إزاء المملكة العربية السعودية وسفيرها السابق.

أشار تقرير نشرته صحيفة (ذي نيوز) الناطقة بالإنجليزية يوم السبت الماضي أن الحكومة الباكستانية قد نقلت إلى السفير معلومات عن تهديد لحياته ولأسرته من جانب quot; إرهابيين مجهولين quot; ؛ لكنها رفضت رفع مستوى حمايته رغم طلبه.

كما وأن الصحافة تذكّر الحكومة الباكستانية كل يوم بأنها قد بدأت تسير على خط لا يوافق ومصالح باكستان ولاسيما في مجال العلاقات الدولية والخارجية؛ لأنها أصبحت تبتعد عن أصدقائها المجربين مثل الصين والمملكة العربية السعودية وتدور في فلك المصالح الأميركية من دون اعتبار لمصالحها الوطنية.

وأشارت الصحافة إلى أن السفير السعودي كان أحد السفراء الذين نالوا وسام quot;هلال باكستانquot; ndash; أكبر وسام مدني ndash; لخدماته التي قدمها في سبيل تعزيز العلاقات بين باكستان وبلاده؛ لكنه رفض قبول هدية متمثلة في مرزعة بالعاصمة الباكستانية وتقدر قيمتها بملايين الروبيات وقد قدمتها الحكومة الحالية إليه اعترافا بخدماته لباكستان. وأكد أن كل ما يقوم به هو، من واجبه وبسبب ثقته التي أناطت به قيادته.

من جهة أخرى أشار تقرير (ذي نيوز) إلى أن رفض السفير لتلك الهدية أغضب الحكومة الباكستانية التي كانت ترغب في كسبه إلى جانبها لبعض الأمور التي لا تنصب في مصلحة العلاقات بين باكستان والمملكة.

وزاد ا لتقرير أن السفير السعودي عارض إنشاء quot; صندوق ائتمانquot; من جانب quot;أصدقاء باكستانquot; وكان يهدف إلى استثمار مباشر لأكثر من 4 بلايين دولار في إقليم بلوشستان وإقليم الحدود الشمالية الغربية المضطربين من دون أي رقابة لإسلام آباد عليه. وقد أشارت الصحافة إثر اجتماع أصدقاء باكستان في أبوظبي قبل شهرين أن quot;دولة إسلامية شقيقة أخفقت مؤامرة لتقسيم باكستانquot;.

وكان القصد وراء إنشاء ذلك الصندوق منح فرصة للتدخل الدولي في تلك المناطق بتبرير مراقبة ذلك الاستثمار واستعادته. طبعا هذا الأمر لم يكن يعني سوى أن تكون الحكومة الباكستانية لعبة بأيدي القوى الأجنبية في تلك المناطق ولا تكون لها أي سلطة وبالتالي يزداد الوضع انفلاتا وأخيرا يتوجه إلى الانفصال.

وقد حدث أمر غير عادي خلال مغادرة السفير السعودي وهو أنه أصبح أول سفير سعودي يغادر البلاد بدون إجراء لقاء توديع مع الرئيس الباكستاني. وquot;الفضل quot; في ذلك أيضا يعود إلى الرئيس الباكستاني الذي لم يجد وقتا لاستقبال السفير المغادر رغم تقدم السفارة السعودية بطلب في هذا الصدد مرتين، حسب التقارير الصحفية.

ويرى محللون أن الرئيس زرداري هو الذي تسبب في إصابة العلاقات الدبلوماسية المتميزة بين باكستان والمملكة بـquot;البرودةquot; بتغيير مسار زياراته الخارجية، إذ كان من المعروف أن طريق كل رئيس باكستاني قبله إلى واشنطن ولندن أو أي وجهة أخرى كان يمر بجدة؛ إلا زرداري الذي له محطات عبور أخرى غير جدة. كما وأن الرؤساء السابقون كانوا يزورون المملكة لأداء العمرة على الأقل مرة في كل فصل؛ لكن زرداري لم يقم بذلك إلا مرتين: مرة ذهب كعضو لوفد رئيس الوزراء ليطلب النفط قبل توليه الرئاسة والمرة الثانية ذهب لزيارة رسمية.

رغم ذلك ترفض مصادر دبلوماسية سعودية والناطق باسم الرئاسة الباكستانية الانطباع ببرودة العلاقات الباكستانية السعودية وتعتبرها مجرد فضول صحفي، مشيرة بأن تلك العلاقات لا تزال على ما يرام. كما وأن السفير المغادر قد أكد خلال توديعه للصحفيين الباكستانيين أن المملكة العربية السعودية لن تدع باكستان لتفشل، مؤكدا كل الدعم لباكستان.

إلى ذلك ويبدو أن هناك محاولات لتبريد العلاقات الباكستانية السعودية وإنشاء كتلة جديدة في المنطقة من أجل تقليل النفوذ السعودي. ولعل القمة الأفغانية الإيرانية الباكستانية في طهران كانت خطوة في هذا الاتجاه؛ لكن السؤال الملح الذي يطرح نفسه في هذا الوضع: هل يمكن لباكستان أن تجد بديلا عن المملكة العربية السعودية كشريكة إستراتيجية وصديقة مخلصة؟؟ والرد على هذا السؤال تتكفل به الحكومة الباكستانية.